منذ 18 كانون الأول/ديسمبر 2018 إلى يومنا هذا مرت على الثورة في السودان التي قادها الشباب ثلاث سنوات عجاف، هذه الثورة الشبابية التي تطالب بإسقاط النظام رفضا لسياسات حكومة الإنقاذ؛ من مثل رفع الدعم عن الوقود والمحروقات وزيادة سعر الدولار الجمركي بنسبة 300% أي من 6.9 إلى 18 جنيها للدولار تنفيذا لإملاءات صندوق النقد الدولي التي تسببت في غلاء الأسعار وصعوبة المواصلات فكانت المطالب في حدود رفع الظلم وتوفير حياة كريمة.
فقد ضحى الشباب الثائر في السودان تضحيات جسام في سبيل نيل تلك الحقوق. ففي فض الاعتصام وحده قتل نحو 66 شابا وأصيب المئات منهم. وأكثر من ذلك فمنذ سقوط البشير عام 2019 ظل الحراك متواصلا إلى يومنا هذا.
وهذا الحراك المستمر يدل على معدن الشباب ومدى قدرته على التحمل لتحقيق مطالبه وخاصة بعد انقلاب البرهان في 25 تشرين الأول/أكتوبر ازداد غليان الشارع ففي 30 يونيو 2022 أدهش الشباب الجميع وذلك باختراق جسر الخرطوم بحري الذي كان مغلقا تماما بالحاويات استطاع الشباب أن يزيح الحاوية ويعبر الجسر محاولا الوصول إلى القصر الجمهوري وعندما داهمتهم القوات الأمنية وسط الجسر قفز أحد الشباب في البحر ومنهم من نزل على الأرض مستخدمين حبال تسلق ومنهم من سقط على الأرض فأصيب بالكسور والجروح. وتلتها اعتصامات في مستشفى الجودة وأم درمان وبحري بل الأغرب من ذلك هو مواجهة الشباب للقوات النظامية التي تطلق عليهم البمبان والأسلحة النارية وهم بصدور عارية.
ولكن يبقى السؤال لمصلحة من هذه التضحيات؟!
في 25 كانون الأول/ديسمبر قام تجمع المهنيين بالتحالف مع القوى الحزبية التي عرفت بقوى الحرية والتغيير بإصدار وثيقة عبارة عن مطالب وساق الشباب لتحقيقها منها إزالة الحكم الشمولي وإيجاد حكم تعددي يقوم على أساس الديمقراطية. ووضع شعار الثورة (حرية - سلام - وعدالة) فأصبح تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير (قحت) حاضنة سياسية للثورة وتحويل جهود الشباب للمطالبة بالدولة المدنية. وتغني الشباب بالمدنية ولا يعرف معناها بل جعلها مقابل العسكرية. في حين أن الدولة المدنية هي الدولة اللادينية التي تفصل الدين عن الحياة، مع أن العسكرية هي الأخرى تفصل الدين عن الحياة فكلاهما وجهان لعملة واحدة هو النظام الديمقراطي العلماني إذن من ناحية فكرية فإن تضحيات الشباب تخدم مصلحة المشروع الغربي.
ومن ناحية سياسية نجد أن قطبي الاستعمار أمريكا وبريطانيا كان لهما تأثير واضح على تحويل مسار ثورة الشباب خدمة لمصالحهما. نجد أن أمريكا رمت بكل ثقلها في السودان عبر مبعوثيها حتى لا تخرج الأوضاع من يدها فهي ظلت طوال الثلاث سنوات ترسل مبعوثا تلو المبعوث حتى تحكم قبضتها مستخدمة عملاءها من المكون العسكري. بينما نجد بريطانيا هي الأخرى تنافس أمريكا استعمار السودان مستخدمة أدواتها من الأحزاب السياسية التي أشرفت على إنشائها والتي تشكل قوى الحرية والتغيير فقد نشر سفير بريطانيا مقطعا من أمام الميادين الكبيرة بالخرطوم مطالبا الثوار بالنزول إلى الميادين للوصول إلى حكومة مدنية تواليه وتخدم مصالحه عقب انقلاب البرهان.
أما الأحزاب المتهافتة على السلطة من قوى الحرية والتغيير فهي عبارة عن أدوات تستخدمها الدول الاستعمارية لخدمة مشاريعهم الفكرية والاقتصادية مقابل منصب وزاري، ولا يهمها أمر الشباب الذين ضحوا بأرواحهم في هذه الثورة وليس أدل من سيرها في نفس نهج النظام البائد في تنفيذ أوامر صندوق النقد والبنك الدوليين إذ قامت بالتحرير الكامل للسلع والخدمات وخاصة الخبز والمحروقات البترولية فازدادت تعرفة المواصلات مما انعكس سلبا على غلاء الأسعار فتحولت حياة الناس في السودان إلى جحيم لا يطاق. أضف إلى ذلك المجاهرة بعدائهم السافر للإسلام ورفض كل عمل فيه دعوة للإسلام حتى أدرك الشباب أن قوى الحرية والتغيير سرقت ثورتهم وضيعت جهودهم فرفضوا قيادتها ولاذوا بما يسمى بلجان المقاومة.
إذن من خلال الواقع نجد أن تضحيات الشباب في السودان تصب في مصلحة المشروع الغربي (الدولة المدنية العلمانية) ومشاريعهم الاستعمارية وفي مصلحة أدواتهم المحليين من المكونين المدني والعسكري، ولم يحقق الشباب مطالبهم في هذا الحراك. فالذي يحصن تضحيات الشباب عاملان أساسيان:
أولا: الوعي وذلك يكون بالتمسك بمبدئهم الذي آمنوا به وهو الإسلام العظيم الذي تطبقه دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهو مشروع قادر على تحقيق مطالبهم بعيدا عن المجتمع الدولي وعملائه في الداخل وقبل ذلك فهو فرض على المسلمين أن يحكموا بالإسلام كما قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾.
ثانيا: قيادة سياسية واعية غير مرتبطة بالغرب وتستند إلى مبدأ الأمة الإسلامية نفسها وهو الإسلام ولها مشروع مفصل واضح للحكم حتى تحقق الثورة مبتغاها اقتداء برسول الله ﷺ قائد الركب إذ أعد رجالا كلهم من جيل الشباب وثقفهم ثقافة مركزة في دار الأرقم بن أبي الأرقم مكونا منهم اللبنة الأولى في التغيير وهو موضوع الوعي. وقادهم للتغيير الحقيقي فأوجد نظاما سياسيا مبنيا على الوحي عرف من بعده بنظام (الخلافة) فغير حال الشباب في جزيرة العرب بعد أن كانوا رعاة للإبل والغنم أصبحوا سادة وقادة للدول والأمم.
والذي يسير في هذا النهج جدير بقيادة الشباب، فحزب التحرير كذلك هو الذي يملك مشروع دستور مفصل من الكتاب والسنة مكون من 191 مادة وكل أنظمة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
فلتكن مطالب الشباب هي الإسلام وحده وإقامة الخلافة الراشدة، ولتكن أيقونة الثورة (لا مدنية ولا عسكرية بل خلافة على منهاج النبوة).
بقلم: الأستاذ الفاتح عبد الله إسماعيل
رأيك في الموضوع