أصبحت الكهرباء تدخل في كل مجالات الحياة، فالدول تبذل قصارى جهدها لتوفير الطاقة لرعاياها. وقد أدخلت شبكات الكهرباء في السودان منذ زمن المستعمر، وكانت تسمى شركة النور، وبعد خروج المستعمر تحولت إلى الإدارة المركزية للكهرباء والمياه، ثم خرج قانون عام 1983م بإلغاء الإدارة المركزية، وفصلت الهيئة القومية للكهرباء، وقد سارت الهيئة القومية للكهرباء منذ تأسيسها في ١٩٨٣م في غير تغيير كبير عن الإدارة المركزية، وكان ذلك بإيعاز من صندوق النقد الدولي بحجة تطوير المرفق وتنميته، حيث قيل إن القوانين واللوائح في الهيئات أكثر مرونة من الإدارات الحكومية في التوظيف والمرتبات والهياكل والتسعير للكهرباء. وكان ذلك إبان حكم جعفر النميري، وعندما جاءت حكومة الإنقاذ تم التغيير الهائل في الاتجاه بالهيئة نحو القطاع الخاص حيث سُرّح آلاف العاملين بحجة الصالح العام وألغيت جميع الأعمال المساعدة من مرائب وورش وخفراء وجناينية، كما قُلصت أقسام الصيانة، واستعيض عنها بشركات يتم التعاقد معها على هذه الأعمال وحصل تغيير كبير في وظائف الهيئة، والتخلص من كل الإدارات المساعدة، حيث فُصل 14 ألف عامل في يوم واحد، وكانت الحُجة هي أن تتفرغ الهيئة لعمل الكهرباء، فكانت النتيجة عكسية، وصارت إدارات الهيئة هشة، قال المهندس عوض مكاوي المدير السابق للكهرباء في خطابه يوم تكريمه عام 2009م، وهو يخاطب نقابة الكهرباء: "هذه النقابة التي التقينا بها، وهذا العمل الكبير الذي تواثقنا عليه بأن تضيء الهيئة 60% من السودان، وعليها أن تضحي بـ13 ألف عامل".
فمن الواضح أن سوء الخدمة، وتردي العمل في قطاع الكهرباء، كان مقصوداً، وتطبيقاً لتوجيهات صندوق النقد الدولي، التي أساسها أن ترفع الدولة يدها عن الخدمات، وتخفض العمالة.
إن الطاقة التشغيلية تعادل حوالي 2883.5 ميغاوات، منها التوليد المائي فإن خزان الروصيرص يولد 280 ميغاوات، وسد مروي السعة التركيبية 1250 ميغاوات، والستيت 320 ميغاوات، ولا يعمل إلا الذروة فقط، لعلو التوربينات، وخشم القربة أسس للري، 18,5 ميغاوات، وسنار 15 ميغاوات، والتوليد الحراري بحري مصممة لــ380 ميغاوات، تحصل حتى 120 ميغاوات، وقري (1، 2، 4) تصل جميعها 150 ميغاوات، وأم دباكر 500 ميغاوات، بالإضافة إلى التوليد الخاص، وتم الاتفاق مع شركة تركية في البحر الأحمر 150 ميغاوات، الخط الرابط بين السودان وإثيوبيا 100 ميغاوات، وبين السودان ومصر 80 ميغاوات، فلو جمع كل ذلك لا يكفي الحاجة العامة للكهرباء البالغة تقريبا 4000 ميغاوات. قال المهندس عبد الرازق أحمد يوسف نائب مدير شركة التوزيع في لقاء سابق في صحيفة الصيحة "إن السودان يحتاج بين 4700 إلى 5000 ميغاوات". وقال "إن الموجود اليوم يغطي 45% من الحاجة"، وقال: "يصل العجز أحيانا إلى 60%"، كما أن هناك مدناً خارج الشبكة مثل مدن دارفور وكردفان فإن لها محطات معزولة عن الشبكة القومية. وقد تعاقدوا مع شركات تركية لتوصيل الكهرباء، نيالا، والفاشر، والضعين، والجنينة، وفي كردفان؛ النهود، وكادقلي.
توفر الشركة التركية أكثر من 70% من حاجة المدن للكهرباء، يباع الكيلوواط للشركة السودانية للتوليد الحراري بمبلغ 5 ونصف سنت، والوقود على الشركة أعلى من المعدل العالمي للكيلوواط، البالغ 0.4 سنت كأعلى سعر ما يجعل الشركة تسترد ثمن ماكيناتها في شهر واحد، يقول المهندس عبد الرزاق "إن مصر تنتج 30 ألف ميغاوات، والسعودية 50 ألف ميغاوات"، وقال "إذا حسبنا حاجة الفرد للكهرباء يوميا حسب التقييم العالمي فهي 2 كيلوواط في الساعة × 30 مليون نسمة يعني أن السودان يحتاج إلى 60 ألف ميغاوات لتكفي حاجات كل فرد حيث إن 15% فقط من أهل السودان هم من تصل إليهم الكهرباء".
إن أسباب أزمة الكهرباء في السودان تتمثل في:
1- تهالك المحطات الموجودة حالياً وعدم صيانتها وعدم اتباع إجراءات التشغيل الصحيح.
2- الفاقد الكبير في خطوط النقل، فالفاقد الآن ربع الطاقة المنتجة عالمياً، والفاقد المسموح به في الشبكة 10% فقط.
3- التوسع الكبير في السكان.
4- زيادة الاستهلاك في المشاريع الزراعية.
5- النقص الكبير في التمويل.
6- والسبب الأساس عدم توفر مواعين كافية لتوليد الكهرباء، مع عدم وجود العمالة، والاعتماد على الشركات.
ويكمن الحل في:
1- المحافظة على المحطات الموجودة وزيادة كفايتها.
2- عمل شبكات صغيرة للمناطق البعيدة لأن الشبكات الصغيرة يكون التحكم فيها أكبر.
3- إنشاء محطات ضخمة.
4- تحديث شبكات لتقليل الفاقد.
5- الاعتماد على الطاقات المتجددة.
إن السودان يتمتع بنحو 6 ألف ساعة مشعة يمكن إنتاج 30 ألف ميغاوات، من الطاقة الحرارية الأرضية (الجيوسيرمَل)، حيث يمكن توليد الكهرباء بطاقة البخار عن طريق حفر البئر وإدخال أنبوبة فيخرج البخار الذي يتم توليد الكهرباء منه، فهي متوفرة ورخيصة إلى حد كبير، وكذا الطاقة الشمسية.
6- تطبيق نظام الإدارة اللامركزية.
7- وأهم هذه المعالجات ترك سياسات صندوق النقد الدولي فهي التي أقعدت دائرة الكهرباء، ومن ثم التفكير في حل مشكلة الكهرباء، بعيداً عن إملاءات صندوق النقد الدولي الكارثية.
إن الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالانتفاع بالعين، وقد حصرها الإسلام في حديث النبي ﷺ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» وزاد أبو داود: «وَثَمَنُهُ حَرَامٌ»، فالكهرباء تحل محل النار عند العرب، فهي مصدر الطاقة، والإنارة، بالإضافة إلى أنها تستخرج من موارد الملكية العامة؛ من مياه، ووقود، ومن الشمس، والرياح وغيرها، فلا يجوز تمليك الكهرباء لشركات خاصة، فإن توزيع الكهرباء هو مسؤولية الدولة، والأصل أن لا تتعامل الدولة مع رعاياها تعامل الشركات بحساب الربح والخسارة، بل يجب أن تتولى هي إدارة مرافق الملكية العامة، لأنها مصالح للجماعة بوصفها الراعي لها، ويمكن الاستفادة من الشركات بأجر معلوم وليس شريكاً لأن الشركة تحوّل نوع الملكية، ويمكن إجارة الشركات للقيام بعمل معين، وتظل الملكية العامة ملكاً للناس تباشرها الدولة نيابة عنهم، فلا يجوز إشراك كائن من كان في الملكية العامة، بدليل حديث أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ فَقَطَعَهُ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ: (فَانْتَزَعَ مِنْهُ).
لقد قامت دولة الخلافة في عهد العباسيين بإسراج الطرق والمرافق العامة، وإنارتها بزيت الزيتون، وما يؤكده هذا النص البالغ الدلالة الذي يرويه الثقات، ويصور اتساع إشعاع إنارة مدينة قرطبة أيام كانت عاصمة للدولة الإسلامية بالأندلس؛ فقد قال المؤرخ عبد الواحد المراكشي (ت 647هـ/1249م) في المعْجِب في تلخيص أخبار المغرب: "وسمعتُ ببلاد الأندلس من غير واحد من مشايخها أن الماشي كان يستضيء بسُرُوج قرطبة ثلاثة فراسخ (15كم تقريبا) لا ينقطع عنه الضوء"، وعليه فلا حل جذري إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تقوم على مبدأ الإسلام العظيم.
بقلم: المهندس عوض أحمد الهادي – ولاية السودان
رأيك في الموضوع