وقعت مصر والاتحاد الأوروبي، الأحد 17/03/2024، على إعلان لترفيع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة، في وقت ستحصل القاهرة على حزم مالية أوروبية بقيمة 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار)، وسط مخاوف من تزايد عبور المهاجرين للبحر المتوسط إلى أوروبا.
ليست الهجرة غير الشرعية ما يخشاه الغرب ولا تزايد أعدادهم، بل هي مبرر معلَن لدعم نظامٍ يريد الغرب تعويمه في ظل أزمات كادت أن تغرقه تماما وتغرق مصر وأهلها على الحقيقة.
قبل أيام قام النظام المصري برفع سعر المحروقات وتبع هذا بالطبع ارتفاع أجرة وسائل النقل جميعها بلا استثناء، في الوقت الذي يعاني فيه الناس من ارتفاع نسبة التضخم وانخفاض الدخول ما قد يؤدي لانفجار في ظل عجز الناس عن سد حاجاتهم الأساسية من سلع وخدمات، فلم تعد دخول الناس تكفي حتى الطعام والشراب الذي تتضاعف أسعاره مع ارتفاع سعر الدولار وزيادة معدل التضخم الذي يلتهم دخول الناس ومدخراتهم، ووالله لولا أن للناس أرزاقاً مكتوبة لماتوا جوعاً تحت قرارات النظام الكارثية، فالنظام يحاصر أهل مصر ويجوعهم بارتفاع الأسعار تماما كما يحاصر أهل غزة ويمنع عنهم الغذاء والدواء.
إن مصر تعاني أزمات متلاحقة جراء سياسات النظام وقراراته الكارثية التي تصب كلها في صالح الغرب وشركاته الرأسمالية من جهة وعمل النظام لخدمة السادة في البيت الأبيض والسير في خططهم ومشاريعهم ورعاية مصالحهم وبسط نفوذهم كما يريدون وربما أكثر، فالنظام يعمل في ليبيا والسودان واليمن والصومال وغيرها، وبالطبع يعمل في غزة فلا منفذ لها إلا من خلال مصر ومعبرها، والنظام على الحقيقة هو الذي يحاصر أهل غزة ويمنع عنهم كل أسباب الحياة ويعين يهود عليهم بل هو الداعم والحارس الأول والأقوى لكيان يهود، فالنظام ولسنوات خلت يجفف المناطق الحدودية مع قطاع غزة ويهجر أهلها حتى صنع منها منطقة عازلة إضافية وأغلق جل الأنفاق التي كانت بمثابة شريان حياة لغزة وأهلها وهو النظام نفسه الذي يمنح كل التسهيلات ليهود في دخول سيناء والخروج منها دون أي قيود بينما يضيق حتى على أهل مصر دخولها!
هذا الدعم الذي يتلقاه النظام الآن غايته الحقيقية هي ضمان استقرار النظام ولو إلى أجل ريثما يتمكن الغرب من حل وتصفية قضية فلسطين، فالغرب لن يستطيع مواجهة انفجار في غزة وانفجار في مصر التي تلاصق الكيان والتي تملك قدرة حقيقية على سحقه بل اقتلاعه من جذوره في سويعات محدودة، وربما دون مقاومة من يهود، وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة التي بينت للعالم ضعف وهشاشة كيان يهود وأنه لا يستطيع حماية نفسه، وأنه لولا حراسة وحماية حكام بلادنا وتكبيلهم لجيوشنا لما بقي يهود على أرض فلسطين ساعة من نهار.
لهذا كان هذا الدعم وغيره ضروريا لبقاء واستقرار النظام في مصر؛ أولا لكون النظام يعمل على حل وتصفية القضية حسب رؤية أمريكا وما يخدم مصالحها ومشاريعها ويقوم بدوره كما يريد الغرب وربما أفضل، خاصة في ظل تأثر الاقتصاد المصري بما يحدث في غزة وتأثيره على الملاحة في البحر الأحمر بعد هجمات الحوثيين وما تبعه من انخفاض معدل المرور من قناة السويس ولو بشكل جزئي، وثانيا وهو النقطة الأهم في المعادلة أن أي انفجار في مصر ستتبعه انفجارات في باقي الدول؛ ما يعني انهيار الرأسمالية والانعتاق الكامل من تبعية بلادنا للغرب، وهو الأمر الذي يخشاه الغرب ويتحد ويتحالف لمواجهته، فأخشى ما يخشاه الغرب هو انعتاق ولو دولة واحدة من بلاد الإسلام، فكيف لو كانت مصر بموقعها ومقوماتها وجيشها؟ وفوق هذا تأثيرها الثقافي والفكري فيما حولها بل وفي كل بلاد الإسلام، الأمر الذي يجعل التغيير فيها ومن خلالها مؤثرا في كل الأمة ويجعل حاجة الغرب لدعم استقرارها أمرا حيويا بل جزءاً من أمنه القومي.
لكن الغرب بما فيه من عنجهية القوة لن يعطي للنظام ما يمنحه الاستقرار الكامل، بل ما يبقيه فقط على قيد الحياة وما يجعله دائما في حاجة للغرب ودعمه، والنظام نفسه لا يفكر في الاستغناء عن الغرب رغم قدرته على ذلك لو أراد، فالنظام يغرق البلاد واقتصادها بمشاريع لا طائل منها ولا حاجة لها، عوضا عن الاهتمام بزراعة وصناعة ما تحتاجه البلاد والاستغناء عن استيراده حتى صارت مصر تستورد ما يزيد عن 90% مما تستهلك، والنظام ينفق أموال الناس ومدخراتهم على طرق وكباري ومدن أشباح تبنى للصفوة والنخب، فقط لكي ينسب لنفسه إنجازا ببناء عاصمة جديدة أو غير ذلك!
إن ما يتلقاه النظام من دعم غربي لغاية تعويمه وإنقاذه من غضبة الناس هو ثمن بخس لخيانته قضايا الأمة وأهمها قضية فلسطين ومنعه الناس من نصرتهم، والمشاركة الفعلية في قتلهم وحصارهم حتى ماتوا جوعا وقوافل الغذاء والمساعدات تقف على مرمى حجر منهم، بينما يخرج علينا رأس النظام مدعيا الرحمة والخوف من الله منكرا كونه محاصرا لغزة وأهلها! فأين يفر من الله القوي الجبار إن كان سببا في جوع أهلها، وكأنه يخاطب من لا يسمع ولا يرى؟!
إننا نعلم حقيقة النظام وكونه حرباً على الإسلام وأهله، شريكاً لأعداء الأمة، ولكن العجيب هو موقف المخلصين في الجيوش أحفاد الفاتحين العظام صلاح الدين وقطز وبيبرس وقلاوون، الرجال الرجال، من نصروا الأمة وقضاياها وكانوا درعا تتكسر عليه هجمات الغرب، الذين هزموا الصليبيين ودحروا التتار، فمن للأمة ودينها اليوم يكون حارسا أمينا عليها؟ من للأمة وقد اجتمع عليها الصليبيون والتتار يريدون استئصالها من الوجود؟ من للإسلام يا جند الكنانة المغاوير؟ من للأقصى والمقدسات؟ من لصرخات الثكالى والأرامل واليتامى؟ من يجيب هؤلاء الأطفال الذين ينادونكم "بدنا ناكل بدنا نعيش"؟! أي ظلم تفعلون بأنفسكم حينما تصمون آذانكم أمام صرخات هؤلاء والله سائلكم عنهم لا محالة؟! أليس منكم رجل رشيد يغضب لله ورسوله ويقسم لله أن ينتصر لهم ويقتلع كل ما يمنعه من ذلك ويحول بينه وبين نصرتهم؟!
أيها المخلصون في جيش الكنانة: إن القوة والإرادة في أيديكم فأروا الله منكم ما يحب ويرضى نصرة للأمة وقضاياها واقتلاعاً لأنظمة العار التي تكبلكم وإقامة لدولة الإسلام التي تحرركم والأمة بعمومها، هذا ما يريده الله منكم ورسوله فكونوا أنتم لهذه الأمة نصراً وعزاً وسنداً، اللهم عجل بقيام دولة الإسلام واجعل مصر حاضرتها واجعل جند مصر أنصارها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع