لا تزال الحرب على المسلمين الثائرين في الشام مستمرة، وعلى كافة الأصعدة؛ الاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية والعسكرية، وبمختلف الوسائل والأساليب، لقتل روح الثورة في نفوس أهل الشام، من طرف الغرب الكافر بقيادة أمريكا، للعودة بالشام إلى حظيرة المنظومة الدولية.
أما الحرب الاقتصادية، فكانت من خلال التضييق الممنهج وسياسة التجويع من خلال فرض الضرائب والمكوس ورفع الأسعار والاحتكار، والسيطرة على مفاصل الاقتصاد والتجارة ممن توسد الأمر فيما يسمى محرراً، من منظومة فصائلية وقادة مرتبطين وحكومات وظيفية، والغاية من ذلك إفقار الناس وإلهاؤهم بلقمة العيش وعدم التفكير بكيفية الانعتاق من هذه المنظومة المرتبطة، والخروج عليها وفك الارتباط بالداعم الذي سلب قرار الثورة سياسياً، وهذا سيؤدي بشكل طبيعي إلى إسقاط النظام، ولذلك ونتيجة هذا التجويع المدروس استخباراتياً يعمل المتآمرون لدفع الناس نحو المنظمات التي يطلق عليها منظمات إنسانية أو إغاثية، وهي في الحقيقة منظمات استخباراتية من أجل معرفة واقع الناس وأسباب خروجهم على طاغية الشام، ومعرفة عقلية ونفسية الأمة وإلى أي مرحلة وصلت حالتها النفسية، وهل لا تزال روح الثورة متجذرة فيها، ولإثبات أن هذه الثورة هي ثورة جياع أي سببها اقتصادي وليس عقدياً، وبالتالي تصبح هذه المنظمات هي الملاذ الوحيد للناس لإشباع جوعاتهم فتستطيع بث سمومها ونشر أفكارها الضالة والمضلة مستغلة حاجتهم، ثم تقوم منظمة الأمم المتحدة عن طريق الدول المتآمرة بالضغط عن طريق بعض القرارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب بالترويج بإغلاق بعض المعابر وفتح معبر وحيد ثم التهديد بإغلاق هذا المعبر، وجعل المعابر عن طريق نظام الإجرام لشرعنته مجدداً.
أما الحرب الثقافية، فهي عن طريق نشر أفكار الديمقراطية والعلمانية، وإظهار عجز ما يسمى بالإسلاميين عن إيجاد مشروع لقيادة الأمة، وفشلهم في قيادتها فشلاً ذريعاً، وهم من أوصل الناس إلى ما وصلوا إليه من فقر وجوع وعوز وتخلف.
ثم كانت المنظمات النسوية والتي تدعي دفاعها عن المرأة وحمايتها من الاضطهاد والعنف الأسري، وليس آخرها زيارة ما يسمى مجلس الكنائس العالمي لنشر أفكار الغرب الليبرالي لتحرير المرأة من إسلامها وعفتها، المرأة التي أعزها الإسلام بأن جعلها أماً وربة بيت وعرضاً يجب أن يصان. ولم تتوقف الحرب الثقافية عند هذا الحد، بل توجهت للأطفال من خلال توزيع كتب مدرسية تحتوي على مواد ورسومات مسيئة للرسول ﷺ، وهذه كانت خطوة لجس نبض الشارع لمعرفة مدى تأثير الحرب الثقافية ومدى تمسك الأمة بدينها، فكان الرد المزلزل من الأمة بحرق هذه الكتب والخروج بمظاهرات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، ما اضطر الرئيس التركي أردوغان للتدخل شخصياً لتهدئة الأمور والادعاء بأنه سيقوم بمحاسبة من قام بطباعة ونشر هذه الكتب، ومن المعلوم أن هذه الكتب طبعت في تركيا.
أما الحرب السياسية، وهي الأخطر والأشد تأثيرا دائماً فكلمة الفصل تكون عند الساسة، فالدولة العثمانية سقطت سياسياً وفكرياً قبل أن تسقط عسكرياً، وكذلك الاتحاد السوفيتي.
وثورة الشام ما وصلت إلى هذه الحال إلا نتيجة عدم وجود وعي سياسي كاف وتأخر الناس في الالتفاف حول مشروع سياسي منبثق من عقيدة الأمة، فتوسد الثورة جُهَّال إمَّعات ارتبطوا بأجندات خارجية، ومالٍ سياسي قذر، فكان هدفهم فقط المال والسيادة، لذلك استغلت أمريكا هذا الواقع وقامت بإنشاء كيان سياسي مسخ أطلقت عليه المجلس الوطني، ثم حولت اسمه إلى الائتلاف الوطني، ليكون واجهة سياسية للسيطرة على القرار السياسي للثورة، وربط الفصائل العسكرية بهذا الكيان المصنع في أروقة ودهاليز الدول المتآمرة على ثورة الشام، ما أدى إلى سلب قرار الثورة سياسياً وفكرياً.
والآن تقوم أمريكا بتعويم نظام أسد سياسياً عن طريق من ادعى صداقة الشعب السوري في بداية الثورة، لشراء الذمم وسلب القرار، وعندما تحقق لهم ذلك حان وقت إظهار الوجه الحقيقي لهذه الأنظمة العميلة والمرتبطة بالمنظومة الدولية.
أما الحرب الإعلامية، فالغاية منها إلحاق الهزيمة النفسية بالأمة لإيصالها إلى اليأس والقنوط والاستسلام، ولإظهار أن الثورة انتهت وأصبحت بيد الدول تتحكم بها كيفما تشاء، ولم يعد لأهل الشام أي دور أو تأثير في الأحداث الجارية، لذلك على الناس القبول بالحلول السياسية وذلك أخف الضررين، وأن الحل هو حل خارجي وليس داخلياً، وكذلك تقوم وسائل الإعلام بالترويج للحل السياسي الأمريكي في جنيف ضمن القرار 2254 وأنه هو الحل الوحيد للخروج مما يسمونه الأزمة السورية مع أنه حقيقة يعني العودة إلى عبودية النظام المجرم وبيت الطاعة الأمريكي.
يا أهلنا في الشام المباركة: كل هذا المكر العالمي بقيادة أمريكا ولا تزال الثورة متقدة متجذرة في نفوسكم، ولا تزال مقومات النصر بين أيدينا؛ من حاضنة شعبية صابرة محتسبة متوكلة على الله، ورجال مخلصين تجذرت الثورة والعقيدة في نفوسهم، ويكفي أن الله معنا، ولكن الذي يلزمنا اليوم هو أن تجمع هذه الجهود المبعثرة تحت قيادة سياسية واعية تحمل مشروعاً جامعاً؛ مشروع الخلافة العظيم، وقيادة عسكرية محترفة مرتبطة بالله وحده، تأتمر بالقيادة السياسية الواعية، وتكون الحاضنة الشعبية هي الأم والرقيب والداعم، وعندئذ تفتح الجبهات بمعارك حقيقية لإسقاط النظام وتحكيم شرع الله وما ذلك على الله بعزيز.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد أبو الزين
رأيك في الموضوع