(مترجم)
في يوم 12 من حزيران/يونيو 2017 بدأت القناة الترفيهية الأمريكية "شوتايم" ببث الفيلم الوثائقي المكون من أربعة أجزاء وعنوانه "مقابلات بوتين" والذي قام بتصويره أوليفر ستون؛ المخرج الأمريكي الشهير. وفي الوقت نفسه تم عرض الفيلم في روسيا على "القناة الأولى". وفي 15 حزيران/يونيو 2017 قامت وسائل الإعلام الروسية إلى جانب القنوات الناطقة باسم حكومة الكرملين مثل "روسيا اليوم" و"سبوتنيك" بنشر أخبار مفادها أن بوتين أخبر ستون بأن "موسكو لن تسمح بأن تصبح روسيا دولة الخلافة".
رغم الادعاء بأن الفيلم الوثائقي موضوعي ونزيه؛ إلا أن الجميع لاحظوا ولاء المؤلف المطلق وانحيازه لبوتين. ففي الجزء الثالث من الفيلم سأل ستون بوتين عن أسباب مشاركة القوات الروسية في العمليات العسكرية في سوريا، حيث أجاب بوتين: "إنهم سينشرون الخلافة من جنوب أوروبا إلى آسيا الوسطى"، وردد المخرج وراء الكواليس: "وهذا هو الخطر الأعظم"، بينما أظهروا على الشاشة التوسع الأسود على خريطة العالم الذي يمثل انتشار الخلافة والتي تتسع لتشمل البلاد الإسلامية دون استثناء وشبه جزيرة بيرينان وأبينين والبلقان. وعلاوة على ذلك فإن الحدود الشمالية لدولة الخلافة التي صورها الفيلم تحدها مباشرة روسيا في منطقة آسيا الوسطى. ونتيجة لذلك أنهى بوتين خطابه في الجزء الثالث والذي كرس نصفه لتبرير عمليات روسيا الدموية في سوريا حيث قال: "لا يمكن أن يكون أي دين عالمي مصدرًا للشر. وفي الإسلام هناك العديد من التيارات والانقسامات أهمها الشيعة والسنة، ونحن نرى حتى اليوم أن هناك تناقضات عميقة بينهما. وبالرغم من ذلك أعتقد أنه يومًا ما سيتغلبون على هذه التناقضات". وكان أوليفر ستون يطلق النكات بشكل غير لائق قائلاً: "أو أن موسكو ستقام فيها الخلافة"، وأضاف بوتين ضاحكاً: "حسناً نحن لن نسمح بذلك، ولكن ابقوا حذرين من أن تقام الخلافة في واشنطن بدلا من ذلك".
من الواضح أن تكرار موضوع الخلافة وتسلسل الفيديو المخيف مع الخريطة التي تبين توسع دولة الخلافة والتي تشمل أوروبا الحديثة (أي تلك الأراضي التي كانت تحت الحكم الإسلامي يومًا ما)، ومزحة ستون غير الطريفة، كل ذلك يدل على رسالة دعاية واضحة تمامًا من جانب الكرملين وهي: بوتين هو منقذ العالم من الخلافة القادمة.
فمن ناحية، فإن بوتين في الفترة التي تسبق انتخابات عام 2018 ينشر الخوف بين الروس من الخلافة، مبررًا بذلك الحاجة إلى إبقائه في منصبه لست سنوات أخرى ومبررا أيضًا سقوط الضحايا الجدد في العمليات العسكرية في سوريا. وقد نجح في ذلك، فعلى سبيل المثال قال والد أحد الطيارين الروس الذين لقوا حتفهم في سوريا معلقًا على وفاة ابنه: "إنه توفي دفاعًا عن أرض آبائه بسلاحه الذي في يديه، حتى لا تصل هذه العدوى السوداء إلينا، وبذلك لن نضطر للبس البرقع ونصلي كل أربع ساعات"، لذا فإن الروس يرون بوتين هو المنقذ الفعلي من الخلافة.
ومن ناحية أخرى، خاصة وأنهم كانوا يهدفون لبث الفيلم في أماكن أجنبية، فإن الفيلم يحتوي على رسالة مهمة للجمهور الغربي - لكل من النخبة السياسية والرأي العام، أن بوتين يسعى لأن يصبح واحدًا من القوى المتحكمة في هذا العالم وليس "منبوذًا بموجب العقوبات"، يقول بوتين للأوروبيين بطريقة أو بأخرى: "نحن لدينا عدو مشترك ولا يجب أن نختلف". بالإضافة إلى أن الفيلم بأكمله مليء بالكراهية للمسلمين سواء من جانب بوتين أم من جانب المؤلف. ومما لا شك فيه أن هذا الفيلم يهدف أيضًا إلى تحفيز عمليات الانحطاط وخيبة الأمل فيما يتعلق بالقيم الليبرالية في الغرب والتي أسفرت عن انتخاب ترامب رئيسًا لأمريكا ووصول القوميين في أوروبا للسلطة، والذي بفضله أصبح بوتين أكثر شعبية في الغرب، وبسببهفإن أوليفر ستون الذي كان ليبراليًا متحمسًا في الماضي وكان متعاطفًا مع السوفييت المنشقين أصبح اليوم المروّج الخاص لبوتين. إن بوتين في صورته يسعى وبشكل منهجي واضح للحصول على مكانة مميزة بالنسبة لمكانة خصمه الذي يمثل القوة المقابلة له - زعيم الإمبريالية الأمريكي. وهذه المكانة التي يسعى لها جذبت مخرج الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار. في الحقيقة إن بوتين ينطبق عليه قوله تعالى:﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾.
ومن الجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي يذكر فيها بوتين الخلافة، ففي عام 2004 في بداية عهده عندما كان بحاجة إلى إثبات سلطته وتعزيزها في البلاد وممارسة القمع السياسي، فقد قال في مقابلة مع واحدة من القنوات التلفزيونية: "بالمناسبة إن أهدافهم لا تقل عن العالمية، على سبيل المثال إنشاء الخلافة سيئة السمعة، وبالنسبة لنا فإن ذلك يرتبط بعواقب وخيمة وملموسة وغير مقبولة على الإطلاق، وهذا يعني بالنسبة لنا فقدان العديد من الأراضي في المقام الأول في جنوب البلاد ويعني احتمال اختلال هيكل الدولة الداخلي".
حسناً يا بوتين، إن المسلمين في الواقع سيقيمون الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي لن تسمح لروسيا أو أمريكا أو أي غيرهما برمي القنابل على نسائنا وأطفالنا وشيوخنا. سيأتي الوقت الذي ينكشف فيه كذبكم حول وجود خطر من انتشار الدين الذي أمر به خالق البشر، وسيأتي وقت تكون فيه روما والبيت الأبيض لنا، وأنت يا بوتين سيكون مكانك في نفايات التاريخ في هذه الحياة في نفس مكان القتلة أمثالك، وفي الآخرة عقاب شديد.
* عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع