تتسارع التحركات الدولية والإقليمية للإجهاز على الثورة السورية وتطبيق الحل السياسي، فقد استطاعت أمريكا أن تحصل على مكان قريب لشن الغارات على سوريا عندما سمحت تركيا لها باستخدام قاعدة إنجرليك في أضنة وأشركت تركيا في حلفها. وقد صادق البرلمان التركي يوم 3/9/2015 على تمديد تفويض الحكومة للجيش بالقيام بعمليات عسكرية في الخارج عند الضرورة لمدة عام آخر، وكذلك السماح لقوات أجنبية بالتواجد داخل تركيا عند الضرورة. وقد صرح وزير خارجية أمريكا كيري يوم 2/9/2015 أنه "مقتنع بأن دولا عربية سترسل قوات برية في الوقت المناسب إلى سوريا لقتال تنظيم الدولة، وإن اجتماعات أمريكية وروسية وسعودية قد حصلت في الفترة الماضية"، مشيرا إلىاللقاء الثلاثي الذي حصل يوم 3/8/2015 بين وزراء خارجية أمريكا وروسيا والسعودية في قطر ومن ثم حصل بعد ذلك بيومين لقاء بين وزيري خارجية أمريكا وروسيا في العاصمة الماليزية.ومن ثم جاءت القمة الأمريكية السعودية باجتماع أوباما وسلمان حيث أشار البيان الصادر عنها يوم 5/9/2015 إلى "أهمية التوصل لحل سياسي في سوريا على أساس مبادئ جنيف1 يتضمن رحيل الأسد".
كل ذلك يدل على أن أمريكا تريد أن ترسل قوات برية من دول المنطقة لحسم الوضع الداخلي لإخضاع أهل سوريا لحلها السياسي. فضرباتها الجوية لم تحسم الوضع ومشروع تدريبها لقوات سورية معتدلة فشل فشلا ذريعا، وائتلافها السوري ليس له وجود على الأرض، فما بقي إلا التدخل البري عن طريق قوى إقليمية تقودها بجانب العمل على حرف الفصائل السورية المسلحة عن هدفها وجعلها يقاتل بعضها بعضا وتركز فقط على قتال تنظيم الدولة.
ويتزامن ذلك مع سماحها لروسيا بدعم النظام السوري ومن ثم بالتدخل المباشر، حيث نشرت صحيفة يهودية يوم 1/9/2015 تقارير نقلا عن دبلوماسيين غربيين تفيد بأن روسيا بدأت التدخل العسكري في سوريا لمساعدة النظام بنشرها كتيبة جوية في قاعدة قرب دمشق وسط صمت أمريكي.فروسيا متفقة مع أمريكا في الشأن السوري كل الاتفاق. فقد قال بوتين يوم 4/9/2015 "إن الرئيس بشار أسد مستعد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة ولاقتسام السلطة مع معارضة بناءة" وقال "نريد فعلا إيجاد نوع من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف وأنه تحدث مع الرئيس الأمريكي في هذا الشأن ولهذا الغرض نجري مشاورات مع شركائنا الأمريكيين" وأضاف "تحدثت شخصيا بشأن هذه المسألة مع الرئيس أوباما". فيدل ذلك على أن التحرك الروسي العسكري يسير ضمن الخطة الأمريكية لحسم الوضع وتطبيق الحل السياسي. فتريد أمريكا أن تحشد القوى من كل جانب حتى تجهز على الثورة السورية وتركّع أهل سوريا الذين قالوا لن نركع إلا لله.
وإيران تسير ضمن الخطة نفسها فقد عرضت خطة للحل في سوريا حملها وزير خارجيتها جواد ظريف لبشار أسد يوم 13/8/2015 وليعرضها فيما بعد على الأمين العام للأمم المتحدة حيث تتضمن "وقفا فوريا لإطلاق النار في سوريا وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتعديل الدستور بهدف ضمان حقوق الأقليات وإجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين". وذلك بعدما فشلت أمريكا في مشروعها باستخدام إيران وحزبها في لبنان للقتال بجانب عميلها، حتى يضطر أهل سوريا إلى اللجوء إلى أمريكا لتساعدهم ومن ثم ترغمهم على القبول بحلها السياسي. وقد أصاب حزب إيران الإحباط والإنهاك من طول الحرب وكثرة الخسائر وعدم تحقيق النصر الموعود على الفصائل المسلحة لصالح النظام العلماني، فعندئذ استعدت إيران للتنازل، بل هي تسير ضمن الخطة الأمريكية. وقد رحبت بخطة دي ميستورا فصرحت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية يوم 21/8/2015: "إنه يمكن أن نعتبر الخطة الجديدة خطوة للأقطاب الإقليميين والدوليين من أجل تفهم أفضل للحقيقة ميدانيا وعلى الصعيد السياسي". ولذلك صرح أوباما بأنه "لاحظ تغيرا في الموقفين الروسي والإيراني حيال مستقبل الأسد بما يسهل التوصل إلى حل في سوريا"؛ ما يدل على وجود تنسيق بين أمريكا وهاتين الدولتين وأنها راضية عن التحرك الروسي والإيراني وهما يقومان بدور يكمّل الدور الأمريكي، بل هو ضمن الخطة الأمريكية.
وقد لخص دي ميستورا خطته التي وافق عليها مجلس الأمن يوم 17/8/2015 بالإجماع "بنقاط أربع يمكن تنفيذها عن طريق إقامة مجموعات عمل متوازية مكونة من سوريين من المعارضة والنظام والمنظمات المدنية تتعامل مع المحاور الرئيسية لبيان جنيف وتطبيقه على مراحل، وأن اللجان ستقوم ببحث هذه النقاط وهي الأمن وحماية الجميع، ونقاش آليات التوصل إلى ذلك، بما فيها رفع الحصار وتأمين وصول المساعدات الطبية وتحرير المحتجزين، إلى جانب أمور سياسية ودستورية بما في ذلك هيئة حكم انتقالية وانتخابات، ومحاربة الإرهاب، ووقف إطلاق النار، وملف إعادة الإعمار". وقال كي مون: "إن العملية السياسية التي ستطلق تهدف إلى تأييد هذه الخطة وتوصيات مبعوثه الخاص لسوريا، والضغط على الأطراف المتنازعة من أجل المشاركة البناءة في عملية دي ميستورا المقترحة". فهو يعلن أنه سيتم الضغط على الثوار من أجل القبول بالخطة.
وقد بقي شهران لتنقضي مدة مهمة دي ميستورا الذي يريد أن يحقق شيئا قبل انقضائها لئلا يكون مصيره كمصير سلفيه عنان والإبراهيمي، ويبدو أن خطته غير قابلة للتطبيق وأكثر ما ستصل إليه عقد جنيف3 من دون أن يتحقق شيء على الأرض، كما عقد جنيف1 و2 من دون أن يتحقق شيء. فقد اقترح دي ميستورا مرحلة مؤقتة قبل تطبيق بيان جنيف يحكمها اتفاق مؤقت بين المعارضة والنظام ويفرض عليهما من خلاله التكامل والتعاون عسكريا لمحاربة التنظيمات الإرهابية، وهو أمر من غير المتصور تطبيقه بأن تصبح التنظيمات الثائرة على النظام تقاتل بجانب النظام ضد ما يسمى التنظيمات الإرهابية.
لقد رأينا أن أهل سوريا أفشلوا خطط أمريكا على مدى أربع سنوات رغم عظم حجم التآمر عليهم من قبلها حيث سخرت كل قواها الداخلية والإقليمية والدولية، ورغم عظم حجم المأساة التي يعانون منها حيث قُتّلوا وشرّدوا في أصقاع الأرض ودمرت ديارهم وضاعت أموالهم، فأفشلوا مهمة الدّابي والجامعة العربية ومهمة عنان ومهمة الإبراهيمي والآن سيفشلون خطة ميستورا بإذن الله. وقد أفشلوا خطة استخدام إيران وحزبها في لبنان، وأفشلوا خطة تدريب جواسيس ومرتزقة تحت مسمى قوات سورية معتدلة، وأفشلوا الائتلاف الوطني السوري. وهم قادرون بعون الله على إفشال التحالف التركي الأمريكي والتدخل الروسي وموضوع إرسال قوات برية من بلاد عربية ومن تركيا، ولكن عليهم أن ينبذوا خلافاتهم ويوحدوا صفوفهم ويركزوا على هدفهم لإسقاط النظام، ويقطعوا الحبال مع الأنظمة العميلة المتآمرة عليهم، لأن فيهم الخير وفيهم الوعي وفيهم الإخلاص وبينهم المخلصون الواعون وفيهم الإيمان بنصر الله الذي وعد بنصر من ينصره.
رأيك في الموضوع