سبع نقاط يجب أن توضع على الحروف تُثبت أن قضية فلسطين هي فرع عن القضية الأم، وأنها لن تجد حلّاً صحيحاً جذرياًّ ونهائياً إلا بعد قيام كيان جامعٍ للمسلمين وليس قبل ذلك، وأن مشكلة ضياع فلسطين والمسجد الأقصى مسرى رسول الله ﷺ وكيفية استرجاعها من يهود مرتبطة عضوياً بصراع الأمة الإسلامية مع الغرب الاستعماري الذي قضى على دولة المسلمين قبل نحو مئة عام:
1- بغض النظر عن الشرارة التي تسببت في هذه الموجة الجديدة من اعتداءات المستوطنين الأنجاس في القدس، وعما توفر من عوامل الصراع والتنافس داخل الوسط السياسي في تل أبيب، أو عن حالة الإحباط الشديد والاستياء الكبير في رام الله مقر سلطة عباس الوهمية بل وفي سائر الضفة الغربية في ظل انتهاكات يهود المستمرة، والأوضاع المزرية الناجمة عن حالة الانسداد الرهيب في قطاع غزة جراء الحروب السابقة وتداعيات الحصار المفروض عليه منذ سنوات عديدة، خصوصاً بعد إلغاء الانتخابات التشريعية الأخيرة أو تأجيل موعدها، أو حتى ما استجد لدى الإدارة الأمريكية الحالية في واشنطن من رغبة في فرض مسار جديد لما يسمى عندهم قضية الشرق الأوسط خصوصاً في مسألة تدويل القدس ومستقبل "عملية السلام".. فإن الأمر ملحٌّ في هذا الظرف لوضع قضية فلسطين والصراع مع كيان يهود على أرض الرباط في سياقها الصحيح، ومن ذلك ضرورة إبراز البون الشاسع بين المطالب الآنية الواقعية الملحة لجماهير الأمة الملتهبة غضباً المطالِبة برد العدوان، وبين الحل الجذري للقضية الذي يرضي الله ورسولَه ويشفي صدور قوم مؤمنين. خصوصاً أثناء القصف الوحشي بالصواريخ من الطائرات وغيرها على قطاع غزة حين تبلغ موجة مشاعر الصدمة والغضب والحزن أوجَها عند رؤية أعداد الشهداء في المجازر وتناثر الدماء والأشلاء، ومشاهدة القتلى والجرحى وحجم الدمار والأوضاع الكارثية التي نجمت عن الغارات، في ظل صمت مطبق من حكام المسلمين عدا جهود الوساطة وردود الأفعال المخزية ونداءات خفض التصعيد وضبط النفس وتصريحات الشجب والاستنكار والإعراب عن الاستعداد لإرسال المساعدات المالية والإنسانية وإعادة الإعمار، وفي ظل ابتهاج يهود وتراخي "المجتمع الدولي" المنحاز. وفي هذه الحالة من المواجهة والاشتباك ماذا تُغني التظاهراتُ والوقفات والاحتجاجات أمام السفارات فضلاً عن المقاطعات والتغريدات والتعليقات؟
2- الغرب ممثلاً في بريطانيا أولاً ثم في أمريكا الآن هو مَن أوجد الكيان المسخ وغرسه في المنطقة ويمده منذ نشأته بالحياة ويوفر له بشكل مستمر وسخي كل الحماية والدعم كقاعدة متقدمة له في قلب بلاد المسلمين لخدمة مصالح أمريكا أولاً والغرب عامةً، ومن أهم ذلك منع عودة دولة الخلافة الموحدة للأمة والمفعلة لكل طاقاتها. النقطة الجوهرية إذن هي أن نشوء الكيان جاء على خلفية تكريس وبسط الهيمنة الاستعمارية الغربية على كل البلاد وعلى الشعوب الإسلامية كافةً عقب الإجهاز على الكيان الجامع والممثل للمسلمين على المستوى العالمي عام ١٩٢٤م. وهذا تحديداً هو ما يجب ألا يغيب أبداً عن ذهن كل مسلم على وجه الأرض، وهذا هو قطب الرحى في الصراع، كما أن إغفاله سيعني حتماً أن الصراع سيكون جانبياً.
3- منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لأهل فلسطين وفق الشرعة الدولية أنشئت عام ١٩٦٤ خصيصاً لتقزيم القضية مع الوقت، بتحويلها من قضية إسلامية مرتبطة بالعقيدة الإسلامية إلى قضية وطنية تخص أهل فلسطين فقط، مقابل دولة مدعومة من دول العالم كلها بكل أشكال الدعم عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً ودبلوماسياً، وهو ما يفسر صلف قادة الكيان المسخ بشكل قد يبدو أحياناً في الظاهر تحدياً لإرادة المجتمع الدولي أو للإدارة والإرادة الأمريكية نفسها.
4- وكل بضع سنين يتكرر المشهد المروع ويتجدد القصف الوحشي من البر والبحر والجو من الكيان المسخ على غزة البطولة والصمود، وتتكرر المأساة! ثم تَـحُل جراء ذلك الأوضاعُ الكارثية خاصةً على أهل القطاع بعد انقطاع الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وجميع أسباب الحياة، ويتصدر إعلاميو الجزيرة وأخواتها عملية إحصاء وتيرة القصف وعدد الغارات والشهداء وأعداد الجرحى خصوصاً من المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء والأبراج المهدمة والبنايات السكنية والمستشفيات المدمرة. وبعد انتهاء كل مواجهة يتساءل الإعلام: من المنتصر في الحرب؟ ثم يُتوصل بعد جهود الوساطة والاتصالات الحثيثة إلى هدنة ثم تهدئة.
5- إن مما يجدر لفت النظر إليه في هذا الظرف العصيب هو مسألة جعل حركة حماس التي نشأت عام ١٩٨٧ على خلفية لزوم تمثيل التيار الإسلامي في فلسطين في مقابل التيار العلماني الوطني والقومي أو إلى جانبه، أو بالأحرى جعل ذراعها المسلح ومعه بعض أذرع الفصائل الأخرى، هو الذي يواجه غطرسةَ العدو وترسانته عسكرياً تحت شعار المقاومة من غزة المحاصرة، بدل الأمة كلها بتحميل المسؤولية لكل الدول القائمة في بلاد المسلمين، أي لحكامها وبالأخص لقادة جيوشها، هذه الجيوش المتكونة في أغلبها من أبناء الأمة التواقين للاستشهاد في سبيل الله على درب السلف من أجل دحر العدو الظالم ومَن وراءه من أعداء الأمة وحل القضية حلاًّ جذرياًّ بافتكاك فلسطين من أنياب المستعمِر الغربي الغاشم. نقول هذا ونحن نعلم وندرك تماماً مدى ارتباط كافة الأنظمة بالغرب هي الأخرى! وهنا مربط الفرس، إذ إن كثيراً ما يغلب على أصحاب الواقعية السقيمة الحلولُ الفردية الآنية في الصراع خصوصاً أثناء المواجهة وسيلان الدماء بحجة أن حكام المسلمين لا يُنتظر منهم شيء لنصرة القضية كونهم عملاء للغرب ميؤوساً من أمرهم، وأن الشعوب تائهة مغلوب على أمرها، وهو ما يعني في نظرهم وجوب الانصراف عن هؤلاء الحكام إلى ما باستطاعة أفراد الشعوب المسلمة وآحاد الأمة تقديمه من مساعدة كل على مستواه نصرةً لأهل فلسطين! فهل يصح هذا الطرح الواقعي الذي يتجاهل وجوب التصدي جماعياً من خلال الأحزاب والتكتلات السياسية وجيوش الأمة بوجه خاص لإزاحة هؤلاء الحكام، كما يتجاهل كلياً خلفية نشأة كيان يهود ذاته على أرض فلسطين، لتتكرر المأساة بكل آلامها وويلاتها في مشهد رهيب مروع بعد كل بضع سنوات، ولا يتحقق في حقيقة الأمر بعد كل مواجهة على أرض الواقع شيء كبير مما تصبو الأمة إليه في فك هذه القضية بعد كل تلك التضحيات بالأرواح والشهداء، في لعبة سياسية دولية يجري استخدامها فيها من كل الأطراف إقليمياً ودولياً لصرف الأذهان والجهود عن قضية الأمة الأساسية، التي تتحرر بها كل بلاد المسلمين ومنها أرض الإسراء والمعراج وتنفك بها عن الأمة سائرُ القيود والأغلال وتدك بها كل عروش الطغاة، ألا وهي وجوب إعادة دولة المسلمين أولاً.
6- ثم يجب التنبيه إلى أن الصراع في فلسطين ليس هو فقط صراعاً من أجل تحرير الأرض على أساس الفكرة الوطنية السخيفة واسترجاع الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة على أرضه أو على جزء منها وفق القرارات الأممية. كما أن القضية ليست قضية انسحاب من أرض يجب أن تعود إلى أهلها وعودة اللاجئين أو بعضهم ثم ينتهي الصراع، بل هي أكبر وأعظم من ذلك بكثير! وهنا تبرز سخافة من ينشد إقامة دولة بمرجعية وطنية تستمد وجودها من الشرعية الدولية المعادية للإسلام بعد استرجاع بعض فلسطين عبر النضال الوطني سواء بتوحيد الصف الفلسطيني في مفاوضات ما سمي "عملية السلام" وعبر تفعيل الوحدة الوطنية بين أبناء فلسطين بما في ذلك فلسطينيي الداخل والخارج، أو بتحقيق وَهم إنهاء الانقسام بين الضفة والقطاع، خصوصاً إذا علمنا أن السلطة الوطنية نفسها التي انبثقت عن اتفاقات أوسلو أو ما سمي رسمياً اتفاقية إعلان المبادئ عام 1993 بين كيان يهود ومنظمة التحرير الممثِّلَة للشعب الفلسطيني في الهيئات الدولية والإقليمية رغماً عنه وبإرادة غربية خصوصاً أمريكية، هي صناعةٌ غربية تنسق سياسياً وأمنياً مع يهود أعداء الأمة!
7- إذاً بالنتيجة حتى لو انسحب الاحتلال كما يسمى في الإعلام من كل فلسطين وقامت على أرضها دولة عربية أخرى معترَف بها دولياً بمرجعية وطنية وعضوية كاملةٍ في منظمة الأمم المتحدة تُضاف إلى الدول القائمة الآن، وبجواز سفر فلسطيني وسَفارات في كل دول العالم تَرفع عَلم فلسطين. وحتى لو عادت الأرض أو بعضُها إلى أهلها ومنها شرق القدس كما يطالب (ممثلو الشعب الفلسطيني)، وحتى لو تحقق حق العودة للاجئين أو بعضهم.. فلن يكون ذلك محققاً للمطلوب ولا قريباً منه!
بقلم: الأستاذ عبد العليم المهندس – الجزائر
رأيك في الموضوع