تبنى مجلس الشيوخ في المجلس الأعلى في أوزبيكستان مشروع القانون بشأن الدستور في تعديل جديد والذي سيلغي الفترتين السابقتين للرئيس ميرزياييف (سيوصل الفترتين السابقتين للرئيس ميرزياييف إلى درجة الصفر). وقد حدد مجلس الشيوخ موعد إجراء الاستفتاء على هذا المشروع في 30 نيسان/أبريل 2023. وفي وقت سابق وافق على هذا المشروع مجلس النواب بالبرلمان أيضا.
إذا وافق الشعب على هذا القانون في الاستفتاء فيمكن لميرزياييف البالغ من العمر 65 عاماً البقاء في السلطة حتى عام 2040! وواضح أنهم سيعلنون بأن الشعب (وافق). لأنه في الأنظمة الاستبدادية كما هو الحال في أوزبيكستان فرص الشعب في عدم الموافقة على مشروع قانون كهذا هي صفر. قبيل الاستفتاء تقام فعاليات الدعاية في جميع مناطق أوزبيكستان وتعقد الاجتماعات تحت شعار "هذا دستوري ودستورك ودستوركم". ويشترك فيها نجوم البوب والرياضيون وممثلو الإدارات الحكومية والشخصيات المجتمعية ورجال الأعمال. ويحمل الناس الملصقات نفسها المكتوب عليها: "هذا الدستور لي" و"لك" و"لنا". ويحضر في العديد من هذه الاجتماعات طلاب الجامعات والأطفال في سن المدرسة بكثرة. وهذا يشير إلى أن هذه الاجتماعات تتم على أساس أوامر "من أعلى". فمثلا قبل الاجتماع في جامعة ولاية فرغانة والذي تم الإعلان عنه كحفل موسيقي عبر الإنترنت بمشاركة نجوم السينما والتلفزيون ظهر على إنستغرام مقطع فيديو، يمكنك أن ترى فيه كيف يقوم منظمو هذا الحدث بتمرين الصاخبين الذين يصرخون مرددين هذه الشعارات.
لا شك أن الغرض من هذه المسرحية التي تسمى بالاستفتاء هو تمهيد الطريق لميرزياييف للبقاء في السلطة. فقال صادق صفايف وهو نائب رئيس المجلس الأعلى في الصيف الماضي "دعونا نقول ذلك بصراحة إذا تم تبني الدستور الجديد فإنه سيخلق بالتأكيد فرصة لجميع المواطنين بمن فيهم الرئيس الحالي للمشاركة في الانتخابات بموجب الدستور الجديد". ويحسب على شير إلهاموف وهو مدير "العناية الواجبة في آسيا الوسطى" أن التغيير في الدستور يتم في الأساس لميرزياييف لمنحه الفرصة "لإيصال الفترتين السابقتين إلى درجة "الصفر" والمضي قدماً في موعدين جديدين" تماماً كما فعل بوتين سابقاً في روسيا.
وباختصار يريد نظام ميرزياييف أن يُظهر أن هذا الدستور الجديد والاستفتاء كأنهما إرادة الشعب. والمواد والتعديلات الأخرى على الدستور والتي يبدو كأنها معنية بمصالح الشعب تم إدخالها أولاً لصرف انتباه الناس عن الهدف الأصلي لهذا الدستور الجديد، وثانياً لإرضاء دول الغرب الكافر المستعمر وعلى رأسها أمريكا. فمثلا في 11 نيسان/أبريل وقع ميرزياييف قانوناً جديداً "بشأن الحماية الموثوقة للحقوق والحريات والمصالح المشروعة للنساء والأطفال". وفي الواقع ليس من الصعب فهم أن أحكام الشريعة الإسلامية في الأسرة هي هدف هذا القانون. في الإسلام المرأة هي عرض يجب أن يصان. وقد جعل الله سبحانه وتعالى الرجال قوامين على النساء. وهذه القوامة ليست عنفاً بل إن الزوجين ينظمان شؤون الأسرة معاً بأحكام الشريعة ويربيان الأولاد تربية إسلامية.
من المعروف أن الغرب وخاصة أمريكا ينتهج سياسة تفكيك المجتمعات وخاصة المجتمعات في البلاد الإسلامية. فقد كتب الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في مذكراته: "ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلاَّ أحد حلَّين: الأول: تقتيلهم والقضاء عليهم. والثاني: تذويبهم في المجتمعات الأخرى المدنيَّة العلمانيَّة". فإن هدف أمريكا والغرب هو تحويلنا نحن المسلمين إلى حالة الميوعة وخلطنا في المجتمعات الكافرة وتدمير وتفكيك الأسر والعائلات. لذلك تأتي الأسرة والمرأة والقضايا ذات الصلة على رأس قائمة الغزو الحضاري والفكري والثقافي بالنسبة لأمريكا والغرب. ومن أجل هذه الغاية تحاول أمريكا والغرب تسميم عقول المسلمين بمفاهيم الكفر مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات. فقد قال الرئيس ميرزياييف رداً على أسئلة رئيس تحرير صحيفة أوزبيكستان الجديدة سليم دونياروف: "من الجدير بالذكر أن المفاهيم الديمقراطية الأساسية والخبرات الحياتية مثل: حقوق الإنسان والحريات وحكم القانون والانفتاح والشفافية وحرية التعبير وحرية الاعتقاد والرقابة العامة والمساواة الجندرية (المساواة بين الجنسين) وحصانة الملكية الخاصة وحرية النشاط الاقتصادي أصبحت حقيقة واقعة". كما التقت ابنته سعيدة ميرزياييفا في 25 آذار/مارس 2023 في البيت الأبيض بمساعد جو بايدن ومديرة مجلس سياسة النوع (الاجتماعي) في الإدارة الرئاسية الأمريكية جنيفر كلاين. وكان أحد المواضيع الرئيسية للمحادثة حماية النساء من العنف القائم على النوع (الاجتماعي) والعمل الجاري لمنعه في أوزبيكستان. وقالت سعيدة ميرزياييفا: "ناقشنا بالتفصيل الإجراءات الضرورية حتى لا تبقى التعديلات على قوانين المسؤولية الإدارية التي تنص على جريمة العنف ضد النساء والقاصرين على الورق فقط".
وهذا يعني أن نظام ميرزيوييف الذي ينتهج سياسة متعددة المتجه يحاول إرضاء الكفار المستعمرين بالتغييرات التي أدخلت على الدستور الجديد. وتفسر هذه السياسة لماذا أعطى الكفار المستعمرون الضوء الأخضر لما يسمى بالاستفتاء. إن دستور الكفر في أوزبيكستان الذي تم تغييره 15 مرة خلال 30 عاما لم يجلب سوى الإذلال والفقر لشعبنا. والدستور المحدث أيضا لن يجلب أي شيء جيد، بل هو يغرق في مستنقع الديمقراطية النتن ويسقط إلى أدنى درجة من البهيمية. لذلك يجب على مسلمي أوزبيكستان أن يقولوا لا لهذا الدستور الذي يجعل الحلال حراماً والحرام حلالا. وإنه لا ملجأ للتخلص والنجاة من ظلمات العلمانية إلا بالخروج إلى نور الإسلام. وهذا لا يتحقق إلا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهي التي ستخرج البشرية جمعاء من هذه الظلمات والانحلال الأخلاقي والانهيار والتفكك الأسري والذل الناتج عن حضارة الغرب الرأسمالي، فيعيش الإنسان في ظل حكم الإسلام الذي هو ضمان إقامة العدل وإحقاق الحق. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
بقلم: الأستاذ إسلام أبو خليل – أوزبيكستان
رأيك في الموضوع