لقد مرت الأمة الإسلامية عبر تاريخها بأزمات عديدة منها غزو المغول الذين دمروا عدداً من بلادها ومنها عاصمة الخلافة العباسية، وكذلك غزو الصليبيين للقدس أكثر من مرة، لكن هذه الحملات وإن كانت شديدة على الأمة إلا أنها تعافت منها وعادت إلى مجدها وإلى سيادة العالم؛ لأنها كانت تمر بفترات ضعف سياسية وعسكرية، إلا أنها تمر خلال القرنين الأخيرين بأزمة فكرية أودت بدولتها ومزقتها كل ممزق، وحالت دون إعادتها من جديد، لذلك سنلقي الضوء على أبرز الخطوات التي خطاها الغرب في القضاء على الدولة الإسلامية، ثم نذكر الحل لإنهاء هذه الأزمة الفكرية وبالتالي إعادة دولة المسلمين وعزتهم.
أولاً: مؤتمر وستفاليا عام 1648م والذي عُقد بين مفكري وسياسيي وباباوات أوروبا ليبحثوا كيفية وقف المد الإسلامي على أوروبا، والقضاء على دولته، فبعد مداولات مستفيضة توصلوا إلى أن المشكلة تكمن في وحدة المسلمين ودولتهم واللتين بنيتا على العقيدة الإسلامية فخرجوا بقرارات مهمة زمنوها بأربعمائة سنة ميلادية، ومن أهم هذه القرارات:
- توحيد صفوفهم ومحاولة حل خلافاتهم ليتفرغوا لمواجهة الإسلام ودولته.
- إرسال المستشرقين للانخراط بين رعايا الدولة الإسلامية واختراق قياداتها ومفكريها وعلمائها ودراسة الإسلام وتاريخه، ثم العمل على تفتيت دولته من الداخل. وتعد هذه أخطر خطوة اتخذها الغرب الكافر في حق المسلمين ودولتهم على مر التاريخ، حيث كانت المعول الأول في هدم دولة المسلمين، وبالتالي القضاء على عزة المسلمين وقوتهم.
ثانياً: مع قرب تحقيق بنود مؤتمر وستفاليا تم عقد مؤتمر كامبل عام 1907م الذي أقر وأوصى بالآتي:
- القضاء على دولة المسلمين.
- تفريق المسلمين إلى كنتونات صغيرة تسمى دولا.
- وضع نقاط نزاع مشتركة بين هذه الكنتونات لإثارة المشاكل والنزاعات بينها حسب الحاجة.
- أن لا يسمحوا للمسلمين بنهضة علمية وصناعية إلا نهضة محدودة.
- أن يُشرِفوا على تعيين حكام المسلمين، وأن يسعوا لنشر الفساد المالي والإداري والأخلاقي الممنهج بينهم. وقد تم تنفيذ تلك البنود والدليل ما يلي:
أولاً: ما ذكره رئيس وزراء بريطانيا في وقتها في مجلس العموم البريطاني حيث قال: "لن تقوم للمسلمين قائمة بعد اليوم لأننا قضينا على أهم ركيزتين وهما الإسلام والخلافة".
ثانياً: اتفاقية سايكس بيكو التي كانت بين بريطانيا وفرنسا بعد انتصارهما في الحرب العالمية الأولى، والتي تم فيها القضاء على دولة المسلمين، وتقسيمها ورسم أعلام لها وحدود تميزها عن غيرها من بلاد المسلمين، وأوصلت بلاد المسلمين إلى صراع على حدود مصطنعة ومصالح وهمية تحت حكم رجالهم من أبناء المسلمين.
ولكن ما أبهر الغرب وخيب آمالهم أنهم وجدوا أمة الإسلام رغم ضعفها لكثرة ما ألم بها، وجدوها لا تزال أمة حية وتسعى للتعافي. فكلما حصلت مصيبة جديدة في بلاد المسلمين وهجم الكفار على أحدها وجدوا المسلمين يهبون للدفاع عنه كما حصل في أفغانستان والعراق وسوريا والشيشان والبوسنة والهرسك وغيرها...
ومن بعد سنة 2000م بدأت مراكز الأبحاث الغربية تتنبأ بانهيارات كبيرة في أوساط الأنظمة العربية ومنها مثلاً تقرير أمريكي في 2007م يتحدث عن خطورة الأوضاع في اليمن والتردي الاقتصادي وانهيار النظام خلال عشر سنوات، وأيضاً ظهور مشروع الشرق الأوسط الجديد وما يجب أن يصاحبه من تفتيت المفتت من بلاد المسلمين وتجزئة المجزأ. ولما أدرك الغرب بداية الاحتقان واستشرف التحركات الشعبية ضد حكام المسلمين في بعض البلدان وخصوصاً بعد ثورة الشعب في تونس، بدأت كل دولة غربية لها نفوذ في بلاد المسلمين في ترتيب أوراقها على وجهين:
الأول: كيف تحافظ على مناطق نفوذها بإقامة حركات مصطنعة تقوم بشبه ثورة أو احتواء ثورة عفوية لتفوت الفرصة على الشعوب التي تريد التغيير أو على دولةٍ كبرى أخرى لتمنعها من قيادة ثورة شعبية ضد رجالها في ذلك البلد.
الثاني: تقوم إحدى الدول الكبرى بإيجاد أو دعم حركات موجودة مسبقاً في بلدان المسلمين التي تحت نفوذ دولة كبرى أخرى لتحاول السيطرة عليها برجالها أو لتفاوض على تخفيف الضغط الواقع على رجالها في الدول الأخرى التي تحت نفوذها كما صرح بذلك عبد ربه منصور هادي مرات عدة في القنوات الفضائية "إنهم يريدون صنعاء بدل دمشق"، وما حدث حين قامت بريطانيا بمحاولة احتواء الثورة في سوريا لتضرب عملاء أمريكا، وكان التفاوض على رحيل بشار ولكن بعد فشلها في احتواء الثورة ووعي الشعب السوري على مشروعه اتفقت الدول الكبرى على ضرب الثورة ولو بتدمير المدن فوق ساكنيها كما صرح بذلك بشار حين قال: "المشكلة ليست في الإرهابيين، المشكلة في الحاضنة الشعبية التي تقدر بالملايين لذلك يجب تدمير الحاضنة"، وفعلاً تم ذلك، بل قام تحالف دولي مع بشار وظهر التحالف بين إيران وروسيا وتركيا في العلن ولكن وراءهم عشرات الدول ومليشياتها.
وليست ليبيا ببعيدة، حيث أحضرت أمريكا رجلها حفتر الذي كان يقيم عندها منذ عقود، ليسيطر على ليبيا لمصلحتها ضد نظام السراج التابع لبريطانيا.
وبرغم كل ما حصل من تخبط في أغلب البلاد والالتفاف على ثوراتهم واحتوائها والوصول بأوضاع الناس إلى الحضيض، رغم كل ذلك فهي تتجه إلى الخير بإذن الله، وذلك للأمارات التالية:
- سقوط أقنعة الحكام والعلماء الذين لا يزال البعض مخدوعاً بهم.
- كشف بعض الجماعات التي تدعي أنها إسلامية وذلك بالآتي:
أ. أن من وصل منها إلى الحكم لم يطبق الإسلام، وفُضحت من لم تصل إلى الحكم بمواقفها في هذه الأحداث.
ب. أنها لا تمتلك مشروعاً من الإسلام لإنهاض الأمة.
ج. فضح علاقاتها بالغرب.
د. عدم التفاف الأمة حول أصحاب المشاريع العلمانية والقومية كما كانت خلال العقود السابقة.
ه. سقوط كل المشاريع ذات الخطابات الرنانة وكشف زيفها.
و. وقوع الأمة في حالة تخبط بسبب حرق الشخصيات أو الأحزاب التي كانت ترسم لها في عقلها رسومات وردية، وهذا جيد لأن تخبطها سيجعلها تفكر عكس ما إذا كانت واثقة ثقة عمياء فيمن تتبعهم.
ز. ترديد كلمة الخلافة أو كلمة دولة تحكم بالإسلام أو دولة إسلامية لتلفت أنظار الشعوب.
ح. تصريحات زعماء الكفر كما قال وزير خارجية فرنسا "لا نستطيع منع إقامة الخلافة ولكن سنعمل على تأخيرها".
ط. عدم قبول الأمة بمن جاءوا بعد هذه الثورات لأنها تدرك أنهم إما نسخة معدلة عن الحكام السابقين أو أسوأ منهم.
وبعد كل ما ذكرنا ننوه إلى أن أحداث 2011 أثبتت الآتي:
1- أن الأنظمة التي تسيطر على بلاد المسلمين لا تستند في شرعيتها وقوتها إلى شعوبها، بدليل تدخل إيران ومليشياتها من اليمن والعراق ولبنان وكذلك تدخل روسيا وإيران وغيرهما في مساندة بشار علناً، هذا غير تدخل دول كثيرة دون إعلان المشاركة.
2- إن هذه الأنظمة تستمد شرعيتها من أسيادها الغزاة المحتلين، والدليل كما في مصر والإعلان باسم مبارك عن تنحيه عن الحكم من دون علمه أو الرجوع إليه، عبر وزير دفاعه، وكذلك بشار أسد عندما تناقش الأمم المتحدة رحيله ثم تتراجع عندما تجد أن الثورة في سوريا لم تعد السيطرة عليها ممكنة.
٣- إن هذه الأنظمة ليست من جنس الأمة عقائدياً ولا عرفياً، وبالتالي هي أنظمة هشة آيلة للسقوط.
والخلاصة مما سبق نجد أنه يمكن للأمة إسقاط هذه الأنظمة وإقامة النظام الشرعي الصحيح ولكن هناك شروط لذلك، منها ما يلي:
1- عودتها إلى طريقة التفكير السليمة.
2- مراجعتها لدينها لتنفض عنه الخبث الذي أُدخل عليه خلال المائتي سنة الأخيرة من قوميات ووطنيات واشتراكية وديمقراطية.
3- أن تلتف حول العاملين للخلافة بوعي وبصيرة، ولا تتبع كل ناعق.
4- أن لا تيأس بسبب الضغوط التي تمارس عليها من قمع وتشويه وتخاذل، ولتعلم أنها مكلفة بدور الرسل ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾.
5- أن يكون العمل للتغيير فكرياً بضرب أفكار الكفر وليس بالمليشيات والسلاح الذي لا يستخدم إلا لقتل المسلمين.
وفي الأخير نسأل الله العلي القدير أن يُعجل بقيام دولة ترضيه، يعز بها الإسلام والمسلمون، وينشر الإسلام رحمة للعالمين إنه على ذلك لقدير.
بقلم: م. محسن محمد الجعدبي – ولاية اليمن
رأيك في الموضوع