إن نسبة الشعور بالغضب والاشمئزاز من أولئك الذين ركبوا مركب الخيانة والغدر بأبناء جلدتهم أو عقيدتهم كأمثال أبرهة وابن العلقمي ونحن نقرأ غدرهم في صفحات الكتب، تكاد تنعدم عندما نعيش الأفعال ذاتها واقعاً في حياتنا من جانب النظام التركي.
إن الدور الخبيث الذي يلعبه النظام التركي للقضاء على ثورة الشام المباركة وحرف مسارها منذ انطلاقتها، يشبه إلى حد كبير دور مصطفى كمال في القضاء على دولة الخلافة العثمانية في بداية القرن المنصرم، هذا الدور أبرز ما فيه هو الكذب والغدر والخيانة تنفيذاً لرغبات أمريكا وحفاظاً على مصالحها في المنطقة من خلال الإبقاء على عميلها بشار أسد في سدة الحكم والحيلولة دون إسقاط نظامه العلماني وإقامة نظام الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كانت بداية التآمر على الثورة منذ انطلاقتها عام 2011 حيث خرجت التصريحات من النظام التركي تندد وتشجب وتستنكر أفعال نظام أسد العدوانية ضد شعبه الأعزل، وطالبه بإجراء إصلاحات شكلية لتنفيس غضب الشارع الملتهب في ذلك الوقت، ثم ارتفع سقف تصريحاته إلى حد المطالبة باستبدال رأس النظام كونه فاقد الشرعية، كما كان يصرح رئيس الحكومة التركية أردوغان في ذلك الوقت.
أخذ دور النظام التركي يزداد خبثاً بعد تمكنه من شراء ذمم ضعاف النفوس والحمقى من قادة الفصائل و(شرعييهم) الذين استهوتهم السلطة والمال، إلى أن تمكن من تسليم حلب والغوطتين وحوران عبر اتفاقيات الخيانة جنيف وأستانة وسوتشي، إلى أن أفصح عن أسوأ ما فيه من خلال تصريحات وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو في 24/8/2022 الداعية للتصالح مع نظام أسد، تلاها تصريح رأس النظام أردوغان حول رغبته في لقاء أسد حسب ما نقلته العديد من وسائل الإعلام منها صحيفة حريات التركية.
إلى أن جاء لقاء وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بنظيريه السوري علي محمود عباس والروسي سيرغي شويغو بالإضافة لرؤساء أجهزة الاستخبارات لكل من تركيا وسوريا وروسيا في العاصمة الروسية موسكو، ليضيف حلقة جديدة لسلسلة تآمر النظام التركي على ثورة الشام لن تكون الأخيرة حتى يحقق مبتغاه في إعادة آخر شبر من الأراضي التي تسمى محررة لسيطرة نظام الإجرام.
ركز النظام التركي في الفترة الماضية على تهيئة الأجواء لما أسماه المصالحة بين المعارضة والنظام، من خلال إيقاف جبهات القتال ومنع أي عمل عسكري من شأنه أن يسقط نظام أسد المتهالك، كما أوعز في الوقت نفسه لأدواته في الداخل المتمثلة بالحكومات (إنقاذ – مؤقتة) وبقادة الفصائل المرتبطين به، من أجل زيادة الضغط على الحاضنة الشعبية لكسر إرادتها وإجبارها على الخضوع والخنوع، وكان آخرها أزمة الوقود والملاحقات الأمنية لكل من يرفض السير في ركب الحل السياسي الأمريكي والقرار 2254 من الثوار المخلصين أو العسكريين المستقلين.
وفي الوقت نفسه استطاع النظام التركي من خلال أدواته تحييد كثير من وجهاء القرى والبلدات وشيوخ العشائر والقبائل من الواجهة عبر إشغالهم بقضايا ثانوية وتأطيرهم في السياق الفصائلي ذاته عبر ما يسمى مجالس القبائل والعشائر ومجالس الصلح على غرار مجلس الشعب عند نظام أسد، ومن خلال هذا استطاع فصل الوجهاء وشيوخ القبائل والعشائر عن الحاضنة الشعبية لضمان عدم قيامهم بأي حراك حقيقي يعيد الثورة إلى مسارها الصحيح وأن يقتصر عملهم على ما يوحيه لهم عبر أدواته في الداخل، وكان آخرها البيان الصادر عن مجلس شورى القبائل والعشائر بتاريخ 21/12/2022 حول قضية اغتصاب وقتل امرأتين في دير الزور، بينما لا نجد لتلك المجالس أي تصريح أو بيان لما تتعرض له المناطق من قصف وتهجير، لا نجد لهم أي تصريح أو بيان حول ما يصرح به النظام التركي من استعداده لتسليم المناطق التي يسيطر عليها لنظام الإجرام في دمشق وما في ذلك من مخاطر على الأنفس والأعراض والأموال، كل ذلك حتى لا يقوم الوجهاء والشيوخ بالدور الطبيعي لهم وهو قيادة الحاضنة الشعبية لقلب الطاولة على النظام التركي ومن ورائه أمريكا من خلال تصحيح مسار الثورة وقطع يد الخارج وإنهاء حالة التبعية والارتباط الفصائلي التي كرسها النظام التركي في سعيه لتحقيق مصلحة أمريكا في الإبقاء على نظام أسد والحيلولة دون سقوطه.
أخيراً نقول إن النظام التركي ومنذ بداية الثورة كان خنجراً مسموماً في خاصرة الثورة المباركة، وإنه لم يترك وسيلة لتمويه دوره الحقيقي إلا وجاء بها حتى لا تكتشف حاضنة الثورة خطورة المسار الذي يسوقها إليه، هذا التمويه للأسف كانت تقوم به ولا تزال لحى وعمائم تسبح بحمده وتبرر له وتعمل جاهدة على ستر عورته مقابل عرض من الدنيا زائل، إلى أن جاءت التصريحات الأخيرة من الخارجية التركية أن أنقرة تعتزم نقل السيطرة في المناطق التي تتواجد فيها إلى سلطة دمشق في حال تحقق الاستقرار السياسي على حد زعمهم، وهنا نقول إن النظام التركي ينطبق عليه قول النبي ﷺ: «قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ»!
إن الخطوات العملية للحيلولة دون وصول النظام التركي ومن خلفه أمريكا إلى مبتغاه هو من خلال استعادة قرار الثورة، وإسقاط قيادة النظام التركي السياسية للثورة، والالتفاف حول قيادة سياسية جديدة مخلصة واعية تحمل مشروعاً سياسياً منبثقاً من صلب عقيدتنا الإسلامية، مشروع الإسلام العظيم؛ الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ولتحقيق ذلك لا بد من تكتل المخلصين من ثوار ومجاهدين ووجهاء وشيوخ عشائر، في القرى والبلدات، والقيام بكل الأعمال السياسية والعسكرية التي تقلب السحر على الساحر وتعيد الثورة إلى مسارها الصحيح.
بقلم: الأستاذ أحمد عبد الجواد
رأيك في الموضوع