لم يدر في خلد السراج ومن دفعه ليأتي إلى أنقرة ويستعين بها أن الدعم سيكون منقوصا حتى منتصف الطريق ولغايات رسمها أردوغان وأمريكا. فظن أنه سيستفيد من هذا الدعم بدفع حفتر عميل أمريكا عن العاصمة ومن ثم تخليص ليبيا من شره ليستقر له الوضع، وهو يظهر أنه قد رمى نفسه في أحضان تركيا فيوهم الأخيرة بأنه تابع لها وهو يعمل لحساب الإنجليز خاصة وللأوروبيين عامة. ولكن أردوغان ومن ورائه أمريكا كانوا واعين على الخبث الإنجليزي المعتاد، فدعموه إلى حدود سرت والجفرة معقلي حفتر، ثم أوقفوا الدعم وذهب وزيرا خارجية ودفاع تركيا إلى طرابلس وطلبا من السراج أن يقبل بوقف إطلاق نار دائم والتفاوض مع الطرف الآخر الذي تعتبره أنقرة مارقا! كيف يحصل ذلك؛ تعتبر حفتر متمردا ثم تطلب ممن تعتبره صديقها السراج أن يوقف القتال معه وأن تفاوضه؟! وحركت أمريكا مصر لتعلن أن سرت والجفرة خطوط حمراء ليكون ذلك مبررا لأردوغان لوقف القتال والتفاوض حتى لا تحدث حرب إقليمية لا تحمد عقباها. فخضعت حكومة السراج بعدما كانت تهدد أنها ستقتحم سرت وهي على تخومها. وأدخلت أمريكا روسيا على الخط لتكون على الطرف الآخر مع حفتر وهي تنسق مع تركيا على تأمين وقف إطلاق النار. ويظهر أن السراج خاب فأله واستيأس فأعلن يوم 31/10/2020 أنه سيستقيل فتفاجأت تركيا ودعت السراج للتشاور، وتكثفت لقاءات المسؤولين الأتراك والليبيين، وقيل إن ألمانيا تدخلت وطلبت منه أن يثبت حتى تنتهي العملية السياسية، فعدل عن استقالته.
نقل موقع "خبر7" التركي يوم 7/11/2020م أن أردوغان سيقوم بزيارة طرابلس خلال أيام لتعزيز العلاقات الثنائية بينهما. ونقل الموقع عن مصادر دبلوماسية أن أردوغان أبلغ السراج بأن قرار الاستقالة الذي اتخذه ليس صائبا، وهذا القرار سيساهم في تغيير الموازين لصالح الجهات المعادية للشعب الليبي. وقد تناولا خلال لقائهما الأخير في إسطنبول "سبل تعزيز التعاون بين البلدين". فمن مصلحة أمريكا أن تبقى تركيا مؤثرة على حكومة السراج، حتى تنفذ بواسطتها إلى سياسيين وتجعل السراج وحكومته تحت السيطرة لتؤمن نفوذها على المدى البعيد، وخاصة أن حفتر غير مضمون النجاح رغم المحاولات منذ عام 2011 حتى اليوم، فلم تعد تعتمد عليه بالكلية.
وبدأت بريطانيا تمسك بخيوط اللعبة السياسية لوجود حشد من العملاء لها هناك، فوقع طرفا الحوار الليبي يوم 7/10/2020 على مسودة اتفاق معايير اختيار المناصب السيادية عقب انتهاء الجولة الثانية من المفاوضات التي بدأت يوم 2/10/2020 في مدينة بوزنيقة بالمغرب، ويتعلق الاتفاق بتطبيق المادة 15 من اتفاق الصخيرات بالمغرب الموقع في 17/12/2015. فمن جانب الحكومة الليبية في طرابلس وقع محضر الاتفاق رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة فوزي العقاب، ومن جانب برلمان طبرق وقعه رئيس وفد البرلمان يوسف العقوري في ضواحي العاصمة الرباط.
وتشير المادة في فقرتها الأولى إلى أن "مجلس النواب يتشاور مع مجلس الدولة بالوصول إلى توافق حول شاغلي المناصب القيادية للوظائف السيادية التالية: محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس جهاز مكافحة الفساد ورئيس المفوضية العليا للانتخابات وأعضائها، ورئيس المحكمة العليا والنائب العام". وتنص الفقرة الثانية من المادة أنه يتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على هذه المناصب.
وبريطانيا هي التي صاغت اتفاقية الصخيرات عام 2015 وجعلت مجلس الأمن يتبناها ولم تستطع أمريكا معارضتها لأنها تظهر كأنها أوجدت حلا للمعضلة الليبية ووجد رأي عام عالمي لها. وأعلن حفتر يوم 27/4/2020 إسقاط الاتفاقية وترؤسه للبلاد فتصدى له رئيس النواب في طبرق عقيلة صالح وهو من عملاء الإنجليز، ففشل حفتر في ذلك.
وتجري المفاوضات بين وفدي اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) المنبثقة عن مسار مؤتمر برلين لتطبيق وقف إطلاق النار بإشراف مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني وليامز الأمريكية فأعلنت يوم 4/11/2020 التوصل إلى توافق حول بنود الاتفاق وقالت: "12 بندا لتطبيق وقف إطلاق النار أبرزها تشكيل لجنة عسكرية فرعية للإشراف على عودة كافة القوات الأجنبية إلى بلادها وانسحاب قوات الطرفين عن سرت والجفرة"، وبموجب الاتفاق الذي وقع في جنيف يوم 23/10/2020 حددت فترة مدتها 90 يوما لمغادرة جميع القوات الأجنبية الأراضي الليبية. وتحدد يوم 16 من الشهر الجاري لعقد اجتماع في البريقة شرق ليبيا لمناقشة توحيد جهاز حرس المنشآت النفطية. واتفق الطرفان على إنشاء لجنة هندسية مشتركة لنزع الألغام واستئناف الرحلات الجوية بين طرابلس وبنغازي وبين غدامس وسبها. وينص على "تحديد المجموعات المسلحة ودمجها في مؤسسات الدولة الليبية". وقال أردوغان "إنه يأمل أن يلتزم الطرفان بالاتفاق، ولكن ثباته لا يبدو لي قابلا للتحقيق بدرجة كبيرة. وعلل ذلك بأن الاتفاق لم يتم بين مسؤولين رفيعي المستوى" وقال: "لا نعلم إن كان المرتزقة من أمثال فاغنر سينسحبون من ليبيا خلال ثلاثة أشهر أم لا". علما أنه ينسق مع روسيا في ليبيا! وأمريكا لا تضغط على روسيا لتسحب هذه القوات وغيرها حتى تحقق أهدافها في ليبيا والمنطقة كما فعلت في سوريا وهي لا تطالبها بالانسحاب من هناك حتى تنفذ حلها السياسي.
فأردوغان يعلم أن الأمور لم تنضج بعد حتى تنفذ الاتفاقيات، وهو يضغط على السراج ليقبل بالطرف الآخر. وستيفاني ويليامز تريد أن تحقق شيئا حتى تظهر أنها ناجحة لتعين مبعوثة دائمة لليبيا إذ لم يتم الموافقة عليها.
وهكذا تبقى ليبيا في دوامة الصراع بين الأطراف الاستعمارية ووكلائهم الإقليميين والمحليين، والحل هو انتفاضة الناس ضد هذه الأطراف كلها وعدم تأييدها والسير وراءها، ويجب على الواعين المخلصين أن يستمروا في توعية الناس على هذه المؤامرات وتذكيرهم بأصالتهم الإسلامية والعمل على إقامة حكم الإسلام لا غير كما أمرهم ربهم متجسدا بخلافة راشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع