روت زبيدة ذات الخمسة وعشرين ربيعا كيف اقتحم الجيش في ميانمار قريتها الصغيرة ذات يوم فإذا بالرجال يلوذون بالفرار بحياتهم وإذا بابنها الذي يبلغ من العمر 8 سنوات يفر خلفهم وقبل أن يبتعد تصيبه رصاصة فيقع قتيلا. عادت زبيدة لبيتها تحتضن طفلها وجلس النسوة حولها فإذا بالجيش يعود ويقتادها الطغاة تحت تهديد السلاح للاعتداء عليها. (هيومن رايتس أوبزيرفر 17/4/2017). زبيدة اسم مستعار لواحدة من نساء الروهينجا من قرية نيونغسونغ، ولعل زبيدة رمز لمعاناة الروهينجا في عامها الخامس، رمز لنفاق المجتمع الدولي وشعاراته الفارغة ووهن المسلمين عن نصرة إخوانهم في الله.
شهدت الفترة الأخيرة تحركات دبلوماسية مكثفة للحكومة في ميانمار من أجل تحسين صورة النظام أمام المجتمع الدولي بعد توالي التقارير والشهادات من ناجين من عمليات التطهير العرقي في ميانمار. وظهرت الرئيسة المتوجة زورا وبهتاناً بجائزة السلام أونج سان سو على شاشات التلفاز وفي المؤتمرات الصحفية لتقنع العالم بصعوبة الانتقال إلى الديمقراطية وما يصاحب هذا من تحديات. وعمد النظام لتلميع صورته للحفاظ على الدعم الدولي والذي ظهر في زيادة الاستثمارات الخارجية والدعم المادي المتواصل. وتبنت الدولة خطابا دبلوماسياً يخفف من حدة التنديد باضطهاد الروهينجا ويطالب بالسلام والمصالحة دون الإخلال بالموقف الرسمي الرافض للتقارير الأممية التي تشير لتطهير عرقي في ميانمار والرفض للاعتراف بحق الروهينجا في الجنسية والحقوق والحماية. وشملت هذه التحركات لقاءات بزعماء الدول في الغرب وبعض الرموز الدينية والسياسية كما شملت مؤخرا محاكمات صورية لبعض القوميين المتشددين إلا أن وتيرة الأحداث في أراكان تتصاعد والمنطقة تعيش فوق صفيح ساخن.
ومع تفاقم الأحداث في أراكان استهل الراهب البوذي سيئ الذكر أشين ويراثو هذا الشهر بزيارة إلى مدينة أكياب في ولاية أراكان. ووصفت الصحف هذه الجولة للزعيم الروحي لحركة 969 المتطرفة المعادية للمسلمين بالغامضة. واللافت أن الجولة في ولاية أراكان تمت تحت حراسة مشددة من الأمن فتجول في مناطق المسلمين ينشر الكراهية بين الرهبان البوذيين ويثير القوميين ضد المسلمين الذين يصفهم بأنهم بنغال ليس لهم حق في أرض ميانمار. وبالرغم من أن ويراثو ينشر خطاب الكراهية إلا أنه في مأمن من الحكومة وتحت حماية ودعم الأمن، وأثارت هذه الزيارة الرعب في المسلمين العزل وكأنها أشبه بقرع طبول الحرب ضدهم. هذا الخوف هو الذي دفع الروهينجا لعدم مواجهة الرهبان المتطرفين والقوميين الذين أغلقوا مدرستين إسلاميتين في 28 نيسان/أبريل بحجج واهية فلم يكن الرهبان في مواجهة المسلمين بل كانوا برفقة وحماية الأمن والشرطة. فَهِمَ المسلمون المستضعفون في أراكان من هذه الجولة لعدو الله ويراثو أن الرهبان البوذيين يحضرون لأمر ما وأنها بمثابة إنذار بطوفان قادم. نسأل الله أن يحفظهم ويثبتهم ويجبر كسرهم.
لم يقتصر ويراثو على نشر الكراهية بين الرهبان البوذيين بل بات يخاطب الإعلامي الغربي الذي طغت عليه الإسلاموفوبيا ويتحدث عن المسلمين كعبء مشترك لا بد من التكاتف للقضاء عليه والوقوف في وجهه من أجل حماية الهوية القومية كما سماها. يحذر الغرب من أن عدم الوقوف في وجه المسلمين سيؤدي لنشر الإسلام وأسلمة المجتمع. صعّد الرهبان البوذيون من خطاب الكراهية بينما تبنت الحكومة اللغة الدبلوماسية الناعمة والدفاع عن شعارات الديمقراطية، وحقيقة الأمر أنهما وجهان لعملة واحدة.
وفي إطار الجهود لتغيير الصورة السلبية عن ميانمار ورداً على الاتهامات بالتعتيم الإعلامي على الروهينجا نسقت الحكومة في ميانمار لجولة من الصحفيين المحليين والدوليين في ولاية أراكان ذات الأغلبية المسلمة وقد استمرت الجولة من 10-29 آذار/مارس وشملت مدينتي ماونغداو وبوثيداونغ وضواحيهما وتمكن الصحفيون من التجول في 16 قرية و4 مخيمات للنازحين وسمعوا من سكانها. وذكر لهم الناس تدهور الأوضاع وسوء الحال والخوف الذي يخيم على حياتهم اليومية. بذل الصحفيون الموالون للنظام الجهد في تبرير موقف الحكومة وإلقاء اللوم على الضحايا واتهام العزل بممارسة أعمال عنف ولكنهم ذكروا حقيقة تدمي القلوب وهي أن النساء في كل قرية من القرى الـ16 ذكرن انتشار حالات الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب. (ونشر التقرير الصحفي عن الزيارة في الإعلام المحلي بعنوان "العنف والخوف يهيمنان على الرحلة الإعلامية لمانغداو" فرونتير ميانمار 11 أيار/مايو 2017).
وقد سبق التقرير المحلي تقرير لمفوضية حقوق الإنسان للأمم المتحدة عن عمليات مروعة وانتهاكات جسيمة من قبل قوات الأمن في ميانمار ضد الروهينجا في ولاية أراكان الشمالية. وأن هذه الانتهاكات شملت حجما غير مسبوق للاغتصاب الجماعي والقتل. وقد سلطت صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على صور ظهرت مؤخرا تكشف معاناة اللاجئين الروهينجا ومنهم الأطفال الذين تعرضوا لجروح وحروق على يد الجيش في ميانمار.
ذكرت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن أكثر من 186,000 من الروهينجا قد فروا من ميانمار في إطار عملية التهجير القسري التي تقوم بها الحكومة في ميانمار. وقال ممثل المفوضية في بنجلاديش إن الرجال والنساء والأطفال من هؤلاء اللاجئين عرضة لخطر الوقوع كضحايا للجريمة ما لم تتخذ إجراءات عاجلة. ولعل من أهم أسباب هرب الناس من قراهم هي الهجمات التي يقوم بها الغوغاء على منازل المسلمين حيث يقتادون الرجال ويقتلون الأطفال ويعتدون على أعراض النساء. وبعد هذا إذا بالشيخة حسينة واجد تمد يد العون والتعاون مع مجرمي ميانمار وتنادي للتفاوض مع النظام العنصري من أجل حل أزمة الروهينجا، متناسية قول المولى عز وجل ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
للعام الخامس على التوالي ولم تجف دموع نساء وفتيات الروهينجا. خمس سنوات عجاف والاستغاثة لا يقابلها إلا شعارات وتنديدات لا قيمة لها. إن العدو معلوم والظالم معروف وطريق نصرتهم لا يخطئه ذو بصر وبصيرة، والدعوة موجهة لأهل القوة والمنعة في جيوش بنجلاديش وماليزيا وبلاد المسلمين لينفضوا غبار الذل عنهم ويسارعوا لحماية أعراضهم والذوذ عن ذراريهم.
أليس فيكم رجل رشيد ينسي الغوغاء وساوس الشيطان؟
﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾
رأيك في الموضوع