كشفت مجلة أتلانتيك الأمريكية أنّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال لقاء جمعهما في كانون الثاني/يناير من العام الجاري 2024 في السعودية أنّ القضية الفلسطينية لا تهمّه شخصياً، وصرّح بذلك التصريح الخطير عندما استضاف ابن سلمان بلينكن في خيمة في مدينة العلا شمال المدينة المنورة.
ولم يظهر تصريح ابن سلمان هذا، أو أية إشارة له، في البيانات الرسمية التي صدرت عن السلطات السعودية أو الأمريكية، ولكن لم يتم نفيه، وقال ابن سلمان في لقائه ببلينكن: "إنّ القضية الفلسطينية لا تهمني شخصيا، وإنّ 70% من سكان شعبي أصغر مني سنا، ومعظمهم لم يعرفوا القضية الفلسطينية، وأصبحوا على علم بها لأول مرة أثناء هذا الصراع، إنها مشكلة كبيرة"، ونقلت الصحيفة أقوال ابن سلمان في هذا اللقاء بصيغة أخرى فقال: "هل أنا شخصيا أهتم بالقضية الفلسطينية؟ الجواب: لا، لكن شعبي بالنسبة له أمر مهم، ولذلك يجب أن أتأكد من أنها ستكون ذات أهمية"، وبحسب تقرير الصحيفة فقد أوضح ابن سلمان لبلينكن: "أنّ هذه القضية مهمة بالفعل لشعبه، ولذلك فهو يطالب بإحراز تقدم في هذه القضية كشرط لاتفاق التطبيع مع (إسرائيل)".
وبحسب أتلانتيك من ترجمة أخرى فقد ذكر ابن سلمان: "أنّه لا يهتم شخصيا بالقضية الفلسطينية، إنّما شعبه فقط هو الذي يهتم بها، وأنّ 70% من شعبي أصغر مني سناً، ولم يتعرفوا على القضية الفلسطينية جيداً إلا من خلال هذا الصراع (حرب غزة)، ولذلك فما أحتاجه هو ضرورة التزام (إسرائيل) بالدولة الفلسطينية"، وقال إنّه "يريد من (إسرائيل) الهدوء، وأنّه لا مانع لديه من شن (إسرائيل) هجمات لمكافحة الإرهاب، لكن في غضون 6 أشهر أو سنة، ولكن ليس في نهاية التوقيع على الصفقة".
فابن سلمان الذي يعترف في هذه التصريحات بأنّه لا يهتم بالقضية الفلسطينية، يعترف في الوقت نفسه بأنّ شعبه هو الذي يهتم بها وليس هو، فهو إذاً يختلف عن شعبه، فكأنّه يريد أن يقول أنا أفهم ما لا يفهمه شعبي، فعلى شعبي أن يهتم بما أهتم به أنا، وعليه أن يترك اهتماماته القديمة غير المفيدة!
وهو يدّعي أنّ فئة الشباب السعودي لا يعرفون عن القضية الفلسطينية شيئاً لولا الأخبار التي تُنقل لهم عن حرب غزة، فهو يُريد تجهيل شعبه بالقضية الفلسطينية، وأنْ لا تصل أخبارها إليهم، وأنْ يهتموا فقط بالشؤون المحلية المُتعلقة بالغناء والرقص والرياضة والمهرجانات والسخافات التي تُروجها لجنة الترفيه السعودية.
وسبق تلك التصريحات المخزية لابن سلمان حدوث استطلاع للرأي داخل نجد والحجاز أجري بين 14 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 6 كانون الأول/ديسمبر 2023، أي بعيد اندلاع حرب غزة مع عينة بلغت 1000 سعودي، أظهرت تناقض آراء ابن سلمان مع آراء شعبه، وأجراه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المقرب من اللوبي اليهودي في العاصمة الأمريكية وجاء فيه: "أنّ 96% من السعوديين يوافقون على وجوب قطع الدول العربية شتى علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع (إسرائيل)"، فيما رأى 91% منهم أنّ: "هذه الحرب في غزة هي انتصار للفلسطينيين والعرب والمسلمين، على الرغم من الدمار والخسائر في الأرواح"، وهو إن دلّ على شيء فإنّما يدل على الفجوة الواسعة بين آراء ابن سلمان وآراء شعبه من هذه القضية.
لا شك أنّ ابن سلمان يسير في طريق إعلان التطبيع المفضوح مع كيان يهود منذ اليوم الأول لاستلامه الحكم، فهو يكمل مسيرة آبائه وأجداده في درب الخيانة والتطبيع مع كيان يهود، ولكن بوتيرة أسرع، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، حصلت شركة إلعال للطيران على موافقة السعودية على تحليق طائراتها في أجوائها دون أي مُبرر، وزار وزير السياحة في كيان يهود حاييم كاتس الرياض في أيلول/سبتمبر 2023 في أول زيارة لوزير يهودي للسعودية، وبعد أيام عدة زارها وزير الاتصالات، شلومو كرعي، هذا إلى جانب استمرار المهرجانات الترفيهية التافهة في السعودية في ظل حرب غزة ومن دون إبداء أي إشارة تعاطف مع محنة أهلها.
وكذلك تواجه رياضيون سعوديون مع نظرائهم اليهود في مناسبات دولية عدة دون ذرة خجل بعد اندلاع حرب غزة، ومنها اللاعبة دنيا أبو طالب التي واجهت أفيشاغ سمبرغ في منافسات التايكواندو في الألعاب الأولمبية الصيفية في فرنسا الصيف الماضي.
وتحدثت تقارير إعلامية عن تعاون سعودي في الجسر البري الذي يزود كيان يهود بالبضائع بالتعاون مع الإمارات والأردن لكسر الحصار البحري المفروض على سفن يهود في مضيق باب المندب، وتحدّثت تقارير أخرى أيضاً عن إرسال شحنات نفطية سعودية عبر الموانئ المصرية.
ولعل ما يؤجل الإعلان عن تطبيع السعودية مع كيان يهود في ظل حرب غزة هو خوف ابن سلمان من الاغتيال كما ذكر ذلك هو شخصياً إذ قال: "إن السعي إلى اتفاق تطبيع مع (إسرائيل) سيأتي بتكلفة شخصية كبيرة عالية"، واستشهد بمثال الرئيس المصري أنور السادات الذي اغتيل عام 1981 بعد سنوات قليلة من توقيع اتفاقية السلام الخيانية مع كيان يهود.
إنّ تاريخ حكام آل سعود تجاه قضية فلسطين حافل بالخيانات والمؤامرات؛ فالملك عبد العزيز مؤسس المملكة كتب للإنجليز وثيقة رسمية يتنازل فيها بكل وضوح عن فلسطين، حيث كتب بخط يده للضابط البريطاني بيرسي كوكس سنة 1915: "أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل السعود، أقرّ واعترف ألف مرة للسيد بيرسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، أنْ لا مانع عندي من أنْ أعطي فلسطين للمساكين اليهود، أو غيرهم، وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها، حتى تصيح الساعة".
وعبد العزيز نفسه هو وأولاده قاموا بعد ذلك بالاحتيال على أهل فلسطين فساهموا بإخماد ثورتهم عام 1936 بطلب من بريطانيا مُقابل وعود كلامية كاذبة بإنصافها لقضيتهم.
وأمّا الملك فهد والملك عبد الله فقدّما مبادرة تطبيع مجانية مع كيان يهود، وفرضاها على جميع الدول العربية، وهي ليست مجرد اتفاق سلام عادي تقليدي، بل هي مشروع تطبيعي مستقبلي شامل، وتحولت المبادرة فيما بعد إلى مبادرة السلام العربية التي اعتمدت في قمة بيروت عام 2002 بضغط سعودي، ولم تكن الدول العربية الخائنة الموقعة من قبل على اتفاقيات السلام كمصر والأردن مع كيان يهود لتجرؤ على استخدام كلمة التطبيع في بنود اتفاقياتها، ولم يكن أحد يتكلم عن التطبيع من قبل إلا بعد ظهور تلك المبادرة المشؤومة، فكانوا لا يطمعون بأكثر من توقيع سلام بارد مع كيان يهود.
وها هو ابن سلمان شرع بإكمال ما بدأ به جده وأبوه وأعمامه من السير والانخراط في تلك السبل الخيانية الشيطانية.
رأيك في الموضوع