دخل الآلاف من أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يوم الأربعاء الموافق 27/7/2022 المنطقة الخضراء شديدة التحصين وسط بغداد مرددين هتافات مؤيدة للصدر ومناهضة لقوى الإطار التنسيقي المدعوم من إيران، بعدها دعا الصدر أنصاره إلى الانسحاب قائلا لهم عبر تغريدته "وصلت رسالتكم أيها الأحبة، فقد أرعبتم الفاسدين، صلوا ركعتين وعودوا إلى منازلكم سالمين"، ثم أعاد الكرة السبت الموافق 30/7 بعد إصرار الطرف الثاني على المضي قدما في تشكيل الحكومة وترشيح محمد شياع السوداني، متجاهلين في ذلك دعوى الصدر في رفضه له رفضا قاطعا.
والمتتبع لمجريات الأحداث الحالية والتصرفات الصدرية تجاه الآخرين من رؤساء الكتل والأحزاب الأخرى وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أمين عام حزب الدعوة وقائد عملية صولة الفرسان إبان حكمه، تلك العملية التي كانت على وشك إنهاء دور مقتدى الصدر، والقضاء كلياً على سراياه لولا التدخلات الخارجية التي لا يُرد لها طلب...
إن ما يجري لم يكن أحد من قادة الصراع والتهافت والتكالب على المصالح الشخصية، يتصرف ويعمل ويخطط أو يصرح أو حتى يتلفظ ببنت شفة دون أوامر الأسياد من خارج البلاد، ودون إرادة المحتل الأمريكي، فنتائج الانتخابات، وقرار المحكمة الاتحادية بالثلث المعطل، وانسحاب الصدر، وكل هذه الفوضى الحاصلة ليست بعيدة عن تخطيط وإملاءات أمريكا واللاعبين معها، فأحيانا تتفق مصالحهم وأحيانا تختلف، أما الرموز والعناوين العراقية فما هي إلا أدوات تنفذ ما يخطط لها، والطامة الكبرى عندما يكون السيد واحداً تراجعه الرموز ذاتها في أوقات ومواعيد متفاوتة لتحقيق مصالحها الشخصية، فتجرى عليهم الإملاءات المطلوب تنفيذها بدقة متناهية من أجل تحقيق شعار "فرق تسد" القديم، ولا يهم هذا السيد الأجنبي ما يحدث في البلد من دمار وخراب وسفك للدماء، فالمهم عنده هو تحقيق مصالحه.
وسابقا كان اللاعب الأساسي في هذه اللعبة القذرة هو أمريكا ومن يدور في فلكها، واليوم نلاحظ تحرك رجالات ذات ولاءات بريطانية، لتشارك في المشهد العراقي ولكن ليس رغما عن أمريكا بل بضوء أخضر منها، وهذا ينبغي إعداد الخطط المناسبة له، ووضع سيناريو جديد، وتوزيع الأدوار على المنفذين من قاصري العقول، عبيد الأجنبي الكافر الذي جعلهم هذه الأيام سكارى وما هم بسكارى، لا يدرون على من سيقع الاختيار النهائي في إدارة مصالح السيد الأمريكي والسيد الإنجليزي في البلد وبإشراف من المرجع الإيراني الذي بات واضحا من زيارة قااني قائد فيلق القدس الإيراني وإملاءاته على الإطار ودعوته لضبط النفس، متناغما مع دعوة أمريكا وبريطانيا.
وكما قلنا إن ما قام به مقتدى الصدر من إدخال رجاله إلى المنطقة الخضراء، أحصن وأحكم منطقة في العراق وقاعة البرلمان، وموقف الحكومة والقوات الأمنية تجاه هذا الحدث، هو بإيعاز مدعوم وبتخطيط دقيق من السادة المذكورين آنفا، دون الالتفات إلى ما لا يحمد عقباه، وانعكاساته على الشعب المغلوب على أمره، وإن ما قاله الصدر لرجاله "وصلت رسالتكم أيها الأحبة، فقد أرعبتم الفاسدين"، وإعادة الكرة مرة ثانية بعد ثلاثة أيام، رسالة واضحة لخصومه، الذين باتوا يتخبطون في مواقفهم، فقد دعا المالكي أتباعه لمظاهرات مضادة، وحمل المسؤولية للدولة التي لم تتخذ إجراءات للمحافظة على قدسية البرلمان ومجلس القضاء كما زعم، وتنصل هادي العامري من هذه الدعوة وصرح فيما نقلته الشفق نيوز "إن الدعوة إلى التظاهرات كانت من جهة واحدة وليست من جميع كتل الإطار"، ثم تراجع الجميع ومنهم المالكي ودعا هو وهادي العامري وعمار الحكيم وقيس الخزعلي، إلى الحوار بين الإطار والتيار، وضبط النفس، لإنقاذ البلد، وإبعاده عن إراقة الدماء، كما دعوا المرجعية للتدخل وضبط تصرفات مقتدى الصدر. وفي وجه هذا التناقض في المواقف يبدو موعد تشكيل حكومة جديدة في العراق في حكم المجهول.
أما اللاعب الأساسي وهو المحتل الأمريكي، الذي يمسك بيد حاوية الوقود وباليد الأخرى حاوية الماء، فيصرح قائلا "أمريكا توجه بضبط النفس بالتظاهرات، والتنسيق المستمر مع السفارة الأمريكية، وأنها لا تتدخل بتشكيل الحكومة وإنما تريد عراقا قويا مستقرا"! وهذا محض كذب وافتراء وضحك على الذقون والعمائم، وإلا كيف يمر أكثر من تسعة أشهر على الانتخابات والبلد في فراغ سياسي، والكتل السياسية بين جذب وشد، والشعب غارق في معاناته؟! فإقرار الموازنة متوقف، وشؤون العراق تدار دون موازنة لهذا العام، فقد توقف الإنفاق على مشروعات البنى الأساسية وتعطلت الإصلاحات الاقتصادية وتراجعت الخدمات وقلّت الوظائف بالرغم من العائدات النفطية القياسية بسبب ارتفاع أسعار الخام في السوق العالمية، وكل هذا يصب في مصلحة المحتل الأمريكي المجرم الذي يستحوذ على ثروات البلد، ومع ذلك يصرح متبجحا أنه يريد عراقا قويا مستقرا، فهل هكذا واقع وهكذا فوضى تُنتج قوة واستقرارا؟!
أيها المسلمون: ما أسلفناه هو نموذج حي لمصاب الأمة بعدما ابتعدت عن منهج ربها، فلم يحصل ذلك عندما كان المسلمون متمسكين بدينهم، ولم يتجرأ عليهم أحد من الأعداء، بل كانوا سادة الدنيا بحضارتهم، وكانت جيوش الفتح تصول في بقاع الأرض لإنقاذ البشرية من الذل والقهر والظلام وعبادة العباد، إلى العز والأمان وعبادة رب العباد، فهذه الأمة العظيمة بعقيدتها وحضارتها لا ينبغي لها أن تكون في ذيل الأمم، تستجدي أعداءها الحلول لمشاكلها، لا ينبغي لها الخنوع يقرر مصيرها أعداؤها، لا ينبغي لها ذلك وقد رفعها الله، وجعلها خير الأمم بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وإيمانها بالله، فليست هناك اليوم أمة تستطيع إنقاذ البشرية من إجرام وفساد الرأسمالية إلا أمة الإسلام، وصلاح حال المسلمين لا يكون إلا بالانعتاق من التبعية للغرب الكافر، وتحكيم شرع الله، في دولة عزيزة، وإمام عادل جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فيتحقق وعد الله سبحانه بالنصر والتمكين، وبشارة رسوله ﷺ بخلافة راشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ أحمد الطائي – ولاية العراق
رأيك في الموضوع