خرج الناس في مظاهرات حاشدة ضد نظام الإنقاذ، وكانت مطالبهم تحسين الأوضاع المعيشية، والضائقة المالية، وتردي الأوضاع الصحية والتعليمية، واستمر الحراك حتى أطاحوا بالبشير، لكن ظلت الآراء والأفكار والسياسات التي أرهقت الناس، ودمرت البلاد موجودة، فقد ظن الناس أن ذهاب رموز النظام يعني نهاية النظام الظالم.
إن الذي جرى هو استبدال أشخاص أكثر فساداً وسوءاً بآخرين فاسدين، فاللجنة الأمنية للنظام السابق الذي هو الشريك في الحكومة الانتقالية هم عملاء لأمريكا، أما شركاؤهم من المدنيين، وبعض الحركات المسلحة هم عملاء بريطانيا، وموظفو البنك وصندوق النقد الدوليين، فكلا الفريقين نفذوا كل الوصفات المهلكة التي فرضها البنك وصندوق النقد الدوليان، التي أدت إلى شلل كامل في الأوضاع الاقتصادية، وانخفضت العملة، وزاد معدل التضخم بنسبة مزعجة، بل مخيفة انعكست وبالاً على حياة الناس، وأصبح الكساد والركود هما الوضع الطبيعي للأسواق بالسودان.
هذه الأوضاع أدت إلى خروج عدد كبير من التجار من الأسواق، وعلى ظهورهم ديون عجزوا عن سدادها، فاضطر بعضهم لمغادرة البلاد خشية الملاحقات القضائية التي تؤدي حتما إلى السجن.
فماذا يعني الركود الاقتصادي؟ إن الركود الاقتصادي يعني باختصار إنتاج وفير وقوة شرائية ضعيفة، فالأسواق مليئة بما يحتاجه الناس، لكن لا يجد الناس المال الذي يمكنهم من الحصول على حاجاتهم من هذه الأسواق، مع العلم أن الركود أدى إلى استقرار الأسعار، بل إن بعضها هبط سعرها رغم الزيادات المضاعفة في قيمة الجمارك والضرائب ورسوم الإنتاج ورسوم الخدمات وزيادة أسعار العملات الأجنبية التي يقابلها انخفاض حاد في سعر العملة المحلية.
أما أسباب الركود فتتمثل في الآتي:
1- زيادة الجمارك، وإنها كانت سبباً من أسباب الركود، في النظام السابق، وما زالت وزارة المالية ترفع أسعار الوقود ليزداد الاشتعال في الأسعار، وارتفاع معدلات العطالة والبطالة، وزيادة الركود.
2- كثرة الضرائب والجبايات بمسمياتها المختلفة؛ من ضريبة عامة، وضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل الشخصي، ورسوم المحليات المختلفة، وغيرها، وكلها تصب في تعقيد المشكلة.
3- زيادة أسعار الوقود ما أدى إلى زيادة في الترحيل، فأدت بدورها إلى شلل في قطاع النقل والمواصلات المحلية والسفرية، وهذه الأيام هناك حملة واسعة النطاق تتمثل في عجز مالكي الباصات السفرية في دفع الأقساط المفروضة عليهم.
4- زيادة فاتورة المياه والكهرباء، وانعدامهما.
5- الهبوط المستمر في أسعار العملة المحلية، فقد أوردت صحيفة الراكوبة بيانا لغرفة المستوردين يقول: "بعض أصحاب المصانع هاجروا إلى الخارج لما لحق بهم من ضرر".
6- زيادة الدولار الجمركي من 445 إلى 564 جنيهاً، وعلى حسب البيان فجر موجة من الاستياء وسط المستوردين والتجار.
فقد انعكس هذا الركود الكبير على حياة الناس، فكانت نتيجته كما يلي:
1- 70% من المصانع أغلقت، فقد أعلن اتحاد الغرف الصناعية في بيان مؤخراً توقف 5940 مصنعا من إجمالي 7350 مصنعاً نسبة لارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلا عن زيادة رسوم الخدمات والجمارك، وعدم توفر النقد الأجنبي، وما تبقى من جملة المصانع 1410 متوقع أن تتوقف جميعها إذا لم تتحسن الأوضاع.
2- أورد موقع سمارت نيوز إغلاق بعض المحال التجارية في رمضان بسبب الركود مع أن الأسعار مستقرة، وبعض المحلات أجرت تخفيضات هائلة في الأسعار، ومع ذلك لا توجد قوة شرائية. وكذلك أوردت شبكة الحرة الإخبارية أن 700 مزارعا في محليات الرهد الكبرى مهددون بأوامر قبض من البنك الزراعي بسبب إعسارهم في الموسم السابق.
3- اضطرابات وإغلاق تام بالأسواق في مناطق عدة منها سنار والأبيض وتمبول والقضارف، احتجاجا على كثرة الضرائب والجبايات.
4- ظهور عصابات تنهب وتقتل لأتفه الأسباب للحصول على المال من الضعفاء، مع غياب كامل لأجهزة الدولة.
والخلاصة أن كل هذه الأسباب التي أدت إلى الركود الاقتصادي الكبير، والتي كانت نتيجة لتطبيق أحكام النظام الرأسمالي الجشع، هي في حقيقتها مخالفات شرعية، قال رسول الله ﷺ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ»، وتلك المرأة التي زنت فأمر رسول الله ﷺ برجمها فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ: «مَهْلاً يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَت. فالمكوس كانت تؤخذ أيام الجاهلية الأولى فجاء رسول الله وعالج المشكلة بتحريم أخذ أموال من الرعية بغير وجه شرعي.
أما الجاهلية الحديثة التي نعيشها الآن فقد ضاعفت المكوس أضعافا مضاعفة فزادت معاناة الناس وصارت الحياة جحيما لا يطاق، ما أدى إلى تململ الناس وعدم الرضا حتى في دول الغرب صاحب الحضارة نفسها ويتشوقون لمن ينقذهم. ولا يكون ذلك إلا بتحركات جادة من أمة محمد ﷺ لإقامة الخلافة على منهاج النبوة لترفع المعاناة عن كاهل الناس، وتحرم أخذ هذه الأموال الحرام من الرعايا حتى ينتجوا ويعيشوا حياة كريمة تليق بالإنسان. والذي لا يملك مالاً يُعطى من بيت المال. وتقرض الدولة الرعايا حتى يستصلحوا الأراضي التي لم تستغل، فمؤسسة غولدن ساكس الأمريكية صنفت السودان في المركز الأول في قائمة الدول التي تملك أراضي زراعية غير مستغلة.
فالدولة في الإسلام دولة رعاية وليست دولة جباية. فالواجب علينا وعلى كل أبناء الأمة أن نوصل ليلنا بنهارنا لإعلانها خلافة على منهاج النبوة تطبق أحكام الإسلام وتعالج كل المشاكل الناتجة من جراء تطبيق الرأسمالية، وتعود هذه الأمة إلى سابق عهدها تؤدي واجبها ألا وهو حمل الإسلام رسالة هدى، وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: عبد القادر عبد الرحمن
عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في السودان
رأيك في الموضوع