قال بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني إن الملك عبد الله الثاني كلف يوم الأربعاء الموافق 7 تشرين الأول 2020 الدبلوماسي والقانوني بشر الخصاونة بتشكيل الحكومة الجديدة، خلفا لعمر الرزاز الذي استقالت حكومته، وكان الملك قد قَبِلَ يوم السبت 3 تشرين الأوّل 2020م استقالة حكومة الرزاز وكلفه بتصريف الأعمال لحين اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة جديدة، وبهذا التكليف تكون حكومة بشر الخصاونة هي الحكومة رقم 102 في تاريخ الكيان الأردني الذي أوجدته بريطانيا بعد هدمهم دولة الخلافة العثمانية، ليكون بشر الخصاونة هو رئيس الوزراء الثالث والأربعين لهذا المنصب، ويُعَدّ الأردن بذلك من أكثر دول العالم تشكيلا للحكومات واستبدالا للوزراء، بحصيلة تبلغ تقريباً 750 وزيراً لحد الآن، أي أن العمر الإجمالي للحكومات في الأردن لا يزيد عن عام ونصف تقريباً! ويدل قصر عمر الحكومات وكثرة التغيير على عدم الاستقرار السياسي للدولة.
يلحظ المدقق لنهج تغيير الحكومات في الأردن أن النظام يلجأ إلى تغييرها في حالتين: إما أن الحكومة قد أضرت بمصالح مشغليه أو مصالح رؤوس الأموال الذين يمثلون مصالح الدول الاستعمارية فيه فيقيلها، وكمثال قريب حكومة هاني الملقي على هذه الحالة؛ حيث تحالفت قوى المال وخاصة البنوك على الإطاحة به، وأما الحالة الثانية وهي الأكثر شيوعاً في الأردن أن النظام عندما تتكشف سوءته وسوء رعايته أمام شعبه يعمد لعملية قيصرية عاجلة يقدم فيها رئيس الوزراء وبعض المسؤولين الفاسدين "كبش فداء" إنقاذاً لحكمه، وقد نجح النظام في الأردن بالمراوغة السياسية أن يجعل تغيير الحكومات كعلاج لأزمات البلاد المتلاحقة، ونجح في تحميلها جميعاً أزماته وإخفاقاته وسوء رعايته للناس وقضاياهم، بل وحملها وزر خيانته وعمالته للغرب المستعمر، فبعد كل نكبة أو نكسة أو خيانة أو أزمة يعمد النظام في الأردن إلى إقالة حكومة وتكليف حكومة أخرى، موهماً ومضللاً الناس أن سبب الأزمات هو الحكومات التي لم تحسن القيام بما كلفت به، متنصلاً بذلك من مسؤليته المباشرة...
فالمادة (48) من دستور هذا النظام تنص على أن "يوقع رئيس الوزراء والوزراء قرارات مجلس الوزراء وترفع هذه القرارات إلى الملك للتصديق عليها"، إذاً من السخف أن يقال بأن الحكومات في الأردن هي التي تحكم وأن هناك حكماً جماعياً وقيادة جماعية، فالقيادة لا تكون إلا فردية والحكم لا يكون إلا فردياً، ويستحيل عملياً وجود قيادة جماعية أو وجود حكم جماعي، والنظام الرأسمالي الديمقراطي الذي يدعي جعل الحكم بيد الوزارة وأوجد مجلس وزراء ليكون الحكم جماعياً، لم يكن عملياً في يوم من الأيام، ولم يكن الحكم للوزارة ولا في بلد من البلدان، وإنما كان الحكم واقعياً بيد الحاكم حصراً، فالحكم في الأردن لم يكن فيها حقيقة إلا بيد شخص واحد وهو الملك، ولم يكن الحكم بيد الوزارة مطلقاً إلا شكلاً أو بالاسم، فالمشاهد المحسوس عندما تتغير الحكومات في الأردن يبقى الواقع المعيشي على سوئه بل يزداد سوءا، فمديونية البلد تتعاظم، والفساد المالي والإداري يزداد انتشاراً، والوضع الاقتصادي يزداد تأزما، وتتفاقم البطالة والمشاكل الإنسانية، وهذا يؤكد بأن المشكلة الأساسية ليست في الحكومات فقط وإنما تكمن في النظام، ولهذا يجب أن تكون هناك جرأة بتحميل مسؤولية الفشل والحالة التي وصل لها الأردن من تدهور على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية للملك مباشرة ولتطبيقه النظام الرأسمالي الفاسد.
إن هروب النظام من حقيقة الأزمة التي يعيشها وهي تطبيق الدولة للنظام الرأسمالي واتباعه للإملاءات الخارجية في الحكم والسياسة، واستجابته المطلقة لوصفات صندوق النقد الدولي، وتعليق الفشل والعجز على شماعات الحكومات وأشخاصها، هو محاولة لتغييب الحقائق والكذب على الناس؛ لأن المشكلة هي في أصل النظام الرأسمالي الذي يُطبَّق على أهل الأردن، ومهما حاولت الحكومات الكذب وتغيير الحقائق وتضليل الناس بالتغيير والتعديل فلن ينصلح حالها؛ فالمشكلة ليست في تغيير الوزراء، ولا في تغيير أسماء الحكومات، فكم من مرة غيَّرت الحكومة جلدها لتظهر على غير حقيقتها كما تفعل الأفعى التي تغيّر جلدها ولكنها تبقى أفعى؟ لأن التغيير كان في الأشكال والأشخاص ولم يكن تغييراً لأصل النظام الذي فشل في علاج المشاكل، فأوصل البلاد إلى حافة الانهيار؛ من مديونية خيالية، وفساد متجذر في كل المفاصل، ومشاريع وهمية أفقرت البلاد والعباد...
إذاً الأردن لا يحتاج إلى حكومة جديدة، ولا إلى انتخابات ديكور تزين سوءة النظام، بل يحتاج إلى قيادة قوية، ومشروع سياسي ينبثق من عقيدة الأمة ولا يرتهن مُطبِّقوه للغرب، وإن حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله ليمتلك القدرة والكفاءة لإخراج الأردن وغيرها من بلاد المسلمين من نير فساد وظلم المبدأ الرأسمالي الذي يتكسب العملاء بتطبيقه علينا خدمةً للكافر المستعمر، ويمتلك حزب التحرير المشروع الإسلامي الخالص الجاهز للتطبيق، والأمة تتوق لهذا اليوم الذي تستعيد فيها سلطانها ممن اغتصبوه وتعيد مسيرة عزها بتطبيق شرع ربها في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: الأستاذ عمر محمد الفاروق
رأيك في الموضوع