أقر مجلس النواب الأمريكي يوم 20/4/2024 تقديم مساعدات بقيمة 61 مليار دولار لأوكرانيا. والذي عجّل باتفاق الحزبين الديمقراطي والجمهوري في المجلس هو المكاسب الروسية على الجبهة بعدما كثفت روسيا عملياتها الهجومية على عدة نقاط، فاستولت على مدينة أفدييفكا الأوكرانية قبل شهرين، واحتلت مؤخرا قرية نوفوميخايليكفا التي تبعد 30 كلم عن دونيتسك وليست بعيدة عن بلدة فوغليدرا التي تقع على تقاطع الجبهتين الجنوبية والشرقية، والتي تحاول روسيا احتلالها منذ سنتين، وسيطرت على بوهدانيفكا شمال شرقي تشاسيف بار، وهي بلدة استراتيجية على أرض مرتفعة يمكن أن تفتح الطريق أمام روسيا للسيطرة على مدن حصينة في شرق أوكرانيا. فبدأت التحذيرات من احتمال خسارة أوكرانيا للحرب أمام روسيا، ونداءات ومخاوف كثيرة وجهتها كييف بهذا الشأن وبدأت تشكو من صعوبة صد الهجمات الروسية.
وهذه المساعدات هي عبارة عن قروض تركز الهيمنة الأمريكية على أوكرانيا وتصب في صالح الاقتصاد الأمريكي. فبحسب القانون الذي وافق عليه مجلس النواب الأمريكي سيتم استخدام نحو 23 مليار دولار لاستعادة ترسانات الجيش الأمريكي، واستخدام أكثر من 11 مليار دولار لتمويل العمليات العسكرية الحالية للقوات المسلحة الأمريكية في المنطقة، و14 مليار دولار لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية. وبذلك فإن 61 مليار دولار هو مبلغ كبير، ولكن الأمريكيين سينفقون أكثر من نصفه على أنفسهم في حين إن كييف لن تتلقى سوى القليل جدا مما يسمى بحزمة المساعدات وعلى شكل ائتمان، أي قرض بفوائد ربوية إن لم يدفع في وقته.
وكما قال أحد الباحثين فإن "جميع الأموال المخصصة اسميا لأوكرانيا تقريبا ستبقى في الاقتصاد الأمريكي وفي المجمع الصناعي الأمريكي، وإن شركات الأسلحة الأمريكية ستكون المستفيدة من مشروع قانون الدعم العسكري لكييف، وسيكون ثمنها إرسال عشرات الآلاف من الأوكرانيين إلى مذبحة جيوسياسية".
ولكن الأوكرانيين يمنّون أنفسهم للتخلص من هذه الديون التي ستوقعهم تحت الهيمنة الغربية باحتمالات ذكرتها السفيرة الأوكرانية في واشنطن أوكسانا ماروفا: "مشروع الوثيقة التي صوت عليها مجلس النواب الأمريكي يشطب ما يصل إلى 50% من الدين بعد 15/11/2024، كما يمكن شطب أي مبلغ آخر بعد 1/1/2026. وتوجد نقطة إيجابية أخرى وهي أن أمريكا قد تعتمد قانونا يسمح للرئيس الأمريكي بنقل الأصول الروسية المصادرة إلى أوكرانيا". ولكن الاحتمالين غير مؤكدين، فيبقى الأمر خطيراً بالنسبة إلى أوكرانيا.
وإذا أضفنا القروض الأوروبية التي تسمى مساعدات أيضا، فإن أوكرانيا لن تقوم لها قائمة. إذ "اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي في شباط 2024 على تمويلات لأوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو للفترة بين عامي 2024-2027، سيخضع نحو ثلثي التمويل على شكل قروض بنسبة فائدة ربوية قليلة: 31% دعم اقتصادي ومالي وإنساني، و27% مساعدات عسكرية، و17% للاجئين الأوكرانيين، وهبات وقروض بنحو 5,9%". وهكذا فإن مساعدات أوروبا سيكون ريعها لها، وقد وصفها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بأنها "استثمار في مصالح الاتحاد الأوروبي وفي السلم والاستقرار". واعتبرته رئيسة الاتحاد الأوروبي فون دير لاين "أولوية الأولويات" على مدار 2024. وقد اعتبروا أوكرانيا خط الدفاع الأول عن الاتحاد وعن حلف الناتو، يقاتل الأوكرانيون في سبيلهم فيحترقون بنار الحرب والغربيون بأمان يربحون.
ولكن غالبية المواطنين في الغرب وخاصة في ألمانيا بنسبة 61% يتخوفون من اتساع نطاق الحرب في أوكرانيا لتطال بلادهم. وكذلك دعت الأحزاب اليسارية والاشتراكية في اجتماع لها يوم 15/4/2024 إلى وقف الحرب والتفاهم مع روسيا. واقترح رئيس كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان الألماني رولف موترينيتش يوم 15/3/2024 فكرة "تجميد الحرب والعمل على إنهائها" ودافع عن قرار المستشار الألماني شولتس رفض تقديم صواريخ توروس بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وهاجم أعضاء الائتلاف الآخرين؛ حزب الخضر والليبرالي الديمقراطي، بسبب رغبتهم تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ. وأبدت وزيرة خارجية ألمانيا ألينا بيربوك وهي من حزب الخضر استياءها من هذه الفكرة ومن رفض البرلمان تزويد أوكرانيا بالصواريخ، ومثلها هاجم رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي ميرتس. وبرر شولتس عدم تزويد الصواريخ، أن تسليمها يقتضي وجود جنود ألمان في أوكرانيا وهذا غير وارد. ومن شأن هذه الصواريخ أن تصل إلى أهداف في عمق روسيا بما فيها موسكو وبطرسبرغ وبالتالي يؤدي إلى تفاقم الصراع.
فحزب الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الديمقراطي المسيحي برئاسة ميرتس بألمانيا يؤيدون السير على خطا السياسة الأمريكية ضد روسيا. علما أن المستشار الألماني شولتس اضطر إلى تشكيل الائتلاف مع الخضر والليبرالي عام 2021، وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 فاضطر إلى مسايرتهما لأن بوتين أظهر غطرسة ولم يظهر مرونة وقد أصبح الرأي العام في ألمانيا ضد روسيا. وقد أكد هو وسوناك رئيس وزراء بريطانيا التي تسعّر الحرب ضد روسيا تعهدهما في برلين يوم 24/4/2024 دعم أوكرانيا "مهما استغرق الأمر".
وقامت أمريكا التي أشعلت الحرب وتعمل على تسعيرها فأعلنت على لسان وزارة خارجيتها يوم 25/4/2024 أنها أرسلت سرا خلال الشهر الحالي أنظمة صواريخ "أتاكمس" بعيدة المدى. وقال وزير دفاعها أوستن يوم 26/4/2024 "أمريكا لن تتراجع عن دعم أوكرانيا في وجه عدوان بوتين الصارخ.. إنه مع سقوط أوكرانيا تحت حذاء بوتين فإن أوروبا سوف تقع تحت ظل بوتين".
وردت روسيا على لسان المتحدث باسم الكرملين بيسكوف قائلا: "إن أمريكا منخرطة مباشرة في هذا النزاع، وسلكت مسلكا يهدف إلى إطالة مدى أنظمة الأسلحة. غير أن ذلك لن يغير مآل العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. وقال وزير خارجيتها لافروف يوم 26/4/2024: "مستقبل أوكرانيا التابعة للغرب غير واضح في الغالب. على العكس لن يكون هناك سوى أوكرانيا روسية حقا، تريد أن تكون جزءا من العالم الروسي وتريد التحدث بالروسية وتعلم أطفالها. ليس هناك مجال للحديث عن أي بديل. روسيا لا تريد مهاجمة دول الناتو كما يزعم الغرب لتخويف الناخبين. لكن إذا أرادوا دفع حدود الناتو إلى حدودنا فسنعرف بالطبع كيف نمنع ذلك في أوكرانيا".
فالطرفان يصران على مواقفهما وأهدافهما، ولهذا فإن أزمة أوكرانيا ستطول وتتفاقم والحرب لن تتوقف من قريب. وهذا يستنزف قوى الروس والغرب الذين طالما أشعلوا الحروب في المنطقة الإسلامية ودعموا الأنظمة الإجرامية فيها والقائمين عليها الذين يسحقون شعوبهم، وقد أعلنوا تأييدهم المطلق لكيان يهود في عدوانه على غزة، والله عزيز ذو انتقام. ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.
رأيك في الموضوع