في يوم الأربعاء ٩/11/2022م، أعلن المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في شرق السودان بياناً احتوى على سبع نقاط، منها: "سابعاً: ولأن الحقوق تنتزع ولأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، رفضا لمماطلة الخرطوم في تنفيذ مطالب شعبنا وإصرارها على إقصاء شعبنا وعملا بالحق المكفول لكل شعوب العالم في تقرير المصير فإن المجلس الأعلى للبجا - الأمانة السياسية تعلن أن مجلس البجا هو السلطة السيادية المعترف بها لدى شعب الإقليم، والمفوضة رسميا من هذا الشعب في عقد اجتماعي مشهود في سنكات، ونعلن أن الهيئة العليا للمجلس هي البرلمان التشريعي العرفي للإقليم وأن اللجنة السيادية لتقرير المصير بلجانها المتخصصة هي الحكومة الوزارية التنفيذية المؤقتة للإقليم، وأن الملكية العرفية للأرض هي أساس ملكية الأرض في الإقليم إلى حين قيام سلطة تداولية دائمة، عليه نعلن عدم اعترافنا بحكومة الخرطوم، ولا بأي سلطة أو مؤسسة أو إدارة مركزية أخرى تضع يدها على مواردنا وثرواتنا وحرياتنا الطبيعية، قبل التوصل إلى اتفاق بين سلطة الإقليم وحكومة السودان".
هذا البيان الذي أحدث ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية، وعلى وسائل التواصل بين مؤيد لفكرة ما يسمى حق تقرير المصير والانفصال، وبين رافض لها ليصرح بعدها الرئيس السابق لمجلس البجا الناظر ترك ويقول إن هذا البيان لا يمثلهم، ما جعل الناس يتساءلون حول مدى انقسام قادة مجلس البجا حول فكرة حق تقرير المصير. لذلك أجرت صحيفة السوداني حوارا بتاريخ 13/11/2022، مع عبد الله أوبشار مقرر المجلس الأعلى لنظارات البجا، جاء فيه: "أكد أن حق تقرير المصير لشرق السودان لا يمكن التنازل عنه إطلاقا وقال إن أمانات المجلس أعلنت هذا الأمر لأنه أحد مقررات مؤتمر سنكات، ولا يعبر عن أقلية كما يدعي الرئيس السابق للمجلس الناظر محمد الأمين ترك، وقال أنا قرأت مقررات مؤتمر سنكات وكان ترك بجانبي ولم يرفض هذا الأمر" ما يدل على أنهم متفقون على المناداة بما يسمى حق تقرير المصير لكنهم يختلفون إما في التوقيت أو من باب توزيع الأدوار، ليكون بالونة اختبار للرأي العام، وهذا ما يفسره ما صرح به ترك نفسه قبل أشهر حين قال: "سنعلن حق تقرير مصير شرق السودان في حال عدم تنفيذ مخرجات مؤتمر سنكات" (الانتباهة 31/07/2022).
إذاً قادة مجلس البجا على اختلافاتهم متفقون على فكرة تقرير المصير، ليس هذا فحسب بل الحكومة أيضاً تشترك معهم في إقرار هذا الحق المزعوم، وليس أدل على ذلك من حضور حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة لمؤتمر سنكات في تشرين الأول/أكتوبر 2020 الذي يعتبرونه مرجعية الآن كونه تضمن المناداة بحق تقرير المصير لشرق السودان، وكذلك صمت الدولة عن كل من ينادي بهذه الفكرة جهارا نهارا، ما يدل على تواطؤ الحكومة وهذه الزعامات على تمزيق البلاد.
وفي السياق نفسه، نادى متحدثون في تظاهرة أبناء جبال النوبة للقصر الجمهوري باللجوء لحق تقرير المصير إذا لم تقم الدولة بحمايتهم مما يحدث من قتل في مناطق لقاوة وغيرها بجنوب كردفان. أما قادة الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان (الحركة الشعبية شمال) فمنذ وقت بعيد ظلوا ينادون بحق تقرير المصير.
لذلك فالخطة الأمريكية الرامية لتمزيق ما تبقى من السودان تسير أسوة بما فعلته بفصل جنوب السودان عن طريق عملائها في حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية، عن طريق تضمين حق تقرير المصير في اتفاقية نيفاشا في العام 2005 التي فصلت جنوب السودان في 2011 لتنشئ أمريكا دولة فاشلة في الجنوب، وتسعى الآن لإنشاء المزيد من الدول في السودان كما صرح بذلك الرئيس المخلوع عمر البشير في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 في روسيا حين قال: "إن أمريكا تريد تمزيق السودان إلى خمس دول وإن جنوب السودان انفصل تحت الضغط والتآمر الأمريكي".
والخطة الأمريكية باقية وتسير على قدم وساق مع تغيير في وجوه بعض الأدوات المستخدمة في تنفيذ هذه الجريمة الكبرى، فأصبحت الأدوات الجديدة هي زعماء بعض العشائر وحركات مسلحة وحكومة عميلة تسير على خطا الحكومة السابقة، بل أكثر وقاحة وبسرعة، لذلك كانت اتفاقية جوبا للسلام في 2020 تؤسس لمثل هذه الأفكار الشيطانية حيث جعلوا خمسة مسارات في حكم ذاتي لهذه المناطق لتكون الخطوة قبل الأخيرة للتمزيق.
إن فكرة حق تقرير المصير ينادي بها العملاء تحت غطاء التهميش والظلم للمناطق المختلفة وهي كلمة حق أريد بها باطل، إذ الحقيقة هي أن النظام الرأسمالي الذي يحكم السودان هو نظام ظالم مدمر للبلاد ومفقر للعباد، لذلك وقع الظلم على الجميع مع بعض التفاوت في درجاته بين المدن والأرياف من حيث وجود بعض الخدمات لا من حيث تمكين الناس من الانتفاع بها.
والحقيقة هي أن الظلم يعالج بالعدل وليس بتمزيق البلاد، وأن العدل يحتاج إلى نظام قائم على مبدأ صحيح، وهذا لا يكون إلا بتطبيق الإسلام مكان النظام العلماني الذي يحكم السودان منذ دخول المستعمر الإنجليزي وحتى اليوم على اختلاف الحكومات مدنية كانت أو عسكرية. لذلك فلو أن هذه الزعامات والحركات المسلحة التي تنادي بحق تقرير المصير كان عندها تصور لنظام حكم يعدل بين الناس من الإسلام فلتطرحه الآن ليعالج مشاكل أهل البلاد، وإلا فبماذا ستحكمون حتى لو فصلتم هذا الإقليم أو ذاك؟ وجنوب السودان خير مثال لدولة فاشلة نادى مؤسسوها بالانفصال بحجة الظلم فأصبح الظالم من أهل الجنوب بدل أن كان من أهل الشمال لأنهم عملاء يحكمون بالنظام العلماني نفسه الذي دمر البلاد.
إن الكافر المستعمر تغيظه وحدة المسلمين وقوتهم فيسعى دائماً لتفريقهم وإضعافهم كيف لا وبريطانيا قد هدمت الخلافة التي كانت توحد المسلمين وتقاسمت مع فرنسا بلادهم وفق اتفاقية سايكس بيكو إلى أكثر من خمسين دويلة هزيلة يحكمها عملاء يأتمرون بأمر هؤلاء المستعمرين. والآن أمريكا تسعى لتمزيق ما تبقى من هذه الدويلات على أسس عرقية أو طائفية كما هو الحال في العراق وليبيا واليمن، وها هي تسعى لتمزيق ما تبقى من السودان على أسس عرقية وجهوية.
يا أهل السودان، ليس هناك حل لكل قضايانا إلا بتطبيق الإسلام كاملا كما أنزل على محمد ﷺ، فحكم به وحكم به خلفاؤه الراشدون من بعده، وسارت عليه الأمة قرونا، فساد العدل بهذا الإسلام، فلا مكان فيه لظلم في أي منطقة داخل الدولة الإسلامية ليكون ذريعة لحمل السلاح، والتمويل الخارجي تحت دعاوى التهميش، ويكون الإسلام مانعاً لطغيان روابط الجاهلية من قبلية وجهوية ووطنية، فينصهر الناس في بوتقة الإسلام كما انصهر من قبل بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وأبو بكر العربي رضي الله عنهم أجمعين، فأصبحوا إخوانا بهذا الدين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وحينها يُقطَع دابر العنصرية، وتحمى الأمة، وتمنع عدوها من التدخل في شؤونها، بل تعاقب كل من تسول له نفسه التعدي على وحدة البلاد، حيث حرم الإسلام ذلك وجعل عقوبته القتل إن لم يتراجع، قال ﷺ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ»، حينها يعود العدل والوحدة والتآلف لأهل السودان، وكل بلاد المسلمين ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.
رأيك في الموضوع