انطلقت ثورة الشام بقرار ذاتي وإرادة تحررت من الخوف والطمع والتبعية للنظام، فكان الثوار قوة لا يستهان بها رغم ضعف قوتهم المادية، فقد كانت قوتهم بالمظاهرات وسلاحهم البمبكشن والبارودة.
لقد أدرك عدوهم سر قوتهم وهو إيمانهم بالحق الذي حرر إرادتهم من الانقياد للباطل فعمل على سلبهم هذه الإرادة بالمال السياسي القذر والسلاح الذي لا يملكون ذخيرته ولا استخدامه إلا بقرار من الداعم، وهكذا تمت مصادرة القرار السياسي والقرار العسكري بالمال والسلاح فكانت النتيجة فرض الهدن والمفاوضات وإيقاف المعارك وإغلاق الجبهات وتخدير المقاتلين بالتدشيم وحفر الخنادق وإقامة الحواجز على الطرقات والانشغال بمشاكل المدنيين، بينما كان عدوهم يُعِدّ لاسترجاع المناطق وهذا ما كان فقد أصبح المحرر الآن 7% بعد أن كان 70%!
أيها الشرفاء، يا أهل ثورة الشام، يا من لم تنتكسوا بالمال السياسي ولم تفقدوا إيمانكم بالحق ولم تبيعوا قراركم وإرادتكم بالدعم الخارجي: أنتم اليوم بيضة القبان لترجيح الكفة وتحرير الإرادة والقرار وتحييد المنتكسين من القادة والمنتفعين عن قيادة المجاهدين وتحرير المجاهدين من تضليل المطبلين والمزمرين.
إن إيماننا بالله هو الذي يثبتنا على موقفنا ويحرر إرادتنا ويعيد لنا قرارنا ويبين لنا عدالة قضيتنا. ولذلك فإن العمل على تحرير الإرادة والقرار هو الأولوية القصوى وذلك عبر تحرير العقول والأفهام من أوهام التبعية والاستنصار بالدول العميلة وأسيادها من الكفار.
أيها المسلمون: لقد عمل أعداء الإسلام على تكبيل المسلمين بالأفكار الضالة من علمانية وقومية ووطنية ومصلحية، بل زرع في أذهان القادة والمثقفين أنه لا يمكن لهم تحقيق الحرية والنصر إلا بالاعتماد عليه! وهذا أخطر احتلال.
إن الذين يظنون أن الحل والنصر بالاعتماد على القوى الخارجية والأنظمة العلمانية ومسايرتها قد انتكسوا ونكصوا على أعقابهم، وهم يحاولون اليوم فرض عقليتهم المحتلة على الثورة وأهلها، وهم يقودون الثوار من احتلال أرضهم إلى احتلال عقولهم وقرارهم وذلك بالترويج للمصالحات والتخويف من القوى الدولية وأدواتها والتطبيل للقادة المنتكسين الذين بدل أن يعتزوا بالانتصارات أصبحوا يتسولون دعاية بإعطاء عامل النظافة بعض الليرات!
ومن الأمثلة على فقدان القرار النكث بالأيمان المغلظة بإطلاق سراح المعتقلين من وجهاء أهل حماة صبيحة العيد، وكذلك عدم إطلاق سراح أي أحد من المعتقلين من المجاهدين والسياسيين والناشطين رغم الآلام والآمال بأن يكون العيد فرصة لهم للخروج من الانضغاط الذي أوقعوا أنفسهم فيه بسبب الظلم والاعتقال وانتهاك الحرمات، ما يدل على أنهم مجرد أداة اعتقال لا يملكون قرار إطلاق سراح أحد لأن أمر الاعتقال جاءهم من معلميهم في الخارج ضمن سياسة التطبيع مع النظام والتحضير للمصالحات.
أيها الثوار الشرفاء: إنه لا يمكن تحرير الأرض ما لم تتحرر الإرادة، وإذا ما حصل تحرير على أيدي الأدوات، ولن يحصل، فهو تحرير مزيف كاستقلال الأنظمة العربية التي تحتفل كل عام بعيد الاستقلال بينما هي ترتكس بذلّ التبعية للاستعمار الذي لا يزال يتقنع بهذه الأنظمة محتلا لبلادنا احتلالا سياسيا بعمالة أنظمتنا وتبعيتها له، واحتلالا اقتصاديا برعاية أنظمتنا لمصالحه وسيطرة شركاته الرأسمالية على مقدرات بلادنا من نفط ومعادن، واحتلالا اجتماعيا بمحاولة تفكيك نظام الأسرة الذي فرضه الله، واحتلالا فكريا بفرض عقيدته فصل الدين عن الحياة وبنشر ثقافته عبر فرض مناهج التعليم على بلادنا وجعل شخصيته وطراز عيشه أنموذجا يحتذى به.
إن هذا الشكل من الاحتلال هو أخطر من الاحتلال العسكري المباشر للأرض حيث إننا ندركه ونقاومه، أما احتلال العقول والإرادات فيمكن إخفاؤه وراء قناع من القادة العملاء والأدوات الرخيصة الذين يمثلون على الناس دور القائد الحامي والراعي الحريص على شعبه بينما هو رويبضة تافه لا يملك من أمره شيئا.
إن التحرير المطلوب اليوم هو تحرير العقول والإرادات والقرارات من التبعية لما يسمى الدول الداعمة وهي في الحقيقة أنظمة خائنة مخادعة تتاجر بمصائر الشعوب في سبيل تحقيق مصالح آنية سلطوية أو انتخابية. ومن العجب العجاب أن ترى كثيرا من المخدوعين الذين احتُلت عقولهم يبررون لهم هذا الأسلوب القذر في تحقيق مصالحهم بل ويرونه حقا لهم أن يتاجروا بآلام المستضعفين!
أيها الشرفاء، يا أهل ثورة الشام: لقد شاهدتم بأم أعينكم كيف حررتم أرضكم وتحررتم عندما كنتم مستقلين تملكون قراركم وتتحركون بإرادتكم، وكيف سلبت منكم بلادكم وحُشرتم في المخيمات بعد أن باع القادة قراركم وسلموا أرضكم ودياركم لعدوكم.
فتحرروا من أوهام التبعية واستعيدوا قراركم وحرروا إرادتكم قبل أن يسلمكم القادة العملاء ويسلموا ما بقي من المحرر كما سلموا حلب وأريافها وأرياف حمص وحماة والغوطة ودرعا وشرق السكة وغربها وخان شيخون والمعرة وأريافهما والـM5.
وللمحافظة على استقلال الإرادة اتخذوا قيادة سياسية لا ترتبط إلا بالله رب العالمين، ترون أنها صدقتكم القول وثبتت على مشروع الإسلام العظيم ولم تبدل عالمية الإسلام بوطنية الدين ولم تساير قوى الظلام والإغراء ولم تستسلم رغم الاعتقال والإيذاء، وقدمت لكم مشروع الخلاص الواضح؛ مشروع الخلافة على منهاج النبوة، عندئذ يصبح تحرير أرضكم تحصيل حاصل.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد سعيد العبود
رأيك في الموضوع