من المقرر أن يجتمع الرئيس الأمريكي مع قادة دول الخليج يومي 13 و 14 من الشهر الجاري في منتجع كامب ديفيد. ويعتقد الكثيرون في العاصمة الأمريكية أن من أهم وسائل واشنطن لتهدئة مخاوفهم هي بيع هذه الدول المزيد من الأسلحة الأمريكية إلى جانب دعم الوجود العسكري الأمريكي في هذه الدول.
فقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست يوم 7/5/2015: "إن القمة فرصة للولايات المتحدة ودول الخليج لبحث سبل تعزيز شراكتنا وتعاوننا الأمني، وتعد فرصة للولايات المتحدة لتأكيد شراكة الولايات المتحدة الاستراتيجية مع دول الخليج".
وقال بن رودز مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي يوم 4/5/2015: "إن الولايات المتحدة ستسعى إلى إيجاد استراتيجية مؤثرة بالتعاون مع دول الخليج لمواجهة سلوك إيران العدائي في اليمن وسوريا وذلك خلال القمة القادمة". وقال: "الأهم أننا سنتحاور مع الدول الخليجية وبالتحديد المملكة العربية السعودية حول الضمانات التي سنقدمها لهم ولأمن الخليج، وهذا هو هدف قمة كامب ديفيد التي دعا إليها الرئيس أوباما".
ونقلت وكالة رويترز يوم 6/5/2015 عن مصادر أمريكية بأن "الرئيس الأمريكي باراك أوباما من المتوقع أن يجدد مساعيه الأسبوع القادم لمساعدة دول الخليج الحليفة على نشر منظومة دفاع صاروخي في مواجهة الصواريخ الإيرانية فيما يسعى لتهدئة مخاوفهم من أي اتفاق نووي مع طهران".
فمن هذه التصريحات يتبين أن أمريكا تعمل على بسط نفوذها وتعزيز هيمنتها على دول الخليج بدعوى تعزيز التعاون الاستراتيجي وحفظ أمنها من التهديدات الإيرانية ومواجهة صواريخها.
فإن مسمى "التعاون الاستراتيجي" أو "الشراكة الاستراتيجية" هو أحد الأساليب الأمريكية الجديدة التي تعمل على تطبيقه مع كثير من الدول في العالم لتبقي هيمنتها عليها بعدما تنهي احتلالها الفعلي كما فعلت مع العراق وأفغانستان، أو لتتمكن من بسط نفوذها عليها كما تفعل مع دول الخليج، أو لتنفذ إليها كما تفعل مع بعض دول آسيا الوسطى، أو لتتحكم بها وتسيرها لمحاربة الإسلام كما تفعل مع باكستان، أو لتراقبها وتعمل على احتوائها كما فعلت مع الصين.
فقد أقامت أمريكا علاقات استراتيجية مع دول الخليج، وأنشأت منتدى العلاقات الخليجية الأمريكية، فكان أول اجتماع له على مستوى وزراء الخارجية في الرياض يوم 31/3/2012 وكان يهدف إلى وضع إطار رسمي للتعاون الاستراتيجي بين الطرفين وتعزيزه في الناحية العسكرية والأمن البحري وحماية البنية الأساسية الاستراتيجية ومكافحة القرصنة وأسلحة الدمار الشامل ودراسة الأوضاع العربية، وإقامة الدرع الصاروخي.
وهي تتذرع بتهديد الصواريخ الإيرانية، ولكنها لم تتمكن من إقامة هذا الدرع حتى اليوم رغم محاولاتها العديدة. والآن صارت الفرصة مواتية أكثر لتبحث هذا الأمر بجدية في ظل وجود عميلها سلمان على رأس السلطة السعودية، والذي سيغيب عن القمة، وسينوب عنه ولي عهده الأمير محمد بن نايف، حيث سيجتمع معه أوباما على انفراد قبل عقد القمة. ولذلك نوه مستشار الرئيس الأمريكي إلى ذلك قائلا "وبالتحديد المملكة العربية السعودية". لأنها الدولة الأكبر والأغنى والأقوى بين دول الخليج، فبواسطتها تتمكن أمريكا أن تملي على دول الخليج ما تشاء أو تعرقل ما تشاء من أفكار الإنجليز التي يعطونها للدول الخليجية للعمل بها.
والجدير بالذكر أن أمريكا تتواجد عسكريا بقوة في الخليج؛ حيث يوجد آلاف الجنود الأمريكان في الكويت منذ دخولها بذريعة تحريرها عام 1991 في معسكرات أهمها معسكري الدوحة وعريفجان، وهناك مركز أسطولها الخامس في البحرين منذ 1971 والذي يعد القوة الضاربة لها في منطقة الخليج وبحر العرب وبحر عُمان والبحر الأحمر والساحل الشرقي لأفريقيا، حيث يضم بوارج حربية وحاملات طائرات مقاتلة ومروحيات، ويعمل فيها 20 ألف جندي أمريكي، ووقعت دولة الإمارات اتفاقية أمنية عام 1994 معها حيث يتواجد بمقتضاها 5 آلاف عسكري أمريكي قرب ميناء جبل علي وقاعدة الظفرة الجوية ووقعت معها اتفاقيات لتدريب جنودها. وفي قطر هناك قاعدة "العديد" الجوية الأمريكية منذ عام 2003 بجانب قاعدة "السيلية" والتي كانت مركزا مهما للعمليات العسكرية الأمريكية أثناء العدوان الأمريكي على العراق. ووقعت سلطنة عُمان معها عام 1980 اتفاقية تسمح للقوات الأمريكية باستخدام المنشآت العسكرية العمانية مثل القاعدة الجوية في جزيرة مصيرة. ووقعت مع السعودية عدة اتفاقيات أمنية وعسكرية منذ عام 1945 حتى اليوم مثل "إنشاء قاعدة جوية للقوات الأمريكية بالظهران"، "النقطة الرابعة الخاصة"، "المساعدة المتبادلة للدفاع"، "بعثة التدريب العسكرية"، "الإنشاءات العسكرية"، "ميناء الدمام"، "الامتيازات والحصانة للعاملين الأمريكيين".
بالإضافة إلى ذلك فإن مشتريات دول الخليج من الأسلحة الأمريكية في السنوات الماضية تقدر بمئات المليارات، حيث اشترت السعودية خلال عام 2014 وحده حوالي 80 مليار دولار، والإمارات حوالي 23 مليار دولار وقطر حوالي 11 مليار دولار. وقد استدعى الأمر أن تقوم شركات السلاح الأمريكية الكبرى بوينغ ولوكهيد مارتن بفتح مكاتب دائمة لها في الدوحة لخدمة عملاء الخليج، وكأنها تفتح مكاتب لبيع السيارات أو الثلاجات لكثرة المبيعات من السلاح لهؤلاء العملاء.
وبجانب الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مع دول الخليج تريد أمريكا علاقة استراتيجية محكمة لتحكم سيطرتها على مجلس التعاون الخليجي الذي أسسته بريطانيا لتحافظ على مصالحها في المنطقة، فتريد أمريكا أن تأخذ من بريطانيا مشاريعها الاستعمارية وتحولها لصالحها، كما فعلت مع الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي اللتين أسستهما بريطانيا فحولتهما أمريكا لصالحها. والآن وهي تعمل على السيطرة على كل دولة من دول الخليج على انفراد وتستخدم إيران لتحقيق ذلك، فإنها تعمل على السيطرة على المجلس كقوة إقليمية حتى تشل يد الإنجليز باستخدامه ولتقوم بتسخيره لصالحها.
فمن المتوقع أن تضغط أمريكا في هذه القمة لإقامة الدرع الصاروخي بذريعة تهديد الصواريخ الإيرانية لتعزز تواجدها العسكري وتحكم سيطرتها على المنطقة، وسوف تضغط عليها في مجال الحريات والديمقراطية حيث تحدث أوباما عن هذه المسألة في تاريخ سابق حتى تتمكن من السيطرة السياسية عليها أو إيصال عملائها إلى الحكم، وكذلك لتمنعها من العمل لصالح بريطانيا سرا خاصة في اليمن، بجانب ابتزازها لبيعها المزيد من الأسلحة في محاولة منها لإنقاذ اقتصادها المتعثر منذ تفجر الأزمة المالية عام 2008 والضغط عليها لرفع أسعار النفط والغاز.
وهكذا تكون دول الخليج مطية للاستعمار الغربي حيث ترتبط به لتحافظ على كياناتها ومكتسباتها العائلية وتتركه يبتزها لينهب ثروات المسلمين ويبسط نفوذه على المنطقة، فتكون وسيلة لمنع تحرر الأمة من ربقة الاستعمار.
رأيك في الموضوع