المتتبع للسياسات والتشريعات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة المصرية يجدها ترتكز على محورين:
الأول: بيع مقدرات البلاد وثرواتها لفئة من المنتفعين وحرمان أهل مصر منها تماما.
المحور الثاني: فرض الضرائب على أهل مصر والاقتراض من الداخل والخارج.
تلك هي محاور السياسة الاقتصادية في مصر؛ فالملكية العامة من غاز وبترول وخامات مثل الذهب والفوسفات وغير ذلك، معظم تلك الثروات تم بيعها للغرب والباقي منها يعد للبيع، كل ذلك يتم تحت اسم الاستثمار وهو في حقيقته بيع لمقدرات البلاد وثرواتها، وتبع بيع تلك المقدرات مصيبة أكبر من أختها ألا وهي تهيئة الأجواء للمشتري (المستثمر) كي يتمكن من الاستفادة على أكمل وجه من ثرواتنا كتعويم الجنيه المصري والذي نتج عنه تضخم في الأسعار لم تشهده البلاد من قبل وكذلك تسريح العاملين بالقطاع العام ورفع الدعم عن المحروقات والسلع الغذائية.
أما المحور الثاني فهو فرض الضرائب والاقتراض من الداخل والخارج وهو نتيجة طبيعية للمحور الأول. فبعد بيع الملكية العامة والتفريط فيها فقد أهل مصر وارداتهم التي كانت تستخدم في توفير البنية التحتية وتأمين السلع الأساسية لهم وفقدت الدولة موردها الذي تعتمد عليه في مباشرة عملها فاتجهت لفرض الضرائب على الناس ونظرا لحالة الفقر الذي تعيشه البلاد نتيجة نهب ثرواتهم وانعدام مقومات الصناعة والتجارة والزراعة لم تستطع الدولة الحصول على كم الضرائب اللازم فاتجهت للاقتراض من الداخل والخارج حتى بلغ الدين معدلا ينذر بكارثة حيث بلغ إجمالي الدين الخارجي والداخلي 338 مليار دولار تقريبا وبعد أن كانت تقترض للقيام بأعبائها كدولة أصبحت تقترض لسداد الربا والأصول التي حل أجلها فتسد الدين بالدين مما أدى لتفاقم الأمور وازدياد فقر البلاد والعباد.
وعلى الرغم من وضوح الأزمة وتفاقمها ما زالت الدولة مصرة على المضي قدما بأهل مصر إلى الهاوية بإصرارها على ممارسة تلك السياسات التي من شأنها أن تقضي على الأخضر واليايس بل وتجبر الناس على تلك السياسات بقوة السلاح ولا تسمح لأي شخص أن ينتقد سياساتها المدمرة وكأنها كتاب أنزله الله من السماء فليس لأحد أن يعترض عليها!
إن المدقق في تلك السياسات يجدها تصب في مصلحة حفنة قليلة من المنتفعين الرأسماليين الغربيين أصحاب الشركات الكبرى وبعض رجالات الجيش المصري وأن دور الدولة بجميع مؤسساتها هو حماية مصالح هؤلاء الرأسماليين والحصة المتروكة للجيش هي لضمان ولائه للحاكم؛ فحقول الغاز على سبيل المثال تحت سيطرة شركة إيني الإيطالية وشركة بريتش بتروليوم البريطانية، ومنجم السكري للذهب تحت سيطرة شركة أسترالية، وتم ذلك بعقود لا يعلم أهل مصر شيئا عن مضمونها، وكذلك معظم الخدمات العامة تم بيعها لشركات عالمية والباقي يُعد للبيع وتم ذلك بتحويل القطاع العام لقطاع خاص... فوفقا لقانون (203) لسنة 1991 المتعلق بشركات القطاع العام تم إحلال الشركات القابضة محل هيئات القطاع العام وبنص القانون. فهذه الشركات تعامل معاملة الشركات المساهمة وبهذا تحولت الملكية العامة لملكية خاصة وتبع ذلك إزالة كل العوائق من أمام المشتري (المستثمر) مستقبلا فبدأت الحكومة بالسعي لتعويم سعر تلك الخدمات ورفع أي دعم حكومي عنها تمهيدا لخصخصتها بالكامل وبيعها لشركات عالمية؛ فالمواصلات والطرق والكهرباء والمياه وغير ذلك من خدمات بدأت الدولة في زيادة أسعارها بشكل تدريجي وصولا بها للسعر العالمي لتلك الخدمات، فالمترو رفعت تذكرته من جنيه واحد إلى سبع جنيهات تمهيدا لبيعه وخاصة أن هناك بندا يسمح لهيئة مترو الأنفاق أن تعطي حق تشغيله لجهة وطنية أو أجنبية لمدة لا تزيد عن ثلاثين عاما، وتعويم التذكرة ما هو إلا ترغيب وتشجيع للمشتري (المستثمر) وإزالة للعقبات من طريقه، وتبرر الحكومة هذه الزيادات بارتفاع تكلفة تلك الخدمات وتسببها في عجز بميزانية الدولة، وكذلك الكهرباء أعلن وزيرها منذ أيام أن الدعم سيرفع عن الكهرباء تماما في شهر تموز/يوليو 2019 والمياه رفعت الدولة سعرها مرات عدة منذ بدأت مفاوضاتها مع صندوق النقد، وكذلك المحروقات من بنزين وسولار زادت أسعارها مرات عدة تمهيدا لرفع الدعم عنها
من كل ما سبق يتبين لنا أن الدولة مصرة على التفريط في ثروات البلاد وتسليمها لحفنة من الرأسماليين ومصرة على زيادة حالة الفقر المستشرية في البلاد وذلك بفرض مزيد من الضرائب ورفع أسعار السلع والخدمات بعد أن ملكتها لحفنة من الرأسماليين مما أدى إلى زيادة الأعباء على الناس، وهي مصرة أيضا على الاستمرار في الاستدانة من الداخل والخارج مما أدى لإغراق البلاد في دوامة الديون الربوية.
وقد يسأل سائل وما البديل؟
بقلم: الأستاذ حامد عبد الله
والجواب هو أن الله سبحانه وتعالى قد فرض على المسلمين نظاما اقتصاديا ينظم معيشتهم وأمرهم باتباعه نظاما أساسه عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله ومقياسه الحلال والحرام على عكس النظام الاقتصادي الغربي الكافر الذي أسس على الربا وانبثق من عقيدة فصل الدين عن الحياة ومقياسه النفعية.
لقد حدد الإسلام المشكلة الاقتصادية بأنها عدم إشباع الحاجات الأساسية لكل فرد بعينه ووضع لحلها تشريعات في غاية الرقي؛ ففرض الزكاة في أموال معينة وجعل لها مصارف ثمانية وأمر خليفة المسلمين أن يقوم على جمعها من مواردها وإنفاقها في مصارفها ومنع الأفراد من تملك ثروات بعينها وجعلها ملكية عامة لكل المسلمين ينفق منها على مصالحهم الأساسية من بنى تحتية ومستشفيات ومدارس وغير ذلك وأمر خليفة المسلمين أن يقوم على رعايتها ومنعه من تمليكها لأي فرد سواء أكان من المسلمين أم من غيرهم وجعل للخليفة أن يقتطع من تلك الثروات ما يلزم الدولة للقيام برعاية شؤون الناس من مبان وسيارات ورواتب وغير ذلك، وحرم الربا والغش والاحتكار، وأمرنا بالتقدم في الصناعات الحيوية وجعل ذلك فرضا كصناعة السلاح والدواء وغير ذلك مما لا يتم واجب الجهاد والرعاية للأمة إلا به بل أوجب علينا أن نمتلك التكنولوجيا والقدرة على الصناعات التي من شأنها أن تجعل للكافرين علينا سبيلا إن فقدناها وتملكها أعداؤنا...
تلك نبذة مختصرة عن نظرة الإسلام للاقتصاد وعلاجه لمشكلاته.
إلا أن تبعية الحكام للغرب الكافر جعلتهم يتركون ما شرعه الله خلف ظهورهم ويتبعون سنن أعدائنا، ولا سبيل للخلاص من هيمنة الغرب إلا بإزالة هذه الأنظمة العميلة بإزالة الرأسمالية من بلادنا وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فينعم المسلمون في ظل الإسلام ويحملونه نورا وهدى للعالم أجمع ويخلصون به البشرية كلها من ظلم وتجبر الرأسمالية اللذين لم يسلم منهما مسلم ولا كافر.
بقلم: الأستاذ حامد عبد الله
رأيك في الموضوع