البعض يقول إن التجار جشعون يستغلون المناسبات مثل شهر رمضان ليرفعوا الأسعار ومن ثم يجعل هؤلاء المسؤولية على التجار في حل هذه المشكلة.
والحقيقة أنه من الخطأ جعل المسؤولية على التجار والانتظار منهم أن يشعروا بوضع الفقير فيخفضوا الأسعار! الموضوع ليس بهذه البساطة فارتفاع الأسعار له أسباب عدة، منها:
- احتكار التجار للبضائع فتقل في السوق فيرتفع سعرها بسبب كثرة الطلب وقلة العرض.
- قلة البضائع أساساً في السوق، ولو لم يكن هناك احتكار من التجار، فأيضاً يرتفع سعرها بسبب كثرة الطلب.
- فرض الحكام الضرائب والجمارك والمكوس على البضائع.
- تضخم العملات التي يتعامل بها الناس فتقل قيمتها الشرائية، ونخص بالذكر الدولار الأمريكي الذي ترتبط به كثير من العملات ويتعامل به تجار المحرر على أنه أثبت من العملات الأخرى كالليرة التركية أو السورية.
وإن حل مشكلة ارتفاع الأسعار يكون بمنع الاحتكار والعمل على توفير السلع والبضائع في حال قلتها بالسوق.
وهذا لا يمكن أن يقوم به إلا دولة تحكم بما أنزل الله، فالإسلام حرم الاحتكار ودعا الدولة الإسلامية للعمل على توفير السلع في حال فقدانها أو قلتها في السوق، والنتيجة استقرار الأسعار.
وأيضاً يساهم ما يتم فرضه من ضرائب على البضائع القادمة من تركيا أو مناطق قوات سوريا الديمقراطية أو البضائع المنقولة بين مناطق شمال حلب وإدلب إلى ارتفاع أسعار هذه البضائع، وقد منع الإسلام الإتاوات والضرائب وجعلها من المَكس المحرم.
أما قضية التضخم المالي وخاصة الدولار الأمريكي فله تأثير عالمي على أسعار السلع والخدمات، والتضخم واقعه انخفاض القيمة الشرائية للعملة لعوامل عدة، فمثلاً يمكن أن نشتري مصباحا كهربائيا اليوم بدولار أمريكي أي بنحو 20 ليرة تركية لنتفاجأ بعد شهر بارتفاع سعره إلى دولار وربع أي 25 ليرة تركية بسبب التضخم الحاصل في أمريكا.
ومن أهم أسباب التضخم وتأرجح أسعار الصرف بين العملات هو عدم ارتباط العملات بالذهب والفضة وهو النقد الشرعي الوحيد في الإسلام ولا يمكن أن تحل مشكلة التضخم إلا دولة إسلامية تعيد فرض قاعدة الذهب والفضة للنقد المتداول أو تجعلهما نقدا متداولا معترفا به عالمياً فتستقر أسعار الصرف وتضبط أسعار السلع والخدمات لأنها تعتمد قاعدة مستقرة.
ومن هنا لم يكن الحل هو التسعير كما يفعل النظام الرأسمالي، وهو في الوقت نفسه يسمح بالاحتكار، بل الشركات الكبرى الاحتكارية في الدول الرأسمالية هي إما ملك للحكام والمتنفذين، أو أن الحكام والمتنفذين مشاركون فيها بقوة. وبالتالي تبقى المشكلة دون حل.
يضاف إلى مشكلة ارتفاع الأسعار أيضاً ضعف القدرة الشرائية للناس بسبب قلة الأموال بين أيديهم أو انتشار البطالة، والحل أيضاً عندنا في حكم الإسلام وشريعته أنه ألزم الدولة بتأمين فرص العمل للعاطلين عن العمل، وكذلك حرم الإسلام كنز المال وأوجب طرحه واستثماره في الأسواق ليصبح المال متداولاً وتتوسع المشاريع التجارية والصناعية والزراعية وتتوفر السيولة بين أيدي الناس بتوفر فرص العمل والدخل الجيد.
وبذلك يساهم نظام الإسلام الذي يطبق في ظل دولة الخلافة دولة الرعاية، في تأمين فرص عمل لجميع رعايا الدولة من مسلمين وغير مسلمين فتنهي البطالة وتمكنهم من توفير حاجاتهم الأساسية والكمالية على أكمل وجه.
أضف إلى ذلك أنه في الإسلام يوجد ملكيات عامة، هي حق لرعايا الدولة الإسلامية تنظم إنفاقها على مصالحهم واحتياجاتهم بالأسلوب الذي تراه مناسبا، وهي ليست ملكا للحاكم المتسلط كما هو الحال اليوم، فالنفط والغاز والثروات المعدنية الهائلة التي تحويها بلاد المسلمين، والمرافئ والمعابر وما يرد منها، كل هذه الأموال هي ملك للأمة ومن حقها الانتفاع منها، ومن حقها أن توزع عليها بالعدل كأموال عينية أو خدمات عامة كفتح مدارس وطرقات ومشافي وتأمين ما يلزم من كهرباء ووقود وغاز وغيرها، ما يخفف المصاريف، ويرفع من مستوى الدخل ليخرج الجميع إن شاء الله من حالة الفقر.
ولكن الواقع أن حكام المسلمين المتسلطين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويسرقون ثروات الأمة فيزدادون غنى ويزداد عموم المسلمين فقراً وعوزاً.
ونختم بحديث النبي ﷺ الذي يلخص فيه سبب الفقر حيث يقول في الحديث الصحيح: «خَمْسٌ بِخَمْسٍ، خَمْسٌ بِخَمْسٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خَمْسٌ بِخَمْسٍ؟ قَالَ: مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ. وَمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْفَقْرُ، وَلَا ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْفَاحِشَةُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْمَوْتُ. وَلَا طفَّفُوا الْمِكْيَالَ إِلَّا مُنِعُوا النَّبَاتَ وَأُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَلَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ إِلا حُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطْرُ».
فجعل الرسول ﷺ سبب تفشي الفقر وكثرته بأن الحكام يحكمون بغير ما أنزل الله وهو ما يؤدي حتما إلى سوء توزيع الثروة أو سرقتها من هؤلاء الحكام كما هو واقع المسلمين اليوم.
والخلاصة أن حل مشكلة الفقر وارتفاع الأسعار أو المشاكل النقدية والاقتصادية لا يمكن إلا من خلال دولة الخلافة التي تطبق النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يضمن حياة اقتصادية رغيدة لرعاياه بعيداً عن فساد الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية التي سببت الأزمات الاقتصادية والفقر المدقع للبشرية.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني
رأيك في الموضوع