التبعية السياسية لها سمات ومُقوّمات كما لها مُستلزمات ومُكمّلات، وتتركز هذه العناصر في الطبقة الحاكمة وفي الوسط السياسي المتحالف معها، وإذا كانت موالاة الأجنبي والعمالة للدول الكبرى وخيانة الشعوب وعشق السلطة من أبرز سمات ومُقومات التبعية السياسية، فإن النفاق والغباء السياسيين هما من أبرز مُستلزماتها ومن أهم مُكمّلاتها.
ولو أخذنا أمثلة حيّة وحديثة على النفاق والغباء السياسيين لوجدناها كثيرة وتُلاحظ بشكلٍ يومي، ولكننا في هذه المقالة الموجزة سنكتفي بتناول ثلاثة أمثلة منها تجسد هذا النفاق والغباء:
المثال الأول: من المغرب ويتعلق بحزب العدالة والتنمية المشارك في الحكم في المغرب والمحسوب على الإسلاميين، إذ عندما قامت الإمارات والبحرين بإقامة العلاقات الدبلوماسية والتطبيع مع كيان يهود قبل شهرين تقريباً انبرى رئيس وزراء المغرب سعد الدين العثماني وهو الذي يترأس حزب العدالة والتنمية ذا المرجعية الإسلامية، انبرى مُهاجماً التطبيع بشدة، وأعلن بكل تحدٍ النأي بحكومته عن سلوك طريق المطبعين ومهما كانت الظروف.
ولكن عندما قرر ملك المغرب محمد السادس قبل أيام انخراط مملكته في عملية التطبيع مع كيان يهود تغير موقف العثماني، وبدأ يبحث عن حجج وذرائع ليبرر بها موقفه الخياني الجديد المناقض لموقفه السابق، فجمع كبار أعضاء حزبه في ما يسمى بالأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وخرج على الناس ببيان مليء بالنفاق والغباء! ومما جاء فيه باختصار:
1- الاعتزاز والثقة بقيادة الملك المغربي المتبصرة والحكيمة وما أفرزته من تحولات استراتيجية عظيمة.
2- تأييد البيان الرئاسي الأمريكي باعتبار الصحراء الغربية جزءاً من المملكة المغربية وما ينتج عنه من تقوية للموقف المغربي في الأوساط الدولية ومن إضعاف لخصوم المغرب.
3- تأكيد تعبئة حزب العدالة والتنمية للجماهير للوقوف وراء موقف الملك لترسيخ سيادة المغرب على الصحراء.
4- التنويه بمواقف الملك الثابتة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين بصفته رئيساً للجنة القدس وقيامه بالاتصال بمحمود عباس ودعمه.
5- التذكير بمواقف حزب العدالة والتنمية الثابتة في دعم الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، والتمسك بالشرعية الدولية.
هذه هي أبرز النقاط الواردة في بيان الحزب، وواضح فيها مدى النفاق الظاهر للملك، وظاهرٌ فيها حجم التملق السياسي لقراراته، كما وظهر فيها قدرة الحزب على التلون بمواقف تتواءم مع رغبات الملك المعروف بعلاقاته القديمة مع كيان يهود.
وبرز نفاق الحزب أيضاً في مدحه للبيان الرئاسي الأمريكي الصادر عن الرئيس الأمريكي ترامب والذي يعتبر من أشد الرؤساء عداوةً للإسلام والمسلمين، والإيهام بأنّ البيان الرئاسي الأمريكي يصب في مصلحة الشعب.
لقد كان بيان حزب العدالة والتنمية هذا أبعد ما يكون عن الثوابت الإسلامية، واختزل الإسلام في الشؤون المغربية المحلية، ولم يرتكز على أية مرجعية إسلامية كما يزعم الحزب، فأضاف إلى نفاقه غباءً بلا حدود!!
المثال الثاني: من الإمارات وبالذات من الفريق ضاحي خلفان الرئيس السابق لشرطة دبي، والذي لا يكف عن إطلاق التصريحات المثيرة للاشمئزاز، والتي كان آخرها لافتاً في نفاقه وغبائه، حيث دعا إلى ضم كيان يهود وإيران إلى الجامعة العربية، كما دعا العرب إلى التكفل بأمن دولة يهود، وزعم أنّ أمنها هو جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة، فهذه التصريحات هي نموذج آخر واضح لمزيج من مُستلزمات النفاق والغباء.
المثال الثالث: من إيران وبالذات من رئيسها حسن روحاني الذي شنّ هجوماً لفظياً عنيفاً ضد الرئيس الأمريكي ترامب وهو الذي سيغادر منصبه في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير المُقبل، واصفاً إياه بالإرهابي والمجرم والمارق فقال: "نحن سعداء جداً لرحيل ترامب المجرم الذي كان أكثر رجل ينتهك القانون، ولم يرحم إيران حتى في قضية شراء لقاح كورونا"، فيما أعرب عن أمله في إنصاف الرئيس المنتخب جو بايدن لإيران، والذي يأمل منه أن يُعيد أمريكا إلى تعهداتها السابقة، فقال: "إنّ الصوت الذي منحه الشعب الأمريكي لبايدن هو صوت التمسك بالقانون والالتزام بالتعهدات وليس انتهاك القوانين"، وأضاف مُستميلاً إدارة بايدن القادمة بالقول: "إنّ إيران تُريد الأمن والسلام والاستقرار في كافة أنحاء العالم".
فروحاني في هذه التصريحات يُنافق بايدن ويهاجم خصمه، ظناً منه أنّ السياسة الأمريكية قد تتأثر بتصريحاته الغبية، ولم يعلم أنّ السياسات الأمريكية الخارجية هي سياسات دولة وليست سياسات أشخاص.
إننا كأمّة إسلامية نحتاج إلى دولة إسلامية مبدئية تتخذ قراراتها بناءً على مصالحها المستمدة من أحكام دينها، ويمتاز ساسة هذه الدولة بالفراسة والوعي الثاقب، فيتتبعون الأحداث والأخبار في كل أنحاء المعمورة، وينظرون إلى العالم من زاويةٍ خاصة تعتمد على حمل رسالة الإسلام إلى الناس كافة، ويُحللون ويُمحصون، ثمّ يتخذون القرارات بعد ربطها بملابساتها وظروفها ربطاً مُحكماً، لا يحسبون أي حساب للأعداء، ولا يخشون في الله لومة لائم، يُقارعون قوى الشر والكفر والعدوان بإمكانيات الدولة الإسلامية العالمية، فيثيرون الرعب في قلوب أعدائهم، ويحققون بالأعمال السياسية ما لا يتحقق بالأعمال العسكرية، ولا همّ لهم سوى حماية الأمة الإسلامية، ورفع مكانتها بما يتناسب مع كونها خير أمّةٍ أخرجت للناس، ويحملون الدعوة الإسلامية بوصف ذلك الحمل وظيفة الدولة الرئيسة، ولا يترددون في خوض غمار الحروب، واضعين نصب أعينهم شيئاً واحداً، ألا وهو رفعة شأن الإسلام ونشره بين الأنام.
رأيك في الموضوع