كشف نور الدين البحيري في حوار على "راديو ماد" أن حزب التحرير غير مدعو لمواكبة فعاليات مؤتمر النهضة باعتباره حزبا لا يؤمن بالدستور ولا بقيم الجمهورية، مشيرا إلى أنه تمّ توجيه الدعوات لكل الأحزاب التونسية المدنية. وأعلن نور الدين البحيري أنه تمّ توجيه الدعوة للقيادة الليبية الحالية والمعترف بها دوليا أي حكومة السرّاج.
وقال راشد الغنوشي، مؤسس ورئيس حركة النهضة في حوار نشرته جريدة لوموند الفرنسية الخميس "نحن نؤكد أن النهضة حزب سياسي، ديمقراطي ومدني، له مرجعية قيم حضارية مُسْلمة وحداثية (...). نحن نتجه نحو حزب يختص فقط في الأنشطة السياسية". وأضاف: "نخرج من الإسلام السياسي لندخل في الديمقراطية المُسْلمة. نحن مسلمون ديمقراطيون، ولا نعرّف أنفسنا على أننا (جزء من) الإسلام السياسي".
لا يستغرب الملاحظ المنصف، ولا المتتبع لخفايا الحياة السياسية في تونس أن يصدر مثل هذا التصريح عن أحد قادة النهضة باستثناء حزب التحرير من دون كافة الطيف السياسي التونسي، من دعوته إلى مؤتمرهم، وإن كان القصد بالإعلان عن ذلك في هذا التوقيت قد يخفى عن البعض.
فحركة النهضة التي نشأت في أواسط السبعينات من القرن الماضي على كواهل شباب مسلم تدفعه الغيرة على دينهم، أمام التهديم المنهجي للإسلام الذي كان يسلكه بورقيبة تدعمه حفنة من المثقفين الليبراليين العلمانيين واليساريين، كانت تفتقد إلى وضوح الفكرة ومنهجية الطريقة ثم تسيرها قيادات غير واعية، وجدت في العقبات التي واجهتها حين اصطدامها بآلة القمع التي استعملها بورقيبة ثم بن علي أو بالهجوم على الإسلام حين اتصالهم بالسفارات الغربية خاصة وبالمنظمات الدولية عامة، وجدت هذه القيادات في كل ذلك المبررات الكافية لتضلل أتباعها ومنتسبيها عن الانحرافات عن مبدأ الإسلام بحجة الواقعية والتدرج حتى غدت السمة البارزة لقادة النهضة تقديم البراهين القاطعة للأوساط السياسية في الداخل والقوى الاستعمارية الكافرة في الخارج أن لا علاقة لحركة النهضة بالإسلام بوصفه مبدأ ينظم الحياة في ظل دولة من طراز خاص وفي مجتمع إسلامي متميز، مما يضعه في (مفارقة... صراع... عداوة...) مع مبدئية حزب التحرير "حين حدد غايته بالعمل في الأمة ومعها ثم قيادتها لاستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وهذه الغاية تعني إعادة المسلمين إلى العيش عيشاً إسلامياً في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي، بحيث تكون جميع شؤون الحياة فيه مسيرة وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية، هي دولة الخـلافة التي ينصب المسلمون فيها خليفة، يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد".
أصل القضية هو صراع بين مشروعين إن جاز أن نقول أن للمتعلمنين من أبناء الأمة مشروعا، فغاية ما يسعى إليه أنصار فصل الإسلام عن الحياة رضا الغرب عنهم ثم تحقيقهم بعض المكاسب المادية، وبين مشروع حزب يهدف إلى إنهاض الأمة النهضة الصحيحة، بالفكر المستنير، ويسعى إلى أن يعيدها إلى سابق عزّها ومجدها، بحيث تنتزع زمام المبادرة من الدول والأمم والشعوب الأخرى، وتعود الدولة الأولى في العالم، كما كانت في السابق، تسوسه وفق أحكام الإسلام.
فدعوة حزب التحرير إلى مؤتمر النهضة، مع تغنيهم بشعار "تونس تسع كل أبنائها" يربكهم أمام "المسؤول الكبير" الذي تحدث عنه الباجي قائد السبسي ولهذا اختاروا هذا التوقيت، وهذا الموقف، للإعلان عن القطع النهائي مع الإسلام السياسي ثم اليأس النهائي من إمكان جر حزب التحرير إلى الحيد عن مبدئه خاصة وأن نور الدين البحيري خبر مبدئية الحزب يوم كان ضمن الوفد الذي زار مقر مكتبه الإعلامي بالعاصمة قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في سعيه للتوافق حول شخص الرئيس المزمع انتخابه.
وقيادة النهضة ومع انحرافها عن مبدأ الإسلام المتجلي في تصريحات زعمائها يؤذيها الصوت المبدئي ولا تريد سماعه في تونس. فهذا زعيم الحركة راشد الغنوشي يؤكد أن حركته "تخرج من الإسلام السياسي إلى الديمقراطية المسلمة" في تضليل مفضوح إذ هو في الحقيقة يقصي الإسلام عن الحياة، أي عن الدولة والمجتمع بوصفه أحكاما ومعالجات من لدن حكيم خبير، ويستبدل به النظام الديمقراطي الذي يجعل الأمر والنهي لعتاة البشر وجبابرتهم. وهذا نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو يقولها غير موارب: "قررنا أن نتجدد ونجابه عصرنا ونفخر بأننا على الدوام متجددون ونريد أن تتحرر تونسنا من كل ما يشدها إلى الوراء"، وما يشدها إلى الوراء بزعمه هو الإسلام إذ هو لم يقصد بقوله هذا الفينيقية ولا البربرية ولا عصر الرومان، مضيفا أن على التونسيين أن يكونوا يدا واحدة لا تقسمهم آراء ولا أفكار ولا انتماءات.
فأي نتائج سيتمخض عنها هذا المؤتمر وأي مخرجات سيلقي بها إلى جمهور الناس الذين آذتهم أحكام فصل الإسلام عن الحياة فسعوا إلى الانعتاق من ربقتها فأبى الظالمون إلا الغدر بهم؟
وعلامَ كان سيهنئكم حزب التحرير لو حضر مؤتمركم وعلى أي شيء سيحمد حضوره بينكم؟
﴿كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 36-37]
بقلم: الأستاذ عبد الرؤوف العامري - تونس
رأيك في الموضوع