تابع الناس في الأيام الماضية سلسلة من الأحداث بدأت يوم السبت الموافق 3/4/2021م بزعم النظام تعرض أمنه واستقراره لمؤامرة، قام على إثرها بحملة اعتقالات وإصدار بيانات رافقها ظهور تسريبات ثم تدخل وساطات ليخرج رأس النظام الملك عبد الله الثاني يوم الأربعاء الموافق 7/4/2021م برسالة مكتوبة نشرت في وسائل الإعلام؛ يقول فيها "إن الفتنة وئدت، وأن أردننا الأبي آمن مستقر"، ولا يخفى على المتتبعين للأحداث بدقة ووعي، ما يعانيه النظام في الأردن - منذ ولادته على يد الإنجليز - من أزمات متلاحقة تأخذ بعضها برقاب بعض، ولن تكون هذه آخر أزماته، لأن ما يعانيه هذا النظام هو أزمات وجود وحكم وسياسة واقتصاد...الخ، وهي نتيجة طبيعية لنبذه أحكام الإسلام من تسيير حياة الأفراد والمجتمع والدولة، وخضوعه لنفوذ الكافر المستعمر الذي قام بتجزئة بلاد الإسلام واقتطاع الأردن من أصلها الطبيعي بلاد الشام.
يدرك أهل الأردن أن النظام في الأردن يتردى في أزمة حكمه وهو ساقط لا محالة، وقد حفزت الأحداث الأخيرة في الأردن مواطن التفكير بالتغيير عند العامة والخاصة على حد سواء، لكنهم - للأسف - ما زالوا يتخذون الواقع مصدرا لتفكيرهم بدل أن يكون محل تفكيرهم، فخرجت الأطروحات للتغيير من جنس الواقع الذي يفكرون في تغييره، من شاكلة تغيير وجه الحاكم، أو تغيير نهج الحكم، أو ملكية دستورية،... وغيرها من الطروحات، وأمام هذا الواقع لا بد من قراءة واعية لما يحدث في الأردن خاصة على يد هذا النظام الفاسد، وكيف أوصل البلد لهذا التردي الذي لا تخطئه عين مراقب، فيكون الحديث منصباً على الأسباب وطرحاً للحلول، ليستبين أهل الأردن موضع الداء ومكمن الدواء؛ وهنا يبرز السؤال الرئيس ما هي الأسباب التي أوصلت الأردن لهذه الحالة من التردي على جميع الأصعدة وما هو العلاج؟
أولاً: تخلي أهل الأردن وخاصة أهل القوة؛ شيوخ القبائل قديما عن سلطانهم (الحق في اختيار الحاكم) للمستعمر الكافر بريطانيا، عندما تنازلوا عنه بالترغيب والترهيب الذي مارسه كلوب باشا البريطاني (أبو حنيك)، فأصبحت بريطانيا من ذلك التاريخ هي التي تمارس حق اختيار حاكم الأردن، وإن غلفته بدستور وأنظمة وقوانين كاذبة لتوهم أهل الأردن بأن السلطان بيدهم، وما فساد النظام الأردني وتجبره وتغوله على أهل البلد إلا لقناعته بأن السلطان بيد بريطانيا فلذلك لا يقيم وزناً لشكوى وتظلم الناس من ظلمه وفساده، فالحكم في الأردن استند إلى بريطانيا ثم إلى أمريكا وهما دولتان استعماريتان تتصارعان على المكاسب في بلادنا، لذلك جعل النظام همه تنفيذ وتحقيق مصالح الغرب الذي يعطيه السند للاستمرار في الحكم، وهذا النظام لم ولن يعمل لمصالح أهل الأردن لأنه لا يستند إليهم في وجوده وشرعيته، ولن ينصلح حالهم إلا إذا استردوا سلطانهم الحقيقي باختيار الحاكم.
ثانياً: إن الفساد في الحكم والتأخر في الدولة يأتي من الفكرة التي تقوم عليها، وهي فصل الدين عن الحياة، فقد جعل النظام العلمانية هي القاعدة الفكرية الأساسية التي تستند إليها سياسات الدولة وتوجهاتها وقوانينها، فأفسد حياة الناس ومعاشهم، وليس لأهل الأردن من سبيل لتغيير ما هم فيه إلا بإسقاط هذا النظام وإقامة حكم وسلطان الإسلام.
ثالثاً: قيام النظام بالجمع بين القوة والسلطة، وهذه مفسدة ما بعدها من مفسدة لأن هناك فرقاً بين القوة والسلطة، فالقوة أداة للتنفيذ ممثلة بالجيش وما يتبعه، والسلطة رعاية شؤون الناس والتصرف في مصالحهم، وهذا النظام خلط بين القوة والسلطة؛ خدمة لأمنه وحفاظاً على نفوذ من نصبه، فأدخل الجيش في جميع مناحي الحياة لدرجة أن يستخدم قائد الجيش كساعي بريد في موقف مذل مهين وأن يسلم عميداً في الجيش وزارتي الداخلية والصحة، فأفسد الجيش وأفسد السلطة، فالواجب أن تنشغل القوة بمهامها من حماية البلاد والعباد، وتنشغل السلطة في رعاية شؤون الناس والتصرف في مصالحهم، فكيف لهذا النظام أن تتكون لديه عقلية حكم وهو موظف ينتظر إملاءات السفارات الغربية وقراراتها؟!
رابعاً: مراهنة البعض على الدول الغربية لإحداث حالة تغيير في البلد، وإنه مما يبعث الأسى أن يكون في من يدعو للتحرك في الشارع من يظن خيراً في أمريكا أو بريطانيا أو غيرهما، ويظن أن هذه الدول ستترك أهل الأردن يعالجون أزماتهم علاجاً جذرياً أو يعالجون الأزمة السياسية علاجاً ناجحاً، فلا بد أن يكون واضحاً في ذهن أهل الأردن أن هذه الدول لا يرتجى منها خير فهي أس الداء والارتباط فيها هو الموت الزؤام، بل ستوجِد شتى العراقيل ومختلف الصعوبات للحيلولة دون معالجة أزمات بلادنا، وستعمل على بث وترويج أفكار تثير الاضطراب والقلاقل وتُعمّق الفجوة بين أهل الأردن.
فإذا أراد أهل الأردن العلاج الناجع فما عليهم إلا أن يستردوا سلطانهم المسلوب ويعملوا على تغيير النظام من جذوره تغييرا انقلابيا شاملا بحيث لا يبقى لأنظمته الوضعية الحالية أي أثر، وهذا يشمل تغيير الدستور والقوانين وجميع أنظمة الحياة، واستبدال نظام الخلافة به، بحيث تكون العقيدة الإسلامية هي الأساس الذي ينبثق عنه الدستور والقوانين وجميع الأنظمة؛ وذلك باختيار خليفة للأمة الإسلامية جميعها تبايعه على أن يحكمها بالكتاب والسنة مقابل طاعته في المنشط والمكره، خليفة ينطبق عليه وصف الرسول ﷺ حيث قال: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ» خليفة يكون درعا واقيا للأمة لا ناهبا لخيراتها منكلا بها، يقول الرسول ﷺ: «وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» رواه البخاري.
وفي الختام نقول إنه لمن المحزن أن تكون بلادنا ساحة لصراع المرتبطين بالسفارات الأجنبية، ينفذون أجندتها، ويتآمرون على البلاد والعباد، ويعادون الإسلام وأنظمته، ولا يدخرون جهداً في إذلال شعبهم ونهب مقدراته، وأهل القوة قادرون على التغيير عليهم، ولن يكون التغيير حقيقياً إلاّ إذا لُفظت جميع الأنظمة الوضعية الباطلة ورُفضت نماذج الحكم المختلفة من ملكية وملكية دستورية وجمهورية، وقُطعت خيوط السفارات التي تحرّك الدمى على المسرح، ولا يكون ذلك إلا بتبني الإسلام العظيم، والوعي عليه، والعمل لإيصاله إلى سدة الحكم تحت قيادة حزب التحرير. وإن ذلك لكائن بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستجعل الإسلام موضع التطبيق وتقصي العملاء وتدحر المتآمرين وتحافظ على ثروات البلاد وتقضي على كيان يهود، فكونوا مع العاملين لها. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
رأيك في الموضوع