تعيش ثورة الشام أياماً عصيبة يشتد فيها التآمر عليها، وتتوالى عليها الطعنات من كل حدب وصوب، ويكثر الحديث عن خارطة طريق تضمن الخروج من عنق الزجاجة، والكثير يتلمس طريق النصر.
وبالنظر إلى واقع الاصطفافات نجد أن الصادقين من أهل الثورة وجدوا أنفسهم في صف متمايز يفصلهم عن صفٍّ تزاحم فيه المرتبطون بالنظام التركي، سواء ممن ادعى تمثيل الثورة كالائتلاف ورجالاته، أو من حكومات الأمر الواقع، أو قادات لفصائل لم تعد تملك أي قرار.
هذا الاصطفاف جاء بعد سنوات من التمحيص والغربلة، وسنوات من خداع المنافقين الذين رهنوا أمرهم لأسيادهم الداعمين، إلا أنها كانت سنوات دُفعت فيها فاتورة ضخمة من الدماء والتضحيات، دُفعت هذه الفاتورة مقابل أهداف عظيمة، وغايات جليلة، دُفعت مقابل السعي الحثيث لإسقاط أعتى الأنظمة وأكثرها إجراماً.
ويعتبر هذا التمايز في الصفوف بداية خير يُبنى عليها، وتؤسِّس لما بعدها، فإن اصطفاف أهل الثورة بعيدا عمّن تاجر بها وبتضحياتها، يجعل الواجب اليوم يتمثل في ترتيب هذا الصف، ترتيباً يحفظ التضحيات الجسام، ويسير بالثورة نحو بر الأمان والنصر.
والحديث عن ترتيب هذا الصف المتميز سيحدد مصير الثورة، فإن التنصل من المسؤولية والهروب من التكليف سيجعل مصير الثورة بيد من تسنّم قيادتها وأخذ بها إلى مستنقع الخيانة والارتباط بأنظمة وظيفية تسعى للتآمر على ثورة الشام والقضاء عليها؛ وعليه فإنه لا بدّ لأهل ثورة الشام أن يأخذوا دورهم ويقوموا بما أوجبه الله عليهم، فعلى موقفهم يتحدد مصير ثورتهم.
وحتى يقوموا بدورهم فإن عليهم أن يقضوا على اليأس الذي يحاول المتآمرون زرعه في نفوسهم ويؤمنوا بما آتاهم الله من إمكانيات وطاقات فيعملوا بها كل في مجاله، فمن أوتي رأياً فليسخره لخدمة قضية الثورة، ومن أوتي قدرة على جمع الناس والتأثير عليهم فعليه أن يقوم بحشد الناس حول المشروع الجامع لمكونات الثورة، ومن أوتي قوة عسكرية فالواجب عليه أن يجعل هذه القوة للدفاع عن الثورة وثوابتها والمشروع الذي يجمع مكوناتها.
إن الثورة اليوم في لحظة مفصلية مصيرية، وعلى أبنائها بما آتاهم الله من إمكانيات أن يتخذوا المواقف الصادقة التي ترضي الله عز وجل، فهم على مفترق طرق؛ فإما أن يأخذوا دورهم ويبذلوا جهدهم في توحيد الطاقات والإمكانات للوقوف في وجه من سرق سلطانهم وتسلط على ثورتهم ويريد أن يقودهم إلى حتفهم الذي يسمى زوراً "المصالحة" وهو عينه "الحل السياسي" الذي تؤسس له خطوات تطبيق القرار ٢٢٥٤، وإما أن يأخذوا دور العاجز المتفرج ويراقبوا كيف يسوقهم تجار الدماء إلى الهلاك!
ولا بد أن يُعلم أن الصراع بين الحق والباطل قائم لا محالة، وإن تخلى أصحاب الحق عنه، فحتماً سيأتي غيرهم لينال شرف هذه المهمة، فهذا رسول الله ﷺ يصف لنا واقع الصراع ويبين لنا طريق النجاة، فيقول: «مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقاً ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعاً».
فها هم المتآمرون والمتاجرون قد أمعنوا في خرق ما يدّعون أنه نصيبهم من ثورتنا، فإن لم يدرك من هم في الأعلى واجبهم في الأخذ على أيديهم ومنعهم، فإن الهلاك محتمٌ على الجميع، وفي المقابل فإن النجاة تكمن في أن يأخذ أهل الثورة وأولياء الدم وأصحاب القضية دورهم في منع المتاجرة بالدماء ومنع سوق ثورة الشام وتضحياتها إلى حبل المشنقة.
ولتحقيق هذا المنع لا بد بعد الوعي على تمايز الصفوف، البدء عملياً بترتيب صف الصادقين من أهل الشام وتنقيتهم من كل من له ارتباط بالمتآمرين، بل ومن كل مخدوع ما زال لا يميز بين الحق والباطل، ولا يعرف عدوه من صديقه، وهذا الترتيب لا بد له من اجتماع المخلصين الواعين، وجمع ما آتاهم الله من إمكانيات وجهود، وتسخيرها بما يرضي الله بتحقيق ما افترضه الله من إسقاط النظام وتحكيم الإسلام، ولن يكون ذلك إلا بالاعتصام بحبل الله والالتفاف حول مشروع الإسلام العظيم.
ولا بُد أن يُعلم أن تكلفة السعي لاستعادة القرار ومواجهة الباطل ومدافعته، هي أقل بكثير من تكلفة السكوت والانتظار وتأخير استعادة القرار، فقد قال ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ».
رأيك في الموضوع