لقد تم حبس الأمريكيين في منازلهم خوفاً من فيروس جديد أودى بحياة أكثر من 100 ألف أمريكي هذا العام، لكن وفاة رجل واحد فقط في الخامس والعشرين من أيار/مايو أخرجتهم إلى الشوارع للاحتجاج، مع أعمال نهب وإشعال حرائق أثارت مخاوف من اندلاع حرب أهلية.
لقد قتل جورج فلويد (46 عاما) على يد الشرطة في مدينة مينيابوليس. وكان قد اشترى سجائر باستخدام ورقة بقيمة 20 دولاراً اشتبه صاحب المحل بأنها مزورة، لكن جريمته كانت أنه أسود. لم يكن يقاوم الاعتقال، لكن ديريك شوفين، وهو ضابط شرطة أبيض، ركع على رقبة فلويد لمدة 9 دقائق تقريباً على الرغم من أن الضحية كان يئن بأنه لا يستطيع التنفس ويستغيث بوالدته قبل أن يلوذ بالصمت. وكان لا يتحرك خلال الدقائق الثلاث الأخيرة قبل أن يرفع ضابط الشرطة ركبته أخيراً عن عنقه، على الرغم من أن العديد من الناس في مكان الحادث توسلوا إلى ضابط الشرطة أن يرفع ركبته عن رقبة الرجل. وكان ثلاثة ضباط شرطة آخرون يراقبون، لكن جورج فلويد كان مستلقياً تحت ركبة ديريك شوفين القاتلة، حتى بينما كان فريق إسعاف يفحص نبضه قبل نقله إلى المستشفى حيث أعلن عن وفاته. لقد عانى السود في أمريكا من التمييز العنصري العنيف والقمع لأكثر من 200 عام، ولكن هذه القضية استحوذت على اهتمام الناس في الولايات المتحدة بطريقة تاريخية مع تزايد الاحتجاجات يومياً.
تم استهداف السفارة الأمريكية في لندن وباريس وبرلين وكوبنهاجن والمكسيك، حيث أصبحت الولايات المتحدة رمزا للقمع في جميع أنحاء العالم. لقد شجع ترامب على العنف، داعياً إلى إطلاق النار على من يمارسون النهب وإلى سيطرة القوات الأمريكية الفيدرالية، على الرغم من حقيقة أن كل ولاية لديها قوة شرطة خاصة بها وحرس وطني. وأعلن ترامب بأنه "رئيس القانون والنظام" ومع ذلك فضّ أمنه مظاهرة سلمية خارج البيت الأبيض بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية حتى يتمكن ترامب من الحصول على فرصة لالتقاط صورة وهو يحمل الكتاب المقدس خارج كنيسة إلى جانب وزير دفاعه بالزي العسكري.
لقد هجر حلفاء سابقون ترامب. فقد رد جون ألين، وهو جنرال متقاعد من مشاة البحرية من فئة أربع نجوم قائلاً: "هذا ما يحدث في الأنظمة الاستبدادية. وهذا ما يحدث في الأنظمة غير الليبرالية. هذا لا يحدث في الولايات المتحدة، ولا ينبغي لنا أن نتسامح معه". ومضى يقول إن هذه الإجراءات "قد تشير إلى بداية نهاية التجربة الأمريكية". وقال وزير الدفاع السابق لترامب، جيمس ماتيس: "دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الشعب الأمريكي؛ حتى إنه لا يتظاهر بالمحاولة. بدلاً من ذلك يحاول أن يفرقنا... عندما انضممت إلى الجيش، قبل نحو 50 عاماً، أقسمت على دعم الدستور والدفاع عنه، ولم أحلم أبداً بأن القوات التي ستؤدي نفس القسم ستأخذ أمرا تحت أي ظرف من الظروف بانتهاك الحقوق الدستورية لمواطنيها، ناهيك عن المشاركة في التقاط صورة غريبة للقائد العام المنتخب بوجود قيادة عسكرية إلى جانبه". وقالت سيناتور جمهوري: "عندما رأيت تعليقات الجنرال ماتيس أمس شعرت ربما أننا نصل إلى النقطة التي يمكننا أن نكون أكثر صدقاً فيها بشأن المخاوف التي قد نشغلها داخلياً ولدينا شجاعة قناعاتنا للتحدث". وكان رد ترامب على السيناتور من حزبه التي ستسعى لإعادة انتخابها في عام 2022، نموذجياً "احصل على أي مرشح جاهز، جيداً كان أو سيئاً، لا يهمني، أنا أؤيده. إذا كان لديك نبض، أنا معك!" ويسعى ترامب لإعادة انتخابه في تشرين الثاني/نوفمبر، لكن كبير موظفيه السابق في البيت الأبيض، جون كيلي، قال: "أعتقد أننا بحاجة إلى النظر بشكل أكثر صعوبة في من ننتخبه"، وناقض بعض مزاعم ترامب حول جيمس ماتيس.
إن ما يحدث في أمريكا الآن هو أكثر من مجرد أمة تنتفض ضد العنصرية، هناك تمرد ضد إدارة ترامب. وقد دافع أحد أقرب حلفاء ترامب، السيناتور ليندسي غراهام من ولاية كارولينا الجنوبية، عنه بالقول: "منذ أن يستيقظ الرئيس ترامب حتى يذهب إلى الفراش هناك محاولة لتدمير رئاسته". ما يجعل هذه اللحظة خطيرة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة هو أن ترامب يحظى بدعم شعبي قوي من العديد من الناخبين الذين يشعرون بأنهم مهملون ومخدوعون مثل أولئك الذين يعانون من وحشية الشرطة والعنصرية، ويُنظر إليه على أنه بطلهم.
ولتهدئة التوتر، عاقبت وزارتا الشرطة والعدل ووجهتا الاتهام إلى ضباط متورطين في قتل جورج فلويد وغيرها من الأعمال الوحشية في جميع أنحاء البلاد، وعندما فشلت هذه الأعمال في إرضاء الحشود، زيدت الإجراءات المتخذة ضد الضباط. ومع ذلك، فقد بدأ رد فعل عنيف؛ فقد استقال 57 من ضباط الشرطة في بافالو بنيويورك من فريق الاستجابة للطوارئ بعد توقيف ضابطين تم تصويرهما وهما يدفعان متظاهرا يبلغ من العمر 75 عاما إلى الأرض كان يحتج بعد سريان حظر التجوال. واعتقل رجل لاعتدائه على فتاتين كانتا تدعمان الاحتجاجات، ورجل آخر يلوح بمنشار ويوجه شتائم عنصرية، ما يدل على مدى قوة المشاعر من جميع الجوانب. إن الولايات المتحدة منقسمة بمرارة، وغير متأكدة الآن من نفسها أو مكانتها في العالم.
رأيك في الموضوع