أقدم رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو على حل حكومة الحرب التي أنشئت بعد طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م وذلك بعد أيام من استقالة الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت. وقال إنه سيشكل مجلسا سياسيا مقلصا يضم وزيري الدفاع والشؤون الاستراتيجية ورئيس مجلس الأمن القومي للتشاور في القضايا الحساسة. وجاء قرار نتنياهو متوقعا، لا سيما بعد تفكيك حكومة الطوارئ وانسحاب "المعسكر الوطني" برئاسة بيني غانتس، وفي ظل مطالبة وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريتش، بالانضمام إلى المجلس بدلا من الوزراء المستقيلين.
وكان مجلس الحرب قد تشكل بعد انضمام غانتس إلى نتنياهو في حكومة وحدة وطنية بعد وقت قصير من بداية الحرب وبالتحديد يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، حيث تألف من رئيس وزراء الكيان، ووزير دفاعه يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان السابق، بيني غانتس، إضافة إلى قائد الأركان السابق، غادي آيزنكوت، ووزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر كمراقبين.
فطوال الفترة السابقة وجدت عند يهود ثلاثة كيانات؛ الحكومة بكامل هيئتها، والكابينيت وهو مجلس وزاري مصغر للشؤون الأمنية والسياسية، ومجلس الحرب. أما حاليا فقد أصبحت القرارات في الحكومة على مستويين؛ الأول هو الحكومة الموسعة، والثاني هو المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت). ويضاف لهما المجلس السياسي المقلص الذي وعد نتنياهو بتشكيله كبديل لمجلس الحرب.
بداية لا بد من الإشارة إلى الأهمية التي اكتسبها مجلس الحرب، فقد جرى تشكيله، رغم أنه ليس له أي صبغة قانونية في القانون عند كيان يهود، بصورة استثنائية بعد انضمام غانتس وكتلته لحكومة الطوارئ في حرب غزة، ورغبة نتنياهو في إضفاء صبغة خاصة على الإجراء الائتلافي السياسي لرفع المعنويات الشعبية ولتحييد العناصر السياسية المتشددة من أمثال بن غفير وسموتريتش من اتخاذ القرارات العسكرية التي يفتقران للخبرة فيها، ولتوحيد الشارع في الكيان خلفه وخلف الحرب الوحشية التي يشنها على قطاع غزة.
فقد شكل مجلس الحرب فرصة لنتنياهو لخوض ومواصلة الحرب التي بدأت منذ أكثر من ثمانية شهور، بكل ما فيها من استنزاف للدولة عندهم وإرباك وخسائر ومخاطر ومحاذير تتنامى يوما بعد يوم، إذ شكل مجلس الحرب له غطاء سياسيا وشعبيا، هذا بالإضافة إلى الخبرة العسكرية لدى أعضاء المجلس والتي هي غير متوفرة لدى حلفائه من اليمين المتشدد الذي يتصف بالرعونة والغوغائية واللاعقلانية.
ولكن بعد خروج حزب "المعسكر الوطني" برئاسة بيني غانتس، وقائد الأركان السابق، الوزير غادي آيزنكوت، من مجلس الحرب، ومطالبة بن غفير وسموتريتش بالانضمام إليه بدلا منهما، أصبح بقاء المجلس بلا فائدة، بل قد يعود عليه بالضرر فيما إذا انضم إليه بن غفير وسموتريتش لما يحملانه من أفكار متطرفة ومنفرة لأمريكا وللمجتمع الدولي، ولافتقارهما للخبرة والنظرة السياسية.
وهنا يبرز التساؤل، ما هو أثر حل مجلس الحرب على الحرب على غزة؟
في الحقيقة وبعيدا عما يتردد من تحاليل وقراءات سياسية إعلامية للحدث، فإن هناك أمورا ثابتة وجوهرية، وهناك أمورا نسبية وثانوية، وكلاهما يجب ملاحظتهما ولكن كل بوزنه واعتباره.
فصحيح أن وجود مجلس الحرب كان مفيدا لنتنياهو ولحربه الوحشية على غزة، حيث شكل غطاء سياسيا، وإطارا وحدويا أمام الشارع اليهودي وأمام دول العالم، وصحيح أنه كان يشكل رافدا عملياتيا وخبرة عسكرية استغلها نتنياهو في حربه، وكذلك كان يضفي على القرارات الصفة الإجماعية رغم أنه مؤخرا همش المجلس كثيرا وكان يرفض عقد جلسات له لنقاش المسائل الحساسة والخلافية كمسألتي الصفقة وما بعد الحرب، إلا أنه كان يستفيد من الصفة الإجماعية وإن ضعفت شيئا فشيئا مع مضي الأشهر.
ولكن الخلاف بين أعضاء مجلس الحرب على مستوى الأحزاب والغايات الانتخابية والسياسية كانت موجودة منذ البداية، تخفت قليلا ثم تتقد، وطوال فترة الحرب ومراكز الاستطلاع ترصد التقدم والتأخر في التنافس على زعامة يهود بين غانتس ونتنياهو، فمسألة أنهم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، هذه حقيقة في يهود، وهم متفقون على قتل المسلمين وسحق غزة والمجاهدين ولكنهم مختلفون فيمن يقودهم في هذه الحرب (المقدسة) وفي شكل الإخراج والنهاية للحرب.
فالحديث الآن عن أن نتنياهو سيتحمل الفشل وحده، وسيكون محل المحاسبة وحده وليس مجلس الحرب بعد أن حله، صحيح وخطأ في آن واحد؛ صحيح أنه سيتحمل الفشل وسيحاسب على إخفاقه في منع هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر وسيعاد فتح ملفات الفساد له، ولكن ذلك خطأ أيضا لأن كل ذلك كان سيحدث بمجلس الحرب وبدونه، فهم كانوا في المجلس نفسه ولكن قلوبهم شتى وكلهم يتربص بالآخر، فهم يد واحدة على المسلمين وأهل فلسطين ولكنهم ليسوا كذلك بعده، بل يمكرون ببعضهم ويتربصون بأنفسهم.
وأما أن حل مجلس الحرب سوف يحول بين نتنياهو وبين إطالة أمد الحرب، فذلك تضليل وتخدير من المحللين والمتفائلين، فقرار وقف الحرب ليس قائما على غانتس أو آيزنكوت، فنتنياهو يعتبر الحرب حربا وجودية، وسيواصل القتال حتى آخر رمق عنده، ويدعمه في ذلك ائتلافه الحاكم اليميني المتشدد وتملأ قلوبهم الأفكار والأحلام التوراتية التي تذهب بعيدا عن معاني السياسة والعقلانية. وأمريكا سواء بإدارة بايدن التي لم تخذل يهود يوما منذ بداية الحرب فأمدتهم بالسلاح والمال وحمتهم من الجوار والخارج، أو بإدارة ترامب التي يأمل نتنياهو أن تعود للحكم، سوف تواصل أمريكا دعم يهود، فهم قوم يجمعهم الحقد على الإسلام والمسلمين، ويتفقون على ضرورة القضاء على أي شكل من أشكال التهديد لدولة يهود، ومستوى الخلاف الذي يظهر أحيانا لا يصل إلى مستوى يعرقل حربا أو يوقفها، بل يغير شكلها أو يطور أساليبها، أما الغاية فهي واحدة ومتفق عليها لدى ساسة الإجرام هؤلاء.
فأمريكا أرادت على سبيل المثال صفقة تخدع بها حركة حماس والفصائل لتأخذ ما عندهم من أسرى فتحقق بذلك نصرا لها وليهود ووفاء بوعدهما، ثم تعود لتفشل المفاوضات وتكمل ما بدأته من مخطط القضاء على المجاهدين، ولكن جشع يهود وقصر نظرهم فضح المخطط وأظهره بشكل لم ينطل على الفصائل فرفضت الصفقة، وكذلك أمريكا تتلاعب قليلا في عملية إمداد يهود بالسلاح لتجبر نتنياهو على اتباع سياستها المقترحة في الحرب وعلى السير في مخططها لما بعد الحرب، دون أن يؤثر ذلك على كيان يهود أو أمنهم.
وكذلك الأمر في المظاهرات الداخلية والدعوات إلى تصاعدها، وحتى لو ذهبت أبعد من ذلك وهو إسقاط نتنياهو نفسه، فكلها خلاف في كيفية إدارة الحرب وتحقيق الأهداف، وليس على الأهداف أو الحرب نفسها. فأمريكا مثلا لا ترى بأسا في أن تطول الحرب ولكن بعد أن تدخل في مرحلة هدوء نسبي تحت مسمى الهدن يخدمها في فترة الانتخابات ويكون ذلك فرصة لصياغة مقترحات ما بعد الحرب ثم تستأنف الحرب بعد الانتخابات، في حين إن نتنياهو يدرك أن ذلك يشكل مشكلة له ولدولته، فهم عاجزون عن النفس الطويل والقدرة على التحمل لفترة طويلة، ولذلك هو مصر على مواصلة الحرب بالزخم نفسه حتى ينهي ما بدأه قبل أن ينهار ائتلافه وتتراجع شعبيته ويعجز يهود عن المواصلة والتحمل.
إن السبيل الوحيد لنصرة غزة وأهلها، وإيقاف المجازر وشلال الدم المنهمر وأكوام الأشلاء المتطايرة، هو أن تتحرك الأمة الإسلامية وقواها المسلحة لتضع حدا لوحشية وغطرسة يهود وأمريكا، أما التعويل على الخلافات الداخلية وحل مجلس أو تشكيل مجلس آخر أو حتى إجراء انتخابات مبكرة أو خلافات بايدن ونتنياهو فهو تعويل على سراب ووهم، فملة الكفر واحدة وهم يد علينا وإن اختلفوا فيما بينهم في التفاصيل.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع