تم انتخاب نتنياهو وتشكيل حكومة يمينية متطرفة، ومنذ اللحظات الأولى والتصريحات تصدر عن وزير إسكانها بأنه سيقوم بتوسيع المستوطنات وضمها لكيان يهود واقتحام باحات المسجد الأقصى، وقد قام فعلاً بتنفيذ وعيده هو وقطعان المستوطنين تحت حراب شرطة يهود دون أي اعتبار لجعجعات الكيانات المسخ والتهديدات التي تطلق من هنا أو هناك مع العلم أن الرئيس الأمريكي بايدن قال إننا لن نتعامل مع هذه الحكومة إن تشكلت ولا مع بعض المتعصبين في تشكيلتها ومنهم بن غفير.
ومع هذا لم تتخذ إدارة بايدن أي إجراء عملي حيال ذلك، فلو كانت هذه الحكومة اليمينية تشكل تهديداً للمنطقة وخطورة على مصالح الولايات المتحدة لاتخذت إجراءات إزاء ذلك ومنها التهديد بقطع المعونات الأمريكية أو تجميدها كما فعلت في مرات سابقة، وما يقوم هذا الكيان المسخ في فلسطين هو في الحدود المرسومة له والتي يغطيها وعد بلفور (بإعطاء فلسطين وطنا قومياً لليهود).
وهذه الحكومة اليمينية هي ورقة من أوراق الضغط للوصول إلى الحل النهائي الذي يصب في تصفية قضية فلسطين والتي سبقتها خطوات كثيرة، وهي أخطر بكثير من حكومة يمينية أو يسارية أو علمانية تحكم كيان يهود. إن المشاريع التي سبقت هذه الخطوة هي القبول بنتائج اتفاقية سايكس بيكو وحدودها المصطنعة التي مزقت جسد الأمة فجعلته حارات ودويلات ممسوخة لا قيمة لها بل وظيفتها تنفيذ مقاصد وأهداف المستعمرين الذين احتلوا بلاد المسلمين بما فيها فلسطين، والتي شاركت في تحقيق وعد بلفور بإنشاء هذا الكيان المسخ ودخلت في لعبة الحروب المسرحية التي مكنت ليهود من أرض فلسطين كلها وسيناء والجولان. ثم أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت ولا زالت معولا من معاول المستعمر لتصفية قضية فلسطين والتي صوتت دول الضرار لها في مؤتمر الرباط بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي التي تدير ما تبقى من فلسطين لصالح كيان يهود في الضفة الغربية.
إن كيان يهود هو كيان وظيفي محمي من الغرب كله وعلى رأسه أمريكا التي وظفت هذه الكيانات التي تحيط به لحمايته وتسويقه في المنطقة والتوقيع على اتفاقيات استسلام (سلام) مروراً بمصر والأردن والمغرب وقطر والإمارات والحبل على الجرار، فأيهما أخطر على فلسطين هذه الاتفاقيات أم الحكومة اليمينية التي يتم تهويلها وتضخيمها؟ إن كيان يهود ورقة من أوراق السياسة الأمريكية كباقي الأوراق في المنطقة ومنها الإرهاب والنووي والتهديد الإيراني، كل ذلك لا يخرج عن المخطط الأمريكي الذي يجعل هذه المنطقة رهنا للراعي الأمريكي الذي لولا هذه المشاريع لما كان له هذا الوجود الضخم الذي يحكم قبضته على مفاصل الحياة فيها.
هذه تعتبر بديهية لا يجوز إغفالها فكيان يهود لا يملك القدرة على الصمود أمام شباب لا يملكون من القوة سوى القليل، وسلاحهم الإيمان بقضيتهم وفي قبضتهم حجارة أو بندقية، ومع هذا تسببوا في شل الحركة في كيان يهود وجعلوا عاصمته تل أبيب تعيش حالة من الذعر والرعب، ولكن أهلنا لم يدركوا خطورة المشروع الآخر وهو سلطة أوسلو التي يتفاخر رئيسها بأنه يفتش شنط الطلبة إذا كانت فيها أداة حادة، وهو يتباهى بالتنسيق الأمني علانية ويعتبره عملاً مقدساً، فهذه السلطة أخطر على فلسطين وأهلها من حكومة تسمى يمينية متطرفة سرعان ما تسقط إذا ما واجهت الواقع على حقيقته دون تزييف، فهذه الحكومة وغيرها تستمد قوتها بحبل من الناس كفاراً ومنافقين.
إن هذه الحكومة هي جزء من مخطط مرسوم وهو الوصول للحل الأمريكي الذي جعل الواقع هو أساسه وهو الذي يفرض تصوره، وهذا المخطط هو غض الطرف عن بناء المستوطنات وشرعنتها وفتح الأبواب لهجرة شباب فلسطين بعد التضييق عليهم فيها.
إن كيان يهود يريد الوصول لنتيجة هي قبول المجتمع الدولي بيهوديته أي أن يصبح كياناً قوميا كما جاء في وعد بلفور الذي توافق أمريكا عليه، ولكن وجود الاختلاف الديمغرافي في جسم هذا الكيان يعد عقبة كأداء، كما أن وجود المسجد الأقصى وهو قبلة المسلمين الأولى والمقدسات الإسلامية الأخرى على أرض فلسطين وكذلك الفهم الإسلامي لطبيعة وواقع فلسطين لا زال مترسخاً بالأذهان وراسخاً بقلوب المسلمين وهو ما يجعل هناك عقبة تقف في وجه هذه الحلول، ولذلك فإن الأسلوب المتبع بعد تغييب مسؤولية المسلمين عن قضية فلسطين وجعلها قضية خاصة بأهل فلسطين، هو عملية ترويض الشعوب الإسلامية وذلك بتمويت هذه القضية ثم شطبها من مناهج التعليم حتى يأتي جيل لا يعرف شيئا عن فلسطين ومكانتها عند المسلمين، وخلال هذا يتم القضم شيئاً فشيئاً لما تبقى من أرض فلسطين، ثم إن التضييق على الشعوب الإسلامية أحد هذه الأهداف وهو إشغال المسلمين بلقمة عيشهم عن هذه القضية وغيرها من قضايا الأمة.
لذلك فإن هذه القضية حاضرة في ذاكرة الإسلام، وحكمها واضح وضوح الشمس في رابعة النهار وحلها ليس غائباً ولا يحتاج لبحث واجتهاد، ففلسطين هي أرض إسلامية وقد فتحت زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتحكمها العهدة العمرية التي فيها أن لا يساكن أهلها يهود. أرض الإسراء والمعراج هي أرض وقف لا يجوز المهادنة أو التفاوض عليها، وكل اتفاقية عقدت مع هذا الكيان باطلة ولا قيمة لها، وأما الحل الجذري لها فهو استنهاض جيوش المسلمين المكبلة للقيام بواجبها؛ وذلك بتسليم زمام الأمور لمن هو أهلٌ لها ببيعة خليفة للمسلمين يستأصل شأفة يهود ويقضي على كيانهم المسخ مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.
بقلم: الأستاذ سالم أبو سبيتان
رأيك في الموضوع