تشهد الأحداث الأخيرة للثورة السورية تراجعا كبيرا للنظام السوري، وانتصارات متوالية للثوار في أرض الشام وبخاصة في الشمال السوري، فقد تمكنت مجموعة من الكتائب بعد اجتماعها في غرفة عمليات موحدة من تحقيق انتصارات واسعة على قوات بشار الأسد في إدلب وريفها وفي عدة مناطق على طريق اللاذقية بريف إدلب، وفي غمرة هذه الأحداث قام تنظيم البغدادي بشن هجوم على قرى وبلدات في ريف حلب الشمالي تقع تحت سيطرة كتائب المعارضة.
وقد صاحب انتصارات كتائب الثوار انسحاب جيش الأسد من مدينة تدمر وسيطرة تنظيم البغدادي عليها بسهولة وبدون مقاومة تذكر، في حين يخوض التنظيم معارك ضارية في منطقة الحسكة مع تقدم للقوات الكردية باتجاه مدينة تل أبيض الحدودية التي تقع تحت سيطرة التنظيم.
كما شهدت الجبهة الجنوبية سقوط مقر اللواء 52 في ريف درعا الشرقي، واقتحام الثوار لمطار الثعلة العسكري قرب السويداء ثم انسحابهم منه، مع استمرار في المعارك للسيطرة عليه.
وبناء على هذه الأحداث المتسارعة تتغير خارطة السيطرة في مختلف مناطق سوريا، فقوى نظام الأسد تتراجع وتنحسر باتجاه الساحل ودمشق أي المناطق الغربية من سوريا، مع بقاء القوات الكردية الموالية للنظام على مناطق سيطرتها في الشمال، في حين يسيطر تنظيم البغدادي على القسم الشمالي الشرقي باتجاه الوسط، أما كتائب الثوار فتتركز في إدلب وريفها وريف حلب وجزء من ريف حمص، وفي ريف دمشق، وفي جنوب سوريا.
ولا يمكن إجمال هذه التغيرات وردها إلى أسباب متطابقة في كل الجبهات، ولكن رسم خارطة ذهنية لتحرك وتوزع هذه القوى يمكن أن يعطي صورة واضحة لما يحدث في أرض الشام، فمن جهة أساسية لا يختلف المراقبون على واقع قوى النظام السوري الذاتية بأنها متهالكة ومحطمة وبأنه لولا السند الخارجي الذي يعتمد عليه النظام السوري المتمثل بعملاء أمريكا إيران وحزبها في لبنان والأذناب في العراق، لانهار النظام في ساعة من نهار. ولكن بالنظر لهذه التطورات الأخيرة نجد أن هذا الدعم أصبح ينحسر إلى مناطق معينة كأنها خطوط حمراء لا يُسمح لقوى المعارضة بتجاوزها، وكلما حزمت قوى الثورة أمرها لتجاوزها، شغلهم شاغل عنها من مثل هجوم تنظيم البغدادي الأخير على ريف حلب، كما نجد أن الدعم الإيراني يتضاعف في منطقة الساحل ودمشق كما أن جبال القلمون يستميت حزب إيران في القتال فيها.
وهذا المد والجزر في حالة تقدم قوى الثوار واشتداد المعارك مع النظام وأحلافه، وانسحاب قوى النظام من مناطق وتركها لتنظيم البغدادي، يحاول النظام من خلاله تجميع قواه المتهالكة، وادخارها للمناطق التي تشكل عصب الحياة له وعنصر بقائه وهي دمشق والساحل.
واعتمادا على العداوة الضارية بين تنظيم البغدادي وبقية فصائل الثورة في سوريا، أصبحت المعركة في سوريا ليست معركة بين النظام وقوى الثورة بل معارك بين الأطراف جميعا، وأشدها وأسوأها معارك التنظيم مع بقية فصائل الثوار، حيث أصبحت هذه المعارك صمام أمان لبقاء نظام بشار، كما أصبحت انتصارات الثوار رهينة لحالة من توازن القوى بين التنظيم والثوار والنظام.
وحالة التوازن هذه تسعى أمريكا لإبقائها قائمة لأمد ليس قريبا، وذلك لأن أمريكا عجزت بعملائها عن إنقاذ نظام عميلها بشار، وعجزت حتى هذه اللحظة عن إيجاد عميل بديل يحافظ على نفوذها في سوريا، وعجزت عن تركيع الثوار المخلصين وقتل الروح التي أيقظتها الثورة في نفوس المسلمين في سوريا، وتولدت منها إرادة إقامة خلافة حقيقية على منهاج النبوة، وفي ظل حالة العجز هذه تولدت حالة التوازن بين القوى المتصارعة في سوريا مما ساهم في إبقاء النظام قائما حتى الآن، وساهم في الحيلولة بين المسلمين وبين تحقيق غايتهم، ومشروعهم، وبدأت تنبت في أرض الشام دعوات مشبوهة تدعو بتردد محسوب للتخلي عن إقامة دولة على أساس الإسلام، تطل هذه الدعوات برأسها، ثم تتراجع خاسئة في مواجهة الرأي العام الكاسح لإقامة شرع الله في أرض الشام، على الرغم من أن بعضا من أصحاب هذه الدعاوى المشبوهة يتسترون وراء شعار الإسلام ولوائه.
والحاصل أن على المسلمين في سوريا أن لا تأخذهم نشوة هذه الانتصارات بعيدا، لأن المؤشرات المادية تدل على أن حسم المعركة لن يكون سريعا في ظل تآمر الشرق والغرب والأذناب والعملاء على ثورة الشام، وفي ظل الغشاوة التي تحيط بمشروع الثورة الشامية.
والعاصم للثورة من أن تقع في فخ أمريكا والعملاء والأذناب هو أن تتوحد كتائب الثوار المخلصين لنصرة المشروع الواضح المبلور الذي يقدمه حزب التحرير للأمة الإسلامية، وأن تغذ الخُطا باتجاه مركز حياة النظام ومحور بقائه دمشق العاصمة، فتمتلك رأس الأمر وجماعه ولو انحاز بعدها النظام وقواه إلى الأطراف والحواشي، فلن تكون حركته وبقاؤه بعد ذلك إلا حركة المذبوح وبقاءه. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
رأيك في الموضوع