السؤال: لقد مر على عدوان يهود على غزة أكثر من عشرة أشهر ومجازرهم مستمرة في حرب إبادة مشهودة، بينما تجري مفاوضات وتعقد اتفاقات لوقفها، فيرفضونها حتى إنهم يرفضون التخلي عن محور صلاح الدين الذي تعده مصر خطاً أحمر كما ذكرت العربية في 3/9/2024. وإدارة بايدن ترعى هذه المجازر كما ترعى هذه المفاوضات، وتشيع بأن الحل يأتي بالمفاوضات في الوقت الذي تستمر فيه المجازر! فما المتوقع نتيجة لمفاوضات حرب الإبادة هذه؟ وما دور أمريكا في دعم هذا العدوان؟ ثم هل أمريكا جادة في ما تعلنه من حل الدولتين؟ وكيف يُقضى على هذا العدوان وتعود فلسطين كاملة لأهلها كما كانت؟ والمعذرة لطول السؤال...
الجواب: لكي يتضح الجواب عن التساؤلات أعلاه نستعرض الأمور التالية:
أولاً: مفاوضات حرب الإبادة ونتائجها ودور أمريكا فيها:
1- لقد ذكرنا في جواب سؤال أصدرناه يوم 22/3/2024 (فكانت حربه حرب إبادة بمعنى الكلمة.. وشجعه على ذلك دعم الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي وأتباعهما، وتقاطر قادة الغرب على زيارة الكيان لإبداء الدعم المطلق لكيان يهود في حرب الإبادة التي يشنها على غزة.. وشجعه أيضا سكوت الأنظمة في البلاد العربية والإسلامية، فبدل أن تُحرك الجيوش لنصرة أهل غزة فإن بعضها أدان هجوم المجاهدين وواصل علاقاته مع كيان يهود وكأن شيئا لم يحدث، وواصلت الدول المطبعة تطبيعها مع العدو، قديمة التطبيع وحديثته، فلم تقطع العلاقات وتتخل عن خيانة التطبيع، ولم تلغ المعاهدات والاتفاقيات مع كيان يهود مثل كامب ديفيد مع النظام المصري ووادي عربة مع النظام الأردني وغيرهما، أي حتى الحد الأدنى من حالة الحرب لم يفعلوه...). وهكذا تجرأ نتنياهو على المزيد من الأعمال الوحشية، فشن غارة جوية على مبنى القنصلية في مجمع السفارة الإيرانية في دمشق في 1 نيسان/أبريل 2024، ولم يكتفِ كيان يهود بذلك، بل سعى إلى إذلال إيران وحزبها بشكل أكبر. ففي مساء 30 تموز/يوليو، نفذ غارة جوية في العاصمة اللبنانية بيروت استهدفت أحد كبار قادة حزب إيران، فؤاد شكر... وبعد ذلك بيوم واحد، في 31 تموز/يوليو، نفذ عملية اغتيال في قلب العاصمة الإيرانية طهران استهدفت رئيس حماس إسماعيل هنية... وحدث هذا دون أن يجابه برد فعل عنيف ينسي كيان يهود وساوس الشيطان!
2- ثم بدأت أمريكا تطلق مبادرات ويقوم مسئولوها بزيارات لمنع الحكام في بلاد المسلمين، وخاصة المجاورة لفلسطين، من تحريك الجيوش لنصرة القطاع، وذلك لتيسير المجال أمام كيان يهود باستمرار مجازره على أهل فلسطين.. فكانت مبادرة بايدن السقيمة في 31/5/2024 وقرار مجلس الأمن برعاية أمريكية في 10/6/2024.. ثم تجمع أمريكا الأطراف للتفاوض والتعديل والتغيير في رحلات ذهاباً وإياباً فقط لإشغال رويبضات الحكام في بلاد المسلمين عن نصرة غزة بحجة عدم توسيع الحرب لتبقى المجازر مستمرة وهم ينظرون! وفي الوقت نفسه تستمر أمريكا بتأييد عدوان يهود وتأييده بشكل مطلق، وتبرير مجازره، وإمداده بكافة أنواع الأسلحة سابقاً ولاحقاً، فقد أعلنت يوم 13/8/2024 عن موافقتها على تزويده بصفقة أسلحة فتاكة بنحو 20 مليار دولار. وقد شعر رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو بنشوة النصر، وعدّه تأييداً مطلقاً لمواقفه المتصلبة، وأن أمريكا لن توقف الدعم أو شحنات الأسلحة.
3- وهذا ما كان فقد أرسل بايدن وزير خارجيته بلينكن في جولة تاسعة له منذ بدء عدوان يهود على غزة فقام بزيارة مصر. وفي اليوم التالي يوم 19/8/2024 اجتمع مع رئيس وزراء يهود نتنياهو وقال مخادعا "إن الولايات المتحدة قالت منذ فترة طويلة إنها لا تقبل أي احتلال (إسرائيلي) طويل الأمد لغزة"، وهذه كلمة مطاطة فلا يعرف مدى هذا الأمد غير الطويل؟ واستمر في المخادعة فقال ("إن نتنياهو قبل اقتراحا أمريكيا يهدف إلى تضييق الفجوات بين الجانبين بعد توقف المحادثات الأسبوع الماضي والتي بدأتها أمريكا مع قطر ومصر في الدوحة. وطلب الضغط على حماس لقبول المقترح"... رويترز 19/8/2024) ونشرت صحيفة نيويورك تايمز في 20/8/2024 نقلاً عن مسؤولين مطلعين على سير المفاوضات "أن الاقتراح الأمريكي الجديد يسمح للقوات (الإسرائيلية) بمواصلة دورياتها في جزء من ممر فيلادلفيا على طول الحدود بين غزة ومصر".
4- ذكر البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي بايدن أجرى اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو مساء يوم 21/8/2024، وأن ("بايدن ونتنياهو ناقشا أيضا الجهود الأمريكية لدعم (إسرائيل) في وجه كل التهديدات من جانب إيران والجماعات "الإرهابية" التي تعمل بالوكالة عنها حماس وحزب الله والحوثيون، بما في ذلك الانتشار العسكري الدفاعي الأمريكي المستمر"... مونت كارلو 22/8/2024) وذكر مسؤول أمريكي قبل المكالمة أن من المتوقع أن يضغط بايدن على نتنياهو لتخفيف مطلب جديد بالاحتفاظ بقوات من كيان يهود في محور فيلادلفيا على الحدود بين مصر وغزة. ويرفض نتنياهو الانسحاب من هذا المحور الذي يُطلق عليه ممر صلاح الدين، ويبلغ طوله نحو 14 كلم ويبلغ عرضه في بعض الأجزاء نحو 100 متر ويمتد على طول حدود غزة مع مصر التي ترى أن سيطرة كيان يهود على الممر يعدّ انتهاكاً لمعاهدة كامب ديفيد المشؤومة بينهما برعاية أمريكية عام 1979 وتدعو كيان يهود إلى الانسحاب منه وقد سيطروا عليه في أيار الماضي. فهذا الموقف من أمريكا جعل ابنها المدلل نتنياهو يدرك أن أمريكا تناور في الكلام دون أفعال وإلا فإن لدى الولايات المتحدة نفوذاً هائلاً على كيان يهود فهذا الكيان يعتمد على المساعدات والمعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، فلو كانت جادة في الضغط عليه لاستجاب كيان يهود دون حراك...
5- وبدأت المفاوضات في القاهرة يوم 24/8/2024 وحضرها مدير سي آي إيه ويليام بيرنز ورئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها محمد عبد الرحمن آل ثاني ووفد كيان يهود بجانب الوفد المصري المضيف، ووجود وفد حماس بدون أن يشارك مباشرة فيها. وقد غادرت الوفود الرسمية القاهرة يوم 25/8/2024 من دون أي اتفاق بسبب تعنت نتنياهو ورفضه الانسحاب من محور صلاح الدين. ونقلت وكالة الأناضول يوم 25/8/2024 عن مسؤول رفيع المستوى من حركة حماس فضل عدم الكشف عن اسمه قوله: "إن حماس ملتزمة باقتراح وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن ووافق عليه مجلس الأمن الدولي" وأكد "استعداد حماس لتنفيذ القضايا التي تم الاتفاق عليها في 2 تموز/يوليو...". ولكن نتنياهو يماطل في عقد أي اتفاق حتى يرى نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو يتواصل مع الجمهوريين الطرف المنافس الذين يزاودون على دعم إدارة بايدن والديمقراطيين بتقديم الدعم اللامتناهي لنتنياهو ولكيان يهود.. وقد التقى نتنياهو مع ترامب يوم 26/7/2024 عندما زار واشنطن ولقي الدعم الكامل منه ومن الجمهوريين في الكونغرس وقد استمروا في التصفيق له وهو يلقي كلمته على مدى 53 دقيقة، فهو يراهن على مجيء ترامب الذي وعده بالدعم الكامل في اتصالاته وتخلى عن فكرة حل الدولتين، والذي سيعطي الأوامر للنظام السعودي ليطبع مع كيان يهود، ومن ثم تبدأ أنظمة أخرى بالهرولة للتطبيع مع كيان يهود. ولهذا فمن المتوقع أن يستمر نتنياهو في رهاناته حتى ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية...
6- ويؤكد مماطلةَ نتنياهو، والتشددَ في شروطه حتى نتيجة تلك الانتخابات، ما ذكره في مؤتمر صحافي متلفز كما نقلته العربية في 3/9/2024 عن نتنياهو بقوله ["في هذه الحرب بالذات، وضعنا لأنفسنا أربعة أهداف: تدمير حماس، وإعادة جميع المختطفين، وضمان أن غزة لن تشكّل تهديداً لـ(إسرائيل) فيما بعد، وإعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم"، مضيفاً أن "ثلاثة من هذه الأهداف تمر عبر مكان واحد هو محور فيلادلفيا". وأشار إلى أن هذا المحور هو "مصدر الأكسجين والأسلحة لحماس"، مضيفاً: "لهذا السبب، فإن (الإسرائيليين) ملزمون بالسيطرة" على تلك المنطقة...].
ثانياً: أما هل أمريكا جادة في حل الدولتين:
1- إن ما تعرضه أمريكا من مشروع حل الدولتين الذي جمعت عملاءها من الحكام في بلاد المسلمين للمناداة به ما هو إلا مخادعة وتلاعب بالألفاظ فهي لا تعرض دولة لأهل فلسطين بل أشبه بالحكم الذاتي أو دون ذلك! (قال الرئيس الأمريكي جو بايدن - أمس الجمعة - في تصريحات للصحفيين، إن هناك عدداً من الأنماط لحل الدولتين، مشيرا إلى أن دولا عدة في الأمم المتحدة ليس لديها قوات مسلحة خاصة بها... الجزيرة 4/1/2024)، أي أن بايدن يشير إلى دولة من تلك الأنماط دون قوات مسلحة! أما دولة ذات سيادة فعلية كما هي للدول فيرفضها كيان يهود، فقد نشرت الجزيرة في 18/7/2024 (تبنى الكنيست (الإسرائيلي) مساء أمس الأربعاء قراراً ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية وذلك للمرة الأولى في تاريخ المجلس)، وهم يدركون أن أمريكا لن تتخلى عنهم لكون كيانهم صنيعتها وقاعدتها المتقدمة في قلب بلاد المسلمين لمحاربة الإسلام والمسلمين، وأن الرئيس الأمريكي بايدن متعاطف معهم شخصياً، إذ يعدّ نفسه صهيونياً، لديه معتقدات دينية تدعوه للدفاع عن كيان يهود، ولكون وزير خارجيته بلينكن وهو أحد المتنفذين في الإدارة وأحد المنفذين للسياسة الخارجية أعلن عن نفسه أنه يدافع عن كيان يهود لكونه يهودياً قبل أن يكون وزير خارجية، حتى إن نائبة الرئيس كامالا هاريس المرشحة للرئاسة قد قدم بايدن زوجها على أنه يهودي وذلك في اجتماع مع اليهود ليثبت مدى تأييد إدارته لكيان يهود ولليهود أنفسهم، وأن نائبته ستواصل سياسته بدعم اليهود وكيانهم إذا وصلت إلى الحكم. وإذا نجح ترامب فهو يزاود على الديمقراطيين في دعم اليهود وكيانهم. ولهذا فإن كيان يهود يركن إلى كل هذا الدعم ويتمادى في غيه وجرائمه...
2- ثم هناك أمر آخر يجب توضيحه حول حل الدولتين، وهو ما يلي:
أ- إن من الحقائق الثابتة أن فلسطين أرض مباركة، أرض إسلامية، أرض المسجد الأقصى التي باركها الله ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، وإن حل الدولتين الذي ينادي به أولئك الحكام، هو خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، فأرض الإسلام لا تقبل القسمة بين أهلها وبين أعدائها.. فلا يصح أن يكون لليهود فيها سلطان، ولا حل الدولتين له فيها مكان، بل كما فتحها الفاروق وحفظها الخلفاء الراشدون وحررها صلاح الدين وصانها عبد الحميد من يهود، فكذلك هي ستعود بجهود جند الله الصادقين.
ب- هذا هو الحكم الشرعي في حل الدولتين، أي حتى لو كان هذا الحل يعني إعطاء الفلسطينيين دولة مستقلة في جزء من فلسطين على حدود 1967 أي نحو 20% من فلسطين والتنازل عن 80% منها، فهو كما قلنا كبيرة من الكبائر وخيانة لله ورسوله والمؤمنين فكيف والمعروض حكم ذاتي أو دونه؟! إنه لخيانة فوق الخيانة، وجريمة كبرى يبوء صاحبها بالخزي والذل والهوان في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة... ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾.
ثالثاً: أما كيف يقضى على هذا العدوان وتعود فلسطين كاملة إلى أهلها:
1- إن هذا أمر واضح في الإسلام، فإذا اعتدى الكفار على أي بلد من بلاد المسلمين واحتلوه وأخرجوا أهله منه.. فالواجب قتال العدو والقضاء عليه قتالاً شديداً يشرد به من خلفه وإعادة البلد إلى أهله بلداً إسلامياً كاملاً غير منقوص.. يقول سبحانه: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾، ويقول سبحانه: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون﴾.. بل حتى لو اعتدي على أي بلد إسلامي دون احتلاله فيجب رد العدوان، ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ فإعادة أرض المسلمين المحتلة، ورد العدوان، كل ذلك لا يختلف فيه عاقلان، فهو مبين كلَّ بيان في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ وإجماع صحابته رضوان الله عليهم.. ثم إن كيان يهود غير قادر على الثبات بذاته، فهو ليس أهل قتال إلا بحبل من الناس كما قال القوي العزيز: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ
مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ وقد قطعوا حبل الله وبقي لهم حبل الناس من أمريكا وأوروبا وعملائهم من خونة الحكام في بلاد المسلمين الذين لا يحركون ساكناً في وجه عدوان يهود الوحشي، بل إن أمثلهم طريقة من وقف يَعدُّ الشهداء والجرحى!
2- إن كيان يهود ليس أهل قتال ونصر، بل هم كما قال سبحانه: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ وكما ترون فإن فتية مؤمنة تقاتلهم بأقل عدد وعدة مما هو عليه كيان يهود ومع ذلك فهذا الكيان لم يحقق نصراً حتى اليوم، فكيف إذا تحركت جيوش المسلمين، وليس كل جيوش المسلمين، وإنما فقط المحيطة بفلسطين، بل حتى بعضها، فإن كيان يهود سيصبح أثراً بعد عين.. ولكن المشكلة هي في الدول القائمة في بلاد المسلمين هذه الأيام، فحكامها موالون للكفار المستعمرين أعداء الإسلام والمسلمين، فهم يرون ويسمعون احتلال يهود لفلسطين وجرائمهم الوحشية ومجازرهم المتنوعة ومع ذلك فكأنهم لا يرون ولا يسمعون ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾! إن مصيبة المسلمين هي في حكامهم؛ فقد منعوا الجيوش من نصرة إخوانهم في غزة هاشم حتى اليوم، وقد بلغ الشهداء نحو 41 ألفاً والجرحى نحو 95 ألفاً.. والحكام يرقبون ما يجري، وأمثلهم طريقة من يعدّ الشهداء تحت مسمى القتلى ثم يعدّ الجرحى كأنه طرف محايد بل إلى يهود أقرب!
رابعاً: وأختم بأمرين ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:
1- قلنا في جواب سؤال 22 آذار/مارس 2024: [إنه من المعلوم أن وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا الذي تضمنته رسالته 2/11/1917 إلى اللورد روتشيلد كان يتضمن تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، هذا الوعد كان في الأيام الأخيرة لهزيمة الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بسبب خيانة بعض رجالات من العرب والترك.. وقبل ذلك بسنوات كان هرتزل مندوب الجمعيات الصهيونية المدعومة من بريطانيا قد تقدم برجاء 18/5/1901 للخليفة العثماني محاولاً آنذاك استغلال الأزمة المالية التي كانت تعاني منها الخلافة العثمانية بعرض مبالغ طائلة لسد عجز الخلافة مقابل منحهم أرضاً في فلسطين، إلا أن جواب الخليفة عبد الحميد ردّاً على هرتزل كان جواباً قوياً حكيماً: (إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، لقد قاتل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه.. فليحتفظ اليهود بملايينهم، فإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فعندها يستطيعون أخذ فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن ذلك لا يكون...)]، إن الخليفة كان ذا بصر وبصيرة وبُعد نظر، فإلغاء الخلافة (1342هـ-1924م) بتآمر خونة العرب والترك مع بريطانيا أدى لإعطاء فلسطين ليهود بلا ثمن! ومن ثم تحقق ما توقعه عبد الحميد رحمه الله فكان إلغاء الخلافة هو المقدمة الفعلية لإيجاد كيان يهود المسخ بفلسطين...
2- واليوم، ومع سير الحكام العملاء في بلاد المسلمين خلف الكفار المستعمرين، ومع خيانتهم لفلسطين، أرض الإسلام، أرض المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله... فإن هؤلاء الرويبضات سيزولون، ودولة الإسلام، الخلافة الراشدة، عائدة بإذن الله، وقتال يهود وإزالة احتلالهم كائن بإذن الله، فقد قال الصادق المصدوق ﷺ في مسند أحمد عن حذيفة: «...ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، وكذلك أخرج البخاري عن عبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ» وأيضاً أخرجه مسلم بلفظ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ» ومن ثَم تشرق الأرض بنصر الله ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
غرة ربيع أول 1446هـ
4/9/2024م
رأيك في الموضوع