التضخم هو ارتفاع متزايد في أسعار السلع والخدمات، وللتضخم أسباب إلا أن المتتبع للسياسات النقدية التي تمارسها الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة بأمر من صندوق النقد الدولي يتبين له سبب هذا التضخم الهائل الذي يكاد يعصف بمصالح الناس ويهدد أرزاقهم ألا وهو تعويم الجنيه المصري في شهر 11/2016. فالتضخم لم يحدث بسبب زيادة كلية في تكلفة المواد الخام ونفقات الصناعة والتجارة بسبب ندرتها، بل سببه هو هبوط قيمة الجنيه أمام الدولار بعد التعويم مباشرة، ويتبين هذا جليا إذا استعرضنا نسب التضخم قبل التعويم وبعده وفقا لما ورد في تقرير للبنك المركزي بتاريخ 11 آذار/مارس 2017.
ففي شهر 10/2016 كانت نسبة التضخم 15.7%، وفي شهر 11/2016 كانت نسبته 20.7%، وفي شهر 12/2016 بلغت نسبة التضخم 25.86%، وفي شهر 1/2017 بلغت نسبته 30.86%، وهذا معناه أن الأسعار ارتفعت بنسبة 100% بعد تعويم الجنيه! هذا هو واقع التضخم الحادث في مصر. أما التعويم فهو عدم تدخل البنك المركزي في تحديد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأخرى وخاصة الدولار وتخليه عن سياسات الدعم التي كان يقدمها للبنوك كي يحافظ على سعر صرف ثابت نسبيا ومقبول، والتعويم في حد ذاته ليس السبب المباشر في التضخم؛ إذ التعويم في حقيقته هو تخلي الدولة عن التسعير للعملات. بل المشكلة الحقيقية تكمن في أسس النظام الرأسمالي الذي يعتبر المشكلة الاقتصادية هي نقص السلع والخدمات مقابل الحاجات وهو ما يسمونه بالندرة النسبية، ويعتقدون أن حل تلك المشكلة يكون بزيادة الناتج القومي الإجمالي عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية. ومن عوامل الجذب عندهم تعويم العملة، والمشكلة الأكبر من ذلك هي اعتقادهم أن توزيع هذا الدخل سيكون تلقائيا عن طريق مشاركة الناس في العملية الإنتاجية دون تدخل منها، بل يعتقدون أن تدخل الدولة في توزيع الثروة خطأ وعبء على الاقتصاد ونموه فاتجهت الدولة لرفع الدعم عن السلع التموينية والطاقة وتقليص عدد العاملين في الدولة وبيع ما تبقى من القطاع العام، وهذا كله بناء على شروط صندوق النقد الدولي مقابل قرض ربوي لا يسمن ولا يغني من جوع. ويضاف إلى ذلك نظام النقد الورقي الهش القائم على أساس ورقة الدولار التي لا تستند لشيء إلا لسندات وأذونات خزانة أمريكية.
فأدى ذلك كله إلى تضخم فاحش تعدت زيادة الأسعار فيه نسبة 100%؛ فارتفع كيلو الأرز من ثلاثة جنيهات إلى عشرة، وكيلو السكر من أربعة جنيهات إلى أربعة عشر جنيها، وزجاجة الزيت من تسعة جنيهات إلى عشرين جنيها، وفي المقابل تم تقليص الدعم على السلع التموينية بل تم القضاء عليه يوم استبدلت الدولة ما يأخذه الفرد من زيت وسكر وأرز بخمسة عشر جنيها فقدت هي الأخرى قيمتها بعد التعويم بل وصل الأمر إلى تقليص كمية الخبز المدعوم مما أثار الناس فتراجعت الدولة مباشرة عن هذا القرار.
وفي المقابل تجد أن المستثمرين الأجانب ازدادت ثرواتهم بشكل كبير داخل البلاد؛ فشركة إيني الإيطالية تبيع لنا الغاز الذي تستخرجه من أرضنا بالسعر العالمي وبالدولار ونحن مدينون لها، وشركات الاتصالات أورانج الفرنسية وفودافون الإنجليزية واتصالات الإماراتية يحصلون على أرباح طائلة تتعدى المليار ونصف المليار جنيه شهريا تخرج من البلاد بالدولار، ومناجم الذهب مثل منجم السكري تحصل منه مصر على 40% من الخام والمستثمر الأجنبي يحصل على 60% ثم تفقد مصر معظم نسبة الـ40% مقابل استخلاص الذهب من الخام خارج البلاد.
فمما سبق يتبين أن التضخم لم يكن سببه فقر البلاد وقلة الموارد كما قال السيسي في خطاب له (احنا فقرا أوي) بل سببه السياسات المالية الفاشلة المبنية على النظام الاقتصادي الرأسمالي.
إن المشكلة الحقيقية هي في تنحية الإسلام عن الحكم وتطبيق حكم البشر القاصر القائم على الغرائز.
فعلاج المشكلة يكون بتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي داخل حاضنته السياسية دولة الخلافة على منهاج النبوة، النظام الاقتصادي الرباني الذي يعتبر المشكلة الاقتصادية هي عدم إشباع الحاجات الأساسية للأفراد فردا فردا لا إشباع الحاجات الكلية بغض النظر عن وصولها لكل أفراد المجتمع أو انحسارها في أيدي فئة، فقام النظام الاقتصادي في الإسلام على علاج كيفية التعامل مع الثروة بالتملك والتصرف؛ فمنع من تملك الأفراد للملكية العامة ومنع الدولة من بيعها بل تقوم على رعايتها ومباشرتها وتمكين الناس من الانتفاع بها مثل الغاز والذهب والهواء، قال رسول الله e «الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار» ومنعت الغش والاحتكار والقمار وأتاحت للناس أن ينتفعوا بالأرض فقال رسول الله e: «من أحاط أرضا فهي له»، وأمر الإسلام باستغلال الأرض في الإنتاج «ليس لمحتجر حق بعد ثلاث»، وشرعت الزكاة لتعالج مشكلة غير القادرين على المشاركة في العملية الإنتاجية، وحافظت للناس على ثرواتهم ومجهوداتهم عن طريق نظام النقد المعدني (الذهب والفضة) وربط كل المعاملات بهما فلا يؤثر في قيمتيهما قرار سياسي بل عرض وطلب، وما أغنى بلاد المسلمين بهما. ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.
بقلم: حامد عبد الله
رأيك في الموضوع