قام الرئيس التركي أردوغان بزيارة إيران يوم 7/4/2015 في ظلال اشتداد الأزمة في اليمن وقيام تحالف من عشر دول بشن غارات جوية ضمن ما أطلق عليه عاصفة الحزم بقيادة السعودية وبتأييد تركيا، وقد سبقها بليلة زيارة ولي ولي العهد السعودي لتركيا ولقائه أردوغان مما يدل على أن الزيارة تعلقت باليمن أكثر. وتصريحات روحاني في المؤتمر الصحفي المشترك تؤكد ذلك حيث قال: "نحن متوافقان على ضرورة السيطرة على عدم الاستقرار وانعدام الأمن والحرب في المنطقة، تطرقنا إلى الأوضاع في العراق وسوريا وفلسطين وكان لنا نقاش أطول حول اليمن. نعتقد بضرورة إنهاء الحرب في أسرع وقت والتوصل إلى وقف شامل للنار ووقف الهجمات، البلدان يعملان بمساعدة دول أخرى في المنطقة لإقرار السلام والاستقرار وتشكيل حكومة موسعة في اليمن". وقد أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين: "سيبحث (أردوغان) أهم التطورات في المنطقة وخاصة سوريا والعراق واليمن".
لقد تطورت العلاقات بين النظامين في تركيا وإيران على عهد أردوغان الذي زار إيران العام الماضي، وأعلنا عن عقد اتفاقتي التعاون الاستراتيجي والتجارة التفضيلية. ولذلك وقعا في الزيارة الأخيرة ثماني اتفاقيات لتعزيز العلاقات بينهما ليتمكن أردوغان من التغطية على ما يقوم به مع إيران في المنطقة، فلا يستطيع أحد الاعتراض على هذه العلاقة لأنها تجلب الأرباح. ولهذا قال وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو يوم 6/4/2015: "إن إيران دولة شقيقة ومهمة بالنسبة لتركيا رغم الاختلاف الفكري بينهما في بعض المسائل. وإن علاقات ثنائية قوية تربط بين البلدين، وإنه ليس من حق أحد الاعتراض على العلاقات والروابط التي تربطهما". وكأن هناك من يعترض على هذه العلاقة المتينة فيعنفهم بهذا القول.
فهذان النظامان متوافقان ومتعاونان، ويقوم كل منهما بدوره المرسوم له في تنفيذ مشاريع أمريكا، وقد ثبت سيرهما في خطها. وفي زيارة أردوغان السابقة لإيران أعلن الجانبان عن "توافق تام على التزام التعاون بينهما لحل الأزمة في سوريا". ولهذا لم يقم أردوغان بالتصدي لإيران القادمة من مسافات بعيدة لتحارب بجانب طاغية الشام وبلاده محاذية لسوريا، وإنما يخادع الناس بمعسول الكلام مثل "لن نسمح بحماة ثانية" وقد ارتكب الطاغية وتسنده إيران وأتباعها في كل مدينة وبلدة وقرية حماة ثانية وثالثة ورابعة... وقد أيدت تركيا حملة النظام العراقي الموالي لأمريكا في عملية تكريت وأرسلت طائرتين محملتين بالأسلحة لها. مع العلم أن إيران هي التي نفذتها بمباركة أمريكية فقادت الحشد الشعبي من المدفوعين بالحقد الطائفي.
وفرضت قضية اليمن نفسها على المباحثات بينهما، وذلك للبحث عن مخرج لعملاء أمريكا هناك حيث دخلت جماعة الحوثي في مأزق بعدما لم تستطع أن تفرض ما تريده على هادي ولم تستطع أن تشكل مجلسا رئاسيا، وقد تمددت، فلم تعد تقدر على ضبط الأمور، وهذا الوضع أصبح ينقلب عليها، فعندئذ أرادت أمريكا إنقاذ الحوثي من هذا المأزق لتجبر الطرف الآخر على قبولها مرة أخرى والتفاوض معها. فأوعزت لعميلها سلمان ملك آل سعود ودعمته بعملائها في المنطقة وبتأييد تركيا ليقود عملية عسكرية هناك لهذا الغرض. ولكن السعودية أصبحت متورطة وتبحث عن كيفية للخروج من هذا التورط الذي ربما يطول فتنقلب الأمور عليها، ولذلك جاء ولي ولي عهدها إلى تركيا ليجتمع مع أردوغان. ولذلك قال وزير خارجية تركيا إن "تركيا جاهزة للعب دور مهم من أجل حل الأزمة اليمنية وإنها على استعداد للعب دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة والمساهمة في تقريب وجهات النظر بينهم".
أما بالنسبة لما حصل بين تركيا وإيران من تلاسن فقد كان للتغطية على حقيقة الدور التركي لخداع الرأي العام، حيث قال أردوغان يوم 26/3/ 2015: "إيران تبدو وكأنها تريد أن تجعل المنطقة تحت هيمنتها وسيطرتها فهل يسمح لها بذلك. إن السلوك الإيراني لا يمكن تحمله"، وكذلك خرجت أصوات في إيران تهاجم أردوغان حتى طالب 65 عضواً في البرلماني الإيراني رئيس جمهوريتهم بإلغاء زيارته لإيران. ورغم ذلك أصر الرئيس الإيراني على قبولها والترحيب بها لأنه يعلم حقيقة الدور التركي برئاسة أردوغان وتوجهاته التي تتطابق مع توجهاته ويسيران في الخط الأمريكي نفسه فبسط له "السجادة الحمراء" وسار وإياه ممسكا بيده لافتا الأنظار إلى هذا التصرف غير المعهود بين الرؤساء. مما يدل على مدى رغبة إيران في لقاء أردوغان ليقوم بدور للخروج من مأزق اليمن لتنقذ أتباعها. وقد خفف أردوغان لهجته في المؤتمر الصحفي المشترك فقال: "ناقشنا وضع العراق الذي يجعلنا نبكي دما إذ قتل 100 ألف شخص هناك ودمر تراثه التاريخي والثقافي، وفي سوريا قتل أكثر من 300 ألف مسلم ولا نعلم مَن يقتل مَن. لا أتحدث عن القضايا المذهبية، إذ لا يهمني هل هم شيعة أو سنة، لأن المهم بالنسبة إلي هم المسلمون والإسلام. علينا إنهاء سفك الدماء وجمع المتقاتلين ويمكننا تحقيق نتيجة".
فزيارة أردوغان لإيران في هذه الظروف لها أبعاد تتعلق بما يجري في المنطقة للتنسيق بين الطرفين وهما يسيران في الخط الأمريكي وينفذان مشاريع أمريكا. وقد ظهر ذلك التنسيق جليا في العراق وهو حاصل في سوريا حيث أعلنا عن توافقهما التام، والآن أتى موضوع اليمن حيث أعلنت تركيا أنها جاهزة للعب دور الوساطة حتى تنقذ الحوثي من مأزقه والسعودية من ورطتها فتسهل لأمريكا تطبيق مشاريعها في اليمن.
رأيك في الموضوع