بالنظر لواقع النفوذ الأمريكي في السودان نستنتج أن أمريكا ليست بحاجة لتعيين سفير لها في السودان حتى تستطيع أن تسير مصالحها فيه، فقد استطاعت أن تفصل السودان إلى دولتين من غير أن يكون لها سفير، بل اكتفت بوجود القائم بالأعمال، وأن السفارة الأمريكية في السودان أنشئت بعد تدمير تنظيم القاعدة للسفارة الأمريكية في نيروبي بكينيا انطلاقاً من السودان كأنما جاء إنشاء السفارة كعقوبة لحكومة السودان علماً بأن هذه السفارة هي ثاني أكبر سفارة أمريكية في الشرق الأوسط، والأكبر في أفريقيا. وأن الممسك بالسلطة الآن في السودان هم العسكر الموالون لأمريكا.
من كل هذا وغيره نستنتج أن تعيين السفير الأمريكي في السودان جاء لغرض آخر. وبالنظر لواقع الصراع حول السلطة في السودان الآن نجد أن الصراع يقوم بين لاعبين اثنين هما أمريكا وبريطانيا، ولكل واحد منهما أدواته في الصراع، فما يسمى بالمكون المدني هو أداة الصراع الإنجليزية، والذي يمثل الطرف الثاني في الصراع هم العسكر، وكانت بينهما شراكة سياسية في الحكم حيث استطاعت القوى الموالية للإنجليز أن ترغم العسكر على إشراكهم في السلطة بضغط من الشارع خصوصا بعد مليونية 30 حزيران/يونيو 2019م، حيث اضطر الجيش لقبول الشراكة في السلطة مع المدنيين. وفي يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021م انقلب الجيش على المدنيين وأعلن البرهان حل مجلس الوزراء وكان بمثابة انقلاب على الاتفاق السابق الذي كان يسنده ضغط الشارع.
واستمر الصراع بين عملاء كل من الطرفين، فقد وصف عملاء بريطانيا ما حدث بالانقلاب وظلوا يضغطون على العسكر باستخدام الشارع والجماهير المؤيدة لهم، ومحاولة عزل البرهان من العالم الخارجي، ووصف بعض القادة الأوروبيون ما حدث في السودان بالانقلاب بينما اكتفت أمريكا بالقول إنها تبدي قلقها من الأوضاع في السودان.
في هذا السياق يجب أن نفهم أن مسألة إرسال أمريكا سفيراً لها إلى السودان في الوقت الراهن يمثل ضربة قوية لبريطانيا وعملائها في السودان، حيث كانوا يعولون على عزل العسكريين من المجتمع الدولي فيأتي هذا التعيين للسفير الأمريكي كاعتراف صريح من أمريكا بشرعية الوضع في السودان، وقد أسمته بتصحيح أوضاع بدلا من الانقلاب، خصوصا وأن أمريكا ليس لها عملاء مدنيون في السودان، أو أنها لا تعول عليهم كثيراً بالرغم من ضعف عملائها من العسكر في السيطرة على الأوضاع، إلا أنها لن تجد خياراً أفضل منهم في الوقت الراهن خصوصاً وقد بدأت معهم، وبقوة، مشروع التطبيع مع كيان يهود، فيجيء موضوع تعيين سفير لأمريكا في السودان بعد غياب دام 26 عاما حيث كان ساسة النظام البائد يتطلعون إلى أن ترفع أمريكا من درجة التمثيل الدبلوماسي في السودان لما له من دلالة على وجود مكانة لهم عند سيد العالم الذي يتشرفون أن يكونوا عبيدا عنده ليكرمهم ببعض التشريف بين بقية العبيد، ولكن للأسف لم يكن لهم ذلك، وعندما يعطى هذا الشرف للعسكريين الانقلابيين الآن فهذا يعني رضا أمريكا التام عن هذا النظام الأمر الذي يسبب إحباطا للقوى المعارضة لهم والتي كانت تطمع في سند أمريكا في إرجاعهم إلى وضع الشراكة الذي كان قائما قبل الانقلاب.
أما عن سبب الصراع بين هذه الدول على السيادة في السودان فذلك يعود للطبيعة الرأسمالية لهذه الدول الاستعمارية. حيث بريطانيا ترى أحقيتها في السودان لأنها هي المستعمر الأول له بينما أمريكا ترى نفسها هي الأقوى والأحق بالحوز على السودان وثرواته.
وأسباب ذلك الصراع لما يمتاز به السودان من الموقع الجغرافي المطل على البحر الأحمر، زيادة على أنه مدخل لدول شرق وغرب أفريقيا. بالإضافة لما يمتلكه السودان من الثروات الهائلة من سلسلة جبال اليورانيوم الممتدة من غربه إلى الأراضي التشادية بالإضافة للجبال الغنية بالذهب والأرض الغنية بالمعادن الأخرى حيث إن نسبة خصوبة اليورانيوم تفوق النسبة المتعارف عليها عالميا فهي أكثر من 6-9 في المئة، هذا بالإضافة لغيره من المعادن والميزات مثل الأنهار والأرض المسطحة و...
لكل هذا وللجانب العقدي المبدئي دور كبير في احتدام الصراع، فالجميع متفقون على ضرورة تقسيم السودان إلى دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة حتى يأمنوا من خطورة قيام دولة للإسلام فيه وخصوصا أن الأغلبية العظمى من أهل البلد يدينون بدين الإسلام.
لأجل ذلك اختارت الإدارة الأمريكية السفير المبعوث للسودان على عين بصيرة فهو غوديفري المتخصص في شوؤن محاربة الإسلام في البلاد الإسلامية حيث كان جل عمله وخبرته في بلاد المسلمين عدا بلد واحد من تسعة بلاد عمل فيها وهي فرنسا التي لم تطل إقامته فيها، أما بلاد المسلمين التي عمل فيها فهي تركمانستان، وليبيا أيام أزمة لوكربي، ولبنان، والعراق، وسوريا، وتونس.
إن الدول المحاربة فعلاً كأمريكا يجب أن تتخذ معها حالة الحرب أساساً لكافة التصرفات وتعامل كأننا وإياها في حرب فعلية سواء أكانت بيننا وبينها هدنة أم لا. ويمنع جميع رعاياها من دخول البلاد. ويجب إغلاق سفاراتها في كافة بلاد المسلمين وليس توسيع وجودها، وتجديد السفراء فيها، وهو ما ستفعله دولة الخلافة التي تمر الذكرى 101 لهدمها هذه الأيام، فلنغذ الخطا لاستعادتها راشدة على منهاج النبوة لتنعم البشرية بحياة كريمة.
بقلم: الأستاذ أحمد الخطيب – ولاية السودان
رأيك في الموضوع