في 16 حزيران/يونيو من هذا العام في إطار منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي علقت وزارة الطاقة على اتفاقية توريد الغاز الروسي إلى أوزبيكستان وخارطة الطريق لإعداد نظام نقل الغاز في بلادنا لاستقبال هذا الغاز. ووفقاً للوزارة فقد تم إبرام اتفاقية شراء وبيع الغاز بين شركة المساهمة أوزغاز تريد وشركة غاز بروم إكسبورت لمدة عامين ووقعها وزير الطاقة الأوزبيكي ج. ميرزا محمودوف ورئيس مجلس إدارة شركة غاز بروم أ. ميلّير على أساس موثوق به.
وتؤكد الوزارة أن العقد تم إعداده على أساس الشروط التجارية الكاملة.
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اقترح فلاديمير بوتين إنشاء "اتحاد غاز ثلاثي بين روسيا وكازاخستان وأوزبيكستان". لم تبد كازاخستان اهتماما بهذا الاقتراح لكنها قالت إنه ينبغي النظر في هذه المسألة. وبعد ذلك تحدث بوتين مع ميرزياييف تلفونيا حول اتحاد الغاز ولكن لم يتم الكشف عن موقف أوزبيكستان من هذا الاتحاد. على الرغم من أن وزير الطاقة جورابيك ميرزا محمودوف قال إن "أوزبيكستان مستعدة لتوقيع عقود الغاز مع روسيا ولكنها لا تنوي الدخول في اتحاد الغاز"، إلا أن العقد الموقع في 16/6/2023 يشبه بشكل أساسي تنفيذ اتحاد الغاز الثلاثي عمليا. لقد أرادت روسيا استخدام هذا الاتحاد بشكل أساسي لبيع غازها إلى الصين وأوروبا، والحصول على ملكية شبكات نقل الغاز في أوزبيكستان وكازاخستان.
وعندما لم تتحقق هذه الخطة بدأت روسيا في استخدام طريقة الاتفاقات قصيرة الأجل. ينص العقد الذي أبرم في 16/6/2023 في إطار منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي لمدة عامين على أنه اعتباراً من 1/10/2023 سيتم استيراد 9 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً إلى أوزبيكستان. ولكن الزيادة في حجم الغاز الطبيعي المُرسَل إلى أوزبيكستان وكمية الغاز التي سيتم بيعها لشعب أوزبيكستان وكميتها التي سيتم بيعها للخارج تظل سرية تماماً. لقد صرح وزير الطاقة الأوزبيكي أن شراء الغاز الطبيعي من روسيا هو أحد الإجراءات التي تهدف إلى تلبية جزئية للطلب المتزايد سنوياً لمستهلكي الغاز في البلاد فضلاً عن قضاء موسم الخريف والشتاء دون مشاكل ودون خسارة. ومن هذا يتبين أن الحكومة لا تنوي حل أزمة الطاقة الداخلية بشكل كامل عن طريق شراء الغاز الروسي. بالأحرى تحاول روسيا استخدام أوزبيكستان كوسيط لبيع غازها الطبيعي للخارج أي بعد فشل بلطجتها على أوروبا بالغاز تريد الآن توسيع صادرات الغاز مختبئة وراء أوزبيكستان. ووفقاً لذلك في إطار خارطة الطريق فإن إصلاح واستبدال المعدات في نظام نقل الغاز في أوزبيكستان بآخر جديد له هدفان:
الأول: تشغيل محطات الضغط لإيصال الغاز المضغوط إلى إيران على طريق الترانزيت. فالمفاوضات الضيقة والموسعة التي أجراها الرئيس ميرزياييف مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تم البحث خلالها في التعاون في مجال النقل والخدمات اللوجستية كقضايا رئيسية. وهذا الاتفاق أيضا يفتح فرصاً جديدة لروسيا لتصدير الغاز والنفط عبر إيران.
والثاني: تجميع الغاز الروسي الذي يتم توريده إلى أوزبيكستان في الاتجاه المعاكس عبر خط أنابيب الغاز الرئيسي "آسيا الوسطى- مركز" في مدينة غازلي بمنطقة روميتان بولاية بخارى وتصديره للخارج عبر تركمانستان. ومن أجل تنفيذ هذه الخطة سيتم تحديث 3 معدات ضخ غاز وسيتم إصلاح 11 نوعاً مختلفاً من أجهزة ضخ الغاز واستعادتها بالكامل وسيتم بناء 22كم من خطوط أنابيب الغاز الرئيسية الجديدة وإصلاح 56كم من خطوط أنابيب الغاز.
إذا كانت حكومة ميرزياييف إلى جانب الشعب كما تدعي، فلماذا تعطي حقول الغاز في البلاد لشركات روسية مثل لوك أويل وغاز بروم؟ ولماذا تحاول تبرير شراء الغاز الروسي بسعر السوق في المنطقة في نطاق اتفاقات ما؟ يمكن لشخص ما أن يقول إن حجم الغاز المنتج في الوقت الحالي لا يكفي لتغطية الاحتياجات المحلية بالكامل. ولكن هيمنة احتياطيات الغاز الموجودة في أوزبيكستان، سواء أكان ذلك الاستكشاف والحفر والإنتاج والنقل، قد تم منحها جميعها للشركات الروسية في عامي 2004 و2007 على أساس عقود طويلة الأجل؛ فمثلا منجم شاخباختي ومجموعة مناجم كانديم ومنجم هيسار الجنوبي الغربي ومنجم الاستقلال 25 عاماً في منطقة سورخانداريا ومنجم جيل في قاراقولباكستان تم إعطاء كل هذه المناجم إلى شركتي لوك أويل وغاز بروم الروسيتين على أساس عقود طويلة الأجل. من بين هذه العقود يشير عقد منجم "25 عاماً من الاستقلال" فقط إلى أن حصة أوزبيكستان تتراوح من 55٪ إلى 80٪.
في الواقع كان على أوزبيكستان تشغيل هذه المناجم من خلال الشركات الوطنية والمحلية وتزويد السكان بهذه الاحتياطيات مجاناً لتلبية احتياجاتهم؛ لأن أوزبيكستان لديها احتياطيات غاز يمكن أن توفره لسكانها دون الاعتماد على أي دولة. بالإضافة إلى ذلك يعتبر الغاز ملكية عامة ولا يجوز خصخصتها، قال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ».
لا يبدو أن قيادة أوزبيكستان قلقة على الإطلاق من مآسي الأطفال الذين لا ينجون من البرد والمرضى المصابين بأمراض خطيرة وبحاجة إلى جراحة ويموتون في المستشفيات بسبب العجز وكبار السن الذين يعانون من نقص الغاز والكهرباء في منازلهم. إن الاتفاقات المذكورة أعلاه التي أبرمت بتوجيه من المستعمرين تشكل عقبة أمام الإمداد المنتظم لشعبنا ليس فقط بالغاز ولكن أيضاً بالكهرباء. وحادثة الخلل التي حدثت في المنطقة في فصل الشتاء 2020-2021 هي تأكيد حي على ذلك. للأسف طالما استمرت عقلية العبيد في السلطة التي تعتبر مثل هذه العقود مع الدول المستعمرة مثل روسيا تجارية وليست مذلة فسيظل شعبنا يتعرض للإذلال.
في الختام تجدر الإشارة إلى أنه على أساس العقود طويلة الأجل وقصيرة الأجل فإن روسيا تمارس سيطرة أكثر إحكاماً على قطاع الغاز الذي يشكل العمود الفقري لنظام الطاقة في أوزبيكستان. لأن هذه القضية تلعب دوراً مهماً للغاية بالنسبة لروسيا في الحفاظ على نفوذها السياسي في أوزبيكستان والمنطقة، لأن الطاقة هي شريان الحياة للاقتصاد فلها تأثير مباشر على اقتصاد الدولة وبالتالي على سياساتها. لذلك فإن مثل هذه العقود تؤثر على الشؤون الداخلية والخارجية لبلدنا، وكذلك الاتفاقات التجارية التي يتم إبرامها دون مراعاة مصالح الشعب يجب إلغاؤها نهائياً. ولكن النظام الديمقراطي الذي تقوم عليه أوزبيكستان والقوانين الدولية الحديثة لا تسمح بمثل هذه الإجراءات الجذرية، بل على العكس فهي تحل النزاعات لصالح الدول المستعمرة من خلال محاكم التحكيم الدولية. وعلى هذا فإن الطريقة الوحيدة لتحرير أنفسنا من براثن الدول الكبرى التي استولت على مواردنا الطبيعية ولا تسمح لنا باستخدامها بحرية إنما هي بالتخلي عن الديمقراطية الرأسمالية وأن نكنسها من حياتنا، والعمل على إقامة النظام الإسلامي مكانها. لأن كل الطرق الأخرى لن تؤدي إلا إلى تحويل بلادنا إلى دول فقيرة تحت حكم روسيا والصين والغرب.
لقد حدد الإسلام الذي أنزله الله مواردنا الباطنية والسطحية بأنها ملك عامة، قال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ». فإن الجذر الحقيقي للضنك الاقتصادي اليوم ومشاكل الحياة المختلفة هو أننا لا نعيش وفقاً لأحكام خالقنا سبحانه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾.
بقلم: الأستاذ إسلام أبو خليل – أوزبيكستان
رأيك في الموضوع