قبل أيام مضت كانت مناسبة حرب 6 أكتوبر سنة 1973م، حيث سطر الجيشان المصري والسوري في بداية الحرب نصرا عظيما على جيش يهود؛ خلال ست ساعات من بداية الحرب. جاء في صحيفة الوفد 4 تشرين الأول/أكتوبر 2015 تحت عنوان "حرب أكتوبر 6 ساعات قضت على أسطورة الجيش الذي لا يقهر": "نجحت مصر وسوريا في تحقيق النصر، حيث تم اختراق خط بارليف خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة، وأوقعت القوات المصرية خسائر كبيرة في القوة الجوية الإسرائيلية، ومنعت القوات الإسرائيلية من استخدام أنابيب النابالم، كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في مرتفعات الجولان وسيناء، وأجبرت إسرائيل على التخلي عن العديد من أهدافها مع سوريا ومصر، كما تم استرداد قناة السويس وجزء من سيناء في مصر، والقنيطرة في سوريا).
نعم لقد استطاع الجيش المصري تحطيم أسطورة خط بارليف الدفاعي الذي وصفه حاييم بارليف مؤسسه: بأنه "أقوى من خط باجينو الفرنسي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الأولى". واستطاع الجيش المصري المجاهد الباسل أن يحطم قوة يهود خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، وأن يعبر القناة إلى سيناء، وأن يجتاز كل الدفاعات والتحصينات التابعة للخط التي وضعها اليهود لمسافة 12 كيلومترا؛ وهي المسافة التابعة لتحصينات بارليف، وأن يجتاز بعد ذلك إلى سيناء لمسافة 20 كيلومتراً شرقا. وفي الجانب السوري استطاع الجيش السوري دحر جيش يهود إلى مشارف بحيرة طبريا وسهل الحولة. لقد استطاع الجيشان المصري والسوري أن ينزلا هزيمة قوية بجيش يهود، وقد كان مجموع قتلى يهود حوالي 3000 جندي بالإضافة إلى 15000 بين جريح ومفقود. لقد اتصل مراسل صحيفة دير شبيغل الألمانية؛ مع رئيسة وزراء كيان يهود بعد حرب 1967 مباشرة وقال لها: إننا نأسف أننا أصدرنا العدد الجديد للجريدة باللغة الألمانية، وكان يجب أن تصدر باللغة العبرية. وخلال حرب أكتوبر، وبعد تحطيم خط بارليف الأسطورة؛ زار هذا المراسل ساحة المعركة وخاطب القيادة المصرية فقال: إننا نأسف أن أصدرنا الجريدة باللغة الألمانية، وكان يجب أن نصدرها باللغة العربية، وعلى العالم أن يتعلم اللغة العربية.
إن هذه الحرب البطولية ونحن في ذكرى مرور 48 عاما على حصولها لتذكرنا بالحقائق التالية:
1- لقد أثبتت الحرب أن هزيمة الجيوش الأربعة سنة 67 على أرض فلسطين (الضفة الغربية، وقطاع غزة) وسيناء والجولان لم تكن سوى مسرحية هزلية؛ خطط لها الاستعمار بتواطؤ من حكام الدول العربية المشاركة في الحرب (مصر، سوريا، العراق، الأردن)، ومن الحكام غير المشاركين الآخرين في البلاد الإسلامية. وكانت المؤامرة تقضي بسيطرة يهود على هذه المناطق؛ مقدمة لفرض الأمر الواقع في اغتصاب فلسطين، وإيجاد السلام الكاذب مع باقي الأنظمة المحيطة بكيان يهود، والترويج الكاذب والدعاية المغرضة بأن جيش يهود لا يغلب، ولا بد من التعامل مع كيانه وإيجاد السلام الكاذب معه. فقد كشفت حرب أكتوبر كذبة أن جيش يهود لا يقهر؛ حيث هزمه جيشان فقط خلال ست ساعات؛ مع أن معداته كانت أكثر عددا وأرقى وأكثر تفوقا من معدات الجيشين المصري والسوري.
2- إن الحرب قد نبهت عقول المسلمين، بأن حكامهم ليسوا أكثر من أدوات، يحركها الاستعمار كيف يشاء في الحرب والسلم، ولا يوجد عندهم أي قرار مستقل؛ لأنهم عملاء للغرب، فعندما أراد الغرب منهم الهزيمة في حرب سنة 67 كانت الهزيمة، وعندما أراد منهم الانتصار كان الانتصار المحدود في أكتوبر. وبعدها قلبت أمريكا النصر إلى هزيمة، خلال ساعات معدودة بالالتفاف المدبر حول الجيش المصري من خلال فتحة الدفرسوار، وعبور جيش كيان يهود بقيادة شارون إلى الضفة الغربية من القناة، ومن ثم إنهاء الحرب بشروط أمريكا. ثم إدخال الدول المحيطة بكيان يهود فيما يسمى بالسلام الموهوم؛ بعد قبول اليهود بالسير وفق مخطط السلام الذي رسمته أمريكا للمنطقة.
3- إن مسلسل السلام الذي فرضه الغرب قد نشأ مع المشروع الصهيوني؛ في إيجاد كيان لليهود تعترف به دول المنطقة. وقد كانت مقدماته اتفاقية سايكس بيكو 1916 ثم وعد بلفور 1917. ثم الحروب الكاذبة الهزلية المسرحية في السنوات (1948 - 1956 - 1967 - 1973 - 1982). فكل هذه الحروب كانت عبارة عن مقدمات لما هو آت من مشاريع الغرب؛ في عقد اتفاقات سلام مع كيان يهود، وفرض الأمر الواقع. وفعلا هذا ما حدث بعد الحروب الهزلية في كامب ديفيد سنة 1978 ومدريد 1990 وأوسلو 1993 ووادي عربة 1994. وما زالت المسرحيات والمؤامرات مستمرة لجعل كيان يهود جزءاً من المنظومة السياسية للشرق الأوسط، وجزءاً من جامعة جديدة؛ تشمل كل دول المنطقة بما فيها كيان يهود؛ وقد يطلق على هذه الجامعة (الجامعة الشرق أوسطية)، وهناك مخطط أبعد من ذلك لإيجاد قوة مشتركة من دول هذه الجامعة قيادتها من الغرب واليهود للوقوف في وجه الإسلام، وأي تغيير يحصل في المنطقة ضد الغرب.
4- إن حقيقة السلام التي فرضها الغرب بعد الحروب المصطنعة لم تلق أي قبول في المحيط الإسلامي. وهذا ما اعترف به رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو في 22/11/2017 في الذكرى الأربعين لتوقيع معاهدة كامب ديفيد حيث قال في مؤتمر أمام الكنيست: "إن الزعماء العرب حولنا ليسوا العقبة أمام توسع علاقات (إسرائيل) من خلال السلام، وإنما الرأي العام العربي"، وقال: "إن العقبة الكبرى أمام توسيع السلام؛ لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي". وأضاف أنه بدون اختراق الرأي العام العربي؛ فإن السلام سيظل باردا، ومع ذلك قال إن "السلام البارد أفضل من الحرب الساخنة". وهذا الأمر ليدلل بشكل قاطع أن سلوك المسلمين تجاه يهود لا يتغير أبدا وهو مستقى من عقيدتهم وأحكام دينهم، فلا تغيره أنظمة ولا معاهدات يفرضها الحكام.
5- إن مسألة بقاء كيان يهود هي رهن ببقاء الحكام العملاء، وبمجرد زوالهم فإنه ينتهي. لذلك يحرص الغرب على بقاء هذه الأنظمة العميلة له؛ لتحافظ على مصالحه أولا، وعلى كيان يهود ثانيا.
6- إن مشروع الأمة الحضاري هو فقط من يقضي على كيان يهود، ويخلص الأمة من شروره وليس السلام الكاذب ولا الحكام العملاء. وهذا المشروع قد أوشكت الأمة على الوصول إليه؛ حيث قطعت شوطا كبيرا في طريقه، ولم يبق سوى هؤلاء العملاء من أدوات الاستعمار وأذنابهم.
7- إن فلسطين ومحيطها عبر التاريخ هي مقبرة الغزاة؛ ففي العهد الصليبي كانت مقبرة للغزاة، وفي العهد المغولي كذلك، وسوف تكون مقبرة ليهود عما قريب، وستكون أيضا سببا في عودة الأمة لتاريخها وحضارتها بإذن الله.
رأيك في الموضوع