بعد إعلان إثيوبيا عن الانتهاء من مرحلة الملء الثاني للبحيرة التي تحتجز مياه نهر النيل الأزرق خلف السد، ظهر للناس بوضوح حقيقة الدبلوماسيات الفاشلة للقيادتين المصرية والسودانية في معالجتهما لأزمة السد، وظهر معها العجز السياسي الكامل الذي كشف عن فقدان الإرادة السياسية لمصر والسودان واعتمادهما في حل كل مشاكلهما بشكلٍ مطلق على أمريكا والمؤسسات الدولية.
إنّ الدول التي تملك ترسانة عسكرية كبيرة كمصر ولا تستخدمها في حالة الاحتياج لها تكون ترسانتها في هذه الحالة عبئاً عليها، فمصر التي تمتلك من كل أنواع القوة العسكرية عشرة أضعاف ما تمتلكه إثيوبيا لم تستخدم قوتها المتفوقة في مواجهة العدوان الإثيوبي المائي ضد مصر والسودان، وفي حين تنجح إثيوبيا في هذا الموضوع تفشل فيه مصر ومعها السودان فشلاً ذريعا، وبينما تُصنّف مصر في المرتبة الثالثة عشرة في التصنيف العسكري العالمي تُصنّف إثيوبيا في المرتبة الستين.
فمصر تمتلك من الجنود والطائرات والدبابات وسائر أنواع المعدات ما يزيد عن إثيوبيا في العدد وفي النوعية وفي التدريب بفروقات كبيرة، بينما إثيوبيا دولة شبه مفككة ولديها مشاكل عرقية ودينية وحروب أهلية لا حصر لها، وآخرها حرب إقليم تيجراي، ومع ذلك فموقفها في موضوع السد قوي ومتماسك ويعتمد على قوة الدولة الداخلية، بينما الموقف المصري هزيل جداً يعتمد على القوى الخارجية لتعينها في اتخاذ قراراتها.
وكالعادة جاءت الصفعة الشديدة لمصر والسودان من القوى الخارجية التي تُعول عليها الحكومتان المصرية والسودانية إذ جاءت من مجلس الأمن الذي خذلها في هذه القضية كما كان دائما يخذلها في قضاياها السابقة.
والأنكى من ذلك كله أنّ الإعلام المصري الحكومي المضلّل يستمر في تصوير الموقف المصري للرأي العام وكأنّه انتصار عظيم في مواجهة إثيوبيا، ويُصور وزير خارجيتها سامح شكري بأنّه أسد الوزارة، بينما كانت تصريحاته هزيلة جدا ومتناقضة، وكانت نتائج سياسات وزارته مُخيبة للآمال أسفرت عن انحياز روسيا والصين إلى جانب إثيوبيا إذ اعترفتا بأهمية السد لإثيوبيا، فيما شرعت روسيا بالتعاون العسكري معها، بينما أظهرت هذه السياسات الفاشلة للخارجية المصرية وقوف بقية البلدان المهمة على الحياد ظاهرياً، بمعنى أنّها مع إثيوبيا فعلياً.
ويمكن تحديد إخفاق الدبلوماسية المصرية في موضوع السد بالأسباب التالية:
1- الركون إلى أمريكا في اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة في كل ما له علاقة بالسياسة الخارجية.
2- الامتناع عن اتخاذ أي إجراء عملي ضد إثيوبيا مُنذ بدء الأزمة قبل أكثر من عشر سنوات، وتضييع تلك السنوات الطويلة من دون أي حراك فعلي، والاكتفاء بخوض المفاوضات السقيمة المضيّعة للوقت، والمشابهة لمفاوضات السلطة الفلسطينية العقيمة مع كيان يهود.
3- عدم استخدام القوة العسكرية مطلقاً، وعدم التلويح بها، والتأكيد بشكل مُطمئن لإثيوبيا على الخيار السلمي كخيار وحيد لمعالجة الأزمة.
4- التوجه بالأزمة نحو المنابر الدولية والإقليمية مثل مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي وآخرين.
5- اختلاف السياستين المصرية والسودانية في مواجهة الأزمة، وعدم تحركهما ككتلة واحدة وقوة واحدة منذ بداية الأزمة.
6- عدم متابعة وملاحقة الدول والشركات التي ساعدت إثيوبيا في بناء السد، وتهديدها منذ البداية، وتحذيرها من مغبة الاستمرار في دعم إثيوبيا.
7- عدم استخدام العمق العربي والإسلامي في مواجهة إثيوبيا منذ وضع اللبنة الأولى لبناء السد.
8- التراخي وعدم اتخاذ المواقف الحاسمة في هذه الأزمة انطلاقاً من قاعدة اتخاذ إجراء الحياة والموت في هذه القضية المصيرية كون الماء عنصر الحياة الرئيسي لأكثر من مائة وأربعين مليوناً يعيشون في مصر والسودان.
إنّ الحل الوحيد لهذه المشكلة يكمن في القيام بعمل عسكري عاجل وحاسم يُنهي سيطرة إثيوبيا نهائياً ليس على موقع السد وحسب، بل على جميع منابع نهر النيل، لا سيما وأنّ الأراضي التي بُني عليها سد النهضة بالذات تعود في الأصل لقبائل بني شنقول العربية السودانية التي منحها الإنجليز لإثيوبيا عام 1902.
إنّ مثل هذا الحل يكون سهلا جدا لو وجدت القيادة المبدئية التي تستند في قراراتها إلى قوة الأمة وذاتية أمانها وسلطانها، وهو ما يفرض على أهل القوة في مصر والسودان وغيرهما من بلاد المسلمين العمل الجاد على إزالة هذه النخب العميلة الحاكمة التي رهنت مصائر شعوبها لقرارات تُملى عليها من الكافر المستعمر، وأن يحل محلها قيادة إسلامية مبدئية حقيقية تتصدى لكل المؤامرات الدولية فتحبطها، وتفرض على العالم بأسره حضوراً سياسياً إسلامياً فاعلاً ينتصف للمظلومين، ويحمل مشاعل الهدى للعالم.
رأيك في الموضوع