إن الواقع الاقتصادي في تركيا لم يتغير في يوم وليلة كما يظن البعض، ولا انتصر الرئيس التركي أردوغان على ما سماها الهجمة على تركيا، وإنما بكل بساطة هي جولة في حلبة الصراع على السلطة المتمثلة بالانتخابات القادمة عام 2023، فبالعرض الذي قدمه أردوغان قد صفع جميع معارضيه، فقد استفاد من وضع معين بدعم مطلق مكنه من الرد، وتحقيق ما حققه اليوم.
وكما جاء في جواب سؤال أصدره أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة بتاريخ 11/12/2021 (...إن أردوغان ما زال يخدم سياسات أمريكا في المنطقة ويحقق مصالحها، فهو سائر في فلكها بالتمام. ومقابل ذلك تعمل على دعمه بأشكال مختلفة. ولهذا نشرت الشركات الدولية للتصنيف الائتماني وهي شركات أمريكية، نشرت تقاريرها الإيجابية لحساب أردوغان. فقد نشرت وكالة ستاندر آند بورز الأمريكية للتصنيف الائتماني يوم 1/12/2021 توقعاتها بشأن نمو الاقتصاد التركي (فرفعت توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي خلال العام الجاري بمقدار 1,2 نقطة إلى 9,8% في حين زادت توقعاتها للنمو في العام 2022 بمقدار 0,4 نقطة إلى 3,7%. وكانت قد نشرت توقعاتها في شهر أيلول الماضي لنمو الاقتصاد التركي لعام 2021 بنسبة 8,6%... الأناضول 1/12/2021). انتهى
ومن جهة أخرى نجد الاستثمارات الخليجية التي أبرمت، والتي سوف تبرم، والدعم اللامحدود الذي تقدمه أمريكا يدل على أنها ترغب في بقائه في السلطة في الانتخابات القادمة.
ولكن هناك سؤالاً يطرح نفسه بهذا الهدوء الذي تحلى به أردوغان، وهو يرى أن العملة تفقد من قيمتها ما يفوق 45%! ألم تكن تلك الأدوات المالية الجديدة بين يديه ليستخدمها وهي على أعتاب 13.0 ليرة مقابل الدولار؟ إذاً لماذا انتظر حتى وصلت إلى 18.2 ليرة؟ أم هو اختيار وقت مناسب لتوجيه ضربته القاضية على معارضيه؟! فإن كان كذلك، فأين هي المسؤولية التي تعهد بحملها عندما نصب حاكما لهذه الدولة؟
حقيقة إن ما أصبحنا عليه اليوم من حال العملة التركية الجديدة هي بسبب الإجراءات التي اتخذها أردوغان عندما شدد على أن تركيا لن تتراجع عن قواعد اقتصاد السوق الحرة.
وأيضا عند تأكيده أنه سيتم تخفيض الضريبة المقتطعة على توزيعات الأرباح التي ستدفعها الشركات إلى 10%، وسوف يحدد البنك المركزي التركي سعر صرف طويل الأجل للشركات المصدرة وإذا حدثت فروقات سيتم دفعها للشركات المتضررة، وإعلانه لمن يضع مدخراته بالعملة المحلية لمدة تتراوح من ثلاث شهور أو ستة شهور أو تسعة شهور أو سنة، فإن الحكومة تتعهد بتعويضه. بمعنى يتم تثبيت سعر الصرف يوم الإيداع، والحفاظ على قيمة المبلغ في حال تعرضه للخسارة جراء تغير سعر الصرف، فيكون بذلك ربط العملة المحلية بالدولار لحظة الإيداع والتي هي فكرة رفع نسبة الربا نفسها، وباعتبار أنه يعمل على تخفيض نسبة الربا فهو لا يستطيع الاستمرار بهذه الطريقة لمدة طويلة.
وقد أعلن في خطابه أن هناك احتياطيا ذهبيا بمقدار 5 آلاف طن بقيمة 280 مليار دولار، هذا إن استطاع إقناع الناس بإخراج الذهب من تحت وسائدهم وإدخالها ضمن النظام المالي!
فهو ما زال يعمل على تخفيض نسبة الربا، وهذا ما سوف يؤكد أن سعر الصرف لليرة التركية لن يقف مكانه، وخاصة في الوقت الحالي، وسوف يتعرض لنكسة أخرى حتى يصل الاقتصاد إلى نجاح الخطة الاقتصادية التي يتبعها أردوغان، هذا إذا كتب لها النجاح. فهو يحاول بتخفيض نسبة الربا عدم الدخول إلى حالة الركود الاقتصادي، حيث تتوجه الأموال في حال رفع نسبة الربا إلى البنوك، وتتوقف الحركة الاقتصادية.
أما في حال حافظ على الربا قليلا، فإن اقتصاده يبقى مستمرا مع وجود التضخم، كما هو حال الدول الاقتصادية الكبرى اليوم والتي تعاني من التضخم الكبير، ولكن الاقتصاد لديها يحتمل، إلا إذا دخل متحور كوفيد 19 أوميكرون على الساحة، فإن الاقتصادات والعجلة الاقتصادية لا ضمان لها بأن تستمر، وهنا تكمن الطامة الكبرى.
ولهذا فإن التنبؤ بسعر صرف الليرة في المدى القصير أصبح أصعب من ذي قبل، ومحاولة التخلص من التضخم بحاجة إلى أمد طويل في ظل الاستمرار نحو سياسات توسيعية مع نسبة ربا قليلة.
إن إعادة الثقة التي حدثت ليلة أمس بعد ارتفاع الليرة التركية، أكثر من 25% أمام الدولار، وخلال فترة قصيرة جدا لا تتعدى الساعتين ضمن وقت خطاب أردوغان مع إعلان الأدوات الجديدة التي لا نعلم أنها حل للمشكلة أم هي تأجيل الأزمة إلى إشعار آخر، كما فعلت رئيسة وزراء تركيا السابقة تانسو تشيلر في تسعينات القرن الماضي بإصدارها حزمة إجراءات في 5 نيسان/أبريل 1994 وقد استطاعت ترحيل الأزمة إلى وقت آخر، ولكن عندما عادت كانت أشد قسوة.
إن الاقتصاد التركي بحاجة إلى هيكلة جديدة، والخروج من تحت وطأة الرأسمالية. إن بلادنا فيها الخير والخير الكثير، ولكن الانضواء تحت عباءة المستعمر الذي لا يرغب للبلاد بأن تكون في مصاف الدول الكبرى، وأن تبقى تابعة لها تحت نيران لقمة العيش.
إن الحل الصحيح، هو بالخروج من الربا كليا واعتماد النظام الإسلامي، ومنه يطبق الاقتصاد الإسلامي الذي يراعي مصلحة البلاد، ويقوم بشؤون الرعاية الحقيقية، وتوزيع الأموال العامة، والمنافع على جميع أفراد الرعية، ويتم تأمين الحاجات الأساسية لكل فرد بشكل إلزامي، وأن يعتمد الذهب والفضة كأساس لعملة البلاد، وأن يخرج من قوقعة التبعية.
يا أهل تركيا المسلمين: كونوا عونا لمن يعمل على إعادة الحل الصحيح لهذه الأمة، وغذوا السير معهم لعل الله يجعلها قريبة. ويا أبناء هذه الأمة العظيمة: إن اليوم هو يوم العمل والتضحية في سبيل إعزاز هذا الدين فالعالم يعاني من ويلات النظام الرأسمالي الجشع ويتطلع للخلاص من هذا الحال. فكونوا أنتم الحل بإيصالكم الإسلام إلى سدة الحكم حتى يتسنى للجميع رؤية الحل الصحيح يطبق أمام أعينهم ونعيد لهذا الدين عزه.
بقلم: الأستاذ نبيل عبد الكريم
رأيك في الموضوع