في الجزائر وفي الذكرى الستين لاستقلالها المزعوم عن المستعمر الفرنسي، تمّ تسجيل حلقة جديدة من حلقات مسلسل المصالحات الفلسطينية العبثية، فقد دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كلاً من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لحضور احتفالات الجزائر بذكرى استقلالها يوم الثلاثاء الموافق 05/07/2022، وحضر الاجتماع بالإضافة إلى عباس وهنية كل من ماجد فرج رئيس جهاز مخابرات السلطة الفلسطينية وزياد عمرو نائب رئيس وزراء السلطة ومحمود الهبّاش قاضي قضاة عباس، وحضر من طرف حركة حماس القيادي سامي أبو زهري.
ومنذ انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية عام 2007 قبل خمسة عشر عاما وحتى الآن عُقدت أكثر من عشرة لقاءات من المصالحات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس تراوحت ما بين إعلان واتفاقية وبيان وكُلّها ذهبت أدراج الرياح.
واحتضنت هذه اللقاءات عواصم عدة في المنطقة كالرياض وصنعاء والدوحة والقاهرة وإسطنبول، وفي كل مرة يتم الإعلان عن إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، ثمّ ما تلبث أنْ يتمّ نقضها والعودة إلى المربع الأول.
وكالعادة يخرج علينا الإعلام الكاذب بشعارات طنانة براقة رنانة توحي بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، فقد وصف الإعلام الجزائري اللقاء بين عباس وهنية بأنه تاريخي، وركز على الشكليات كالمصافحة، وعلى الألفاظ الروتينية كإنهاء الانقسام، لكن النتيجة دائماً ما تكون صفراً.
وكانت الجزائر قد حضّرت لهذا اللقاء قبل شهرين حيث استدعت في 21/05/2022 رؤساء التنظيمات الفلسطينية، ومهدت منذ ذلك التاريخ لهذا اللقاء العبثي الذي صور على أنه إنجاز تاريخي.
وتولى تبون رعاية هذه المصالحة العبثية وهو يدرك تماماً أنّها فاشلة، لكنه محتاج لها لتحسين صورته المهتزة أمام الجزائريين الذين فقدوا ثقتهم بنظامه المتعفن الذي أحبط ثورتهم، وأعاد إنتاج نظام بوتفليقة المهترئ.
لقد خرج علينا إسماعيل هنية بتصريح مجاملة بعد اللقاء بقوله إنّ الاجتماع كان أخوياً، مع أنّه يعلم جيداً أنّ المشاركين في الاجتماع إلى جانب محمود عباس هم من ألدّ خصوم حماس، فماجد فرج ينسق مع الاحتلال علانيةً ضد حماس، ومحمود الهباش لم يخفِ يوماً عداءه الشديد لحماس، واتخاذه تجاهها مواقف أكثر عدائية من دولة الاحتلال، فالاجتماع مع مثل هؤلاء الأعداء يتناقض بشكلٍ صارخ مع وصفه الاجتماع بالأخوي.
والحقيقة التي لا جدال ولا مراء فيها هي أنّ قادة أمريكا ودولة يهود هم من يقررون أمور المصالحة وإنهاء الانقسام وليس عباس ولا حماس، وأنّ أمريكا لم تقرر بعد اتخاذ قرار بهذا الشأن، فهي لا زالت تدير تصفية القضية الفلسطينية كإدارة للأزمة وليس حلاً للقضية.
وأمّا كيان يهود فهدفه تكريس الانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية إلى ما شاء الله، وإلقاء اللوم على الفلسطينيين في عدم التوصل إلى اتفاق سلام بحجة عدم التوافق بينهم والاستمرار في ابتلاع الأرض واستيطانها وتهويدها.
وأمّا أمريكا فما زالت تريد في النهاية حلاً أساسه فكرة الدولتين، لتسيطر على المنطقة بلا منازع، وإن كان واقع الاستيطان قد عقّد أمامها هذا الحل، وجعله بالغ الصعوبة، فاكتفت لهذا السبب بإدارة عملية السلام وليس الوصول إلى اتفاق سلام.
ومع أنّ أمريكا والغرب وكيان يهود قد ضغطوا على حماس لتقديم التنازلات، وأوهموها بإشراكها في الحل إنْ هي فعلت ذلك، لكنّ أولئك الكفار لم يكتفوا بما قدّمته حماس من تنازلات، وأرادوا منها تقديم المزيد، ولم يعطوها شيئاً مقابل تلك التنازلات.
ففي العام 2017 غيّرت حماس ميثاقها، واعتبرت نفسها حركة تحرر وطني، وليست حركة أيديولوجية إسلامية، ووافقت على التوافق مع فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى على إقامة دويلة فلسطينية مسخ في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن أمريكا ودولة يهود حتى هذه الدويلة ضنّا بها عليهم، ولم تقبلا الاعتراف بها، ولم ترفعاها حتى من قائمة الإرهاب.
على حماس أنْ تدرك هذه الألاعيب السياسية للكفار، وأنْ تعلم أنّ ما قدّمته من تنازلات لن يُفيدها بشيء، وما جنته من ذلك ليس بأكثر من أوهام، وأنّ طريق التحرير لا يمرّ قطعاً عبر التنازلات، ولا من الركون إلى الكفار، وإنما بالتزام أمر الله تعالى، والوقوف في صف الأمة وفسطاطها.
رأيك في الموضوع