بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة والتي جرت في العاشر من تشرين الأول من العام الماضي، والتي أكدت فيها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية والمحكمة الاتحادية فوز الكتلة الصدرية التي يتزعمها مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، بحصولها على 73 مقعدا في البرلمان المكون من 329 مقعدا، وحصول تحالف الفتح، الممثل الرئيسي لفصائل الحشد الشعبي داخل البرلمان بعد اعتراضه على النتائج الأولية بدعوى حدوث تزوير على 17 مقعدا، دخل العراق في دوامة الفوضى السياسية.
وهكذا وبعد مضي أكثر من سبعة أشهر على هذه الانتخابات، والتي وعدت الحكومة العراقية بإجرائها مبكرا إرضاء للشارع العراقي الذي شهد مظاهرات عمت بغداد والمدن الجنوبية، لا تزال الكتل السياسية في تصارع وتناطح بين التيار الصدري الذي ينادي بتشكيل حكومة وحدة وطنية معتمدا على استحقاقه من نتائج الانتخابات وبين الإطار التنسيقي الذي يضم الكتل الشيعية الخاسرة والتي تنادي بحكومة توافقية كما في السابق، ويزداد المشهد السياسي العراقي تعقيداً، في ظل استمرار انعدام فرص الاتفاق بين القوى الرئيسة في البلاد حيال ملف تشكيل الحكومة الجديدة، والانقسام الشيعي - الشيعي، وفي هذا السياق يشير سياسي بارز وعضو في التيار الصدري بمدينة النجف في حديث مع "العربي الجديد" أن مسألة الخلافات بين الجانبين أكبر من تشكيل الحكومة أو الكتلة الكبرى داخل البرلمان التي تتولى مهمة تشكيل الحكومة، وأن الصدر يريد الخروج من حالة اللادولة التي يعاني منها العراق منذ عام 2003، ويضيف أن "الخلاف بين الصدر وقوى الإطار التنسيقي، يمتد لسنوات، لكن الجديد أن جميع الأضداد اجتمعوا في تحالف واحد هذه المرة"، ويتابع "الصدر مدرك أنه في حال خسارته المواجهة السياسية الحالية، فإنه سيخسر جزءاً كبيراً من مستقبل التيار الصدري السياسي لصالح تلك القوى".
إن المتتبع لما يجري اليوم من تخبط وتصارع بين الكتل السياسية العراقية، يدرك تماما أن هؤلاء السياسيين في واد والشعب العراقي المقهور في واد آخر، فهم يرون معاناة هذا الشعب خصوصا بعد غلاء المعيشة وزيادة البطالة وانتشار الفقر، ولكنهم غير آبهين به، وهمهم الوحيد هو مصالحهم وتحصيل المناصب والتي من خلالها تتم سرقة البلد، فهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، وقد علقوا كل تعطيلٍ لحقوق الناس على الموازنة وتشكيل الحكومة! مثال على ذلك، فقد قررت المحكمة الاتحادية العليا وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، يوم الأحد، 15 أيار 2022، إلغاء مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية بناء على دعوى أقامها النائب باسم خشان، فيما بينت أن حكومة الكاظمي هي تصريف أعمال ولا يحق لها إرسال مشاريع القوانين وعقد القروض.
وعليه فإن تشكيل الحكومة لا يتم إلا بتقديم أحد الطرفين تنازلا، ويبدو أن التيار الصدري بعد أن قدم عدة مقترحات لإحراج الإطار التنسيقي، منها إمهالهم أربعين يوما لتشكيل الحكومة مع علمه بعدم قدرتهم على ذلك، وبعدها دعوته النواب المستقلين إلى تشكيل الحكومة العراقية خلال خمسة عشر يوما بعيدا عن الإطار التنسيقي.
ويبدو أنه لم يعد للتيار الصدري إلا تقديم بعض التنازلات، لأن الوضع بات محرجا للجميع، خاصة بعد تمسك الإطار التنسيقي والقوى المدعومة من إيران بموقفهم، فقد نشرت شفق نيوز أن الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي "كشف يوم السبت، عن قبول وفد من التيار الصدري بمشاركة نواب من الإطار التنسيقي يمثلون نوري المالكي في الحكومة الجديدة التي يسعى الصدريون لتأليفها". وتابع الخزعلي أن "التنازل عن الكتلة الأكبر يعني وضع حق المكون في مهب الريح، موضحاً أن الكتلة الصدرية مطالبة بتقديم تنازلات حقيقية".
وعدّ الأمين العام لعصائب أهل الحق تفاهم الطرفين الكرديين (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) بأنه يمثل خطوة كبيرة نحو الحل، مبينا أن "الاتفاق الكردي دافع قوي للأطراف الشيعية نحو التفاهم وهو سيفكك معادلة التحالف الثلاثي". وأشار الخزعلي إلى أن الكتلة الصدرية ليست مستعدة لاحتواء الإطار ومنحه استحقاقات سياسية، متابعاً أن لدى الكتلة الصدرية حق ترشيح رئيس الوزراء ولدينا حق الرفض.
أيها المسلمون في العراق: هذا هو حالكم بعد أن تسلط عليكم أراذل القوم ورويبضات الحكم، وقد رأيتم بأم أعينكم أنهم لا يبالون بأي وادٍ تهلكون، وأن مصالحهم ومكاسبهم هي جل أمرهم، ولا تغرنكم الشعارات الرنانة كالدعوة إلى حكومة وطنية، فإنها لا تسمن ولا تغني من جوع، فالكل يبكي على ليلاه!
لذلك بات واجبا عليكم أن تقرروا مصيركم بأنفسكم وتجمعوا أمركم وتعودوا إلى رشدكم وشريعة ربكم، وأن تجعلوا من واقعكم المزري موضع تفكيركم فتغيروه، لا مصدر تفكيركم لتكيفوا عيشكم حسبه، فقد حرم الله على المسلمين أن يعيشوا حكم الطاغوت، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيداً﴾، وقد رأيتم الديمقراطية التي سوقها الغرب إليكم وما أنتجت من قتل وتشريد وفقر وشيوع للرذيلة وانتشار للمخدرات، وأوجب عليكم العيش بشريعته وتحت حكمه، لتعود السيادة لله.
وهكذا تتحقق الخيرية فيكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، فـ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
فلا خلاص لكم ولا صلاح لحالكم إلا بحكم ربكم وشريعته، فتخرجوا من دائرة التيه إلى طريق الرشد، ومن ضنك العيش إلى هناءته، هذا هو الخلاص الوحيد ولا خلاص سواه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ مازن الدباغ
رأيك في الموضوع