لقد كان مؤتمر أستانة 4 والذي عقد في 4/5/2017م، لقد كان محطة خطيرة في مسار ثورة الشام، حيث تمخض عن هذا المؤتمر اتفاق مناطق "خفض التصعيد" والتي تم التوقيع عليها من قبل روسيا وإيران وتركيا كدول ضامنة لتنفيذ هذا الاتفاق.
اتفاقٌ في ظاهره الرحمة، وفي باطنه من قبله العذاب، حيث ينص على وقف القصف والاشتباكات في المناطق المحددة، دون غيرها، كي يتفرغ النظام المجرم لإكمال مسيرة التهجير التي بدأها في محيط العاصمة دمشق، ففور بدء سريان الاتفاق بدأ النظام بتهجير حي برزة الدمشقي ومن ثم بدأ هجومه على حي القابون الدمشقي محرزاً تقدماً في المنطقة على حساب الثوار، في الوقت الذي تجري فيه في نفس الحي مفاوضات تفضي إلى إخراج ساكنيه إلى إدلب، ضمن صفقة تشبه الصفقات التي طالت كثيراً من أحياء تحيط بدمشق معقل النظام.
كما أن بنود هذا الاتفاق المشؤوم تنص على "اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواصلة القتال ضد داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي حددها مجلس الأمن الدولي داخل وخارج مناطق التصعيد"، ما يعني أن هذا الاتفاق يوجد شرخاً كبيراً في صفوف الثوار بين من يوافق ومن يعارض، ومن ثم محاربة من يعارض هذا الاتفاق تحت ذريعة (الإرهاب)، وأيضاً فإن الاتفاق يعطي الحق للطائرات الروسية والأمريكية لقصف مناطق المسلمين في الشام تحت الذريعة نفسها التي لطالما استخدمها النظام في حربه على الثورة، وهي "محاربة الإرهاب".
إن التوقيع على هذا الاتفاق والموافقة عليه هو إعلان انتهاء العمل على إسقاط النظام عسكرياً والخوض في الحل السياسي، وهذا عين ما تريده أمريكا وكانت تسعى له منذ عقد مؤتمر جنيف1 في حزيران 2012م، وهذا يمهد لنزع السلاح من المعارضة وحصر حمل السلاح في الجهات المعترف بها دولياً وهي جهة النظام المجرم لا غير، وهذا يمهد لوأد الثورة، وقتلها قبل أن تؤتي ثمارها، وقبل أن تحقق أيّاً من أهدافها.
في هذا الاتفاق كان العنصر التركي هو الأبرز، حيث يبدو جلياً أنه سعى حثيثاً لتوقيع الاتفاق والمضي به قُدماً، مع أن تركيا هي نفسها التي أطلقت الوعود بدفاعها عن الثورة وحملت لواء الصداقة للشعب السوري، وبهذا الاتفاق تضمن تركيا عدم شنِّ عمليات عسكرية ضد النظام من قبل المعارضة الموقِّعة على الاتفاق، وهذا أمرٌ يبدو بوضوح أنه لصالح النظام المجرم، فلماذا تقدم هذه الخدمات وتسعى لإنجاح الحل السياسي الأمريكي؟!، إنها تطمع في إطلاق يدها لمنع الأكراد من إقامة دولة على حدودها في الجنوب، رغم أن "درع الفرات" طردت تنظيم الدولة من جرابلس والباب، بينما بقيت منبج تحت سيطرة المليشيات الانفصالية الكردية، والتي لطالما طالبت تركيا من أمريكا أن تنسحب هذه المليشيات شرق الفرات، وانتهت عملية "درع الفرات" ولم تنجز ما صرحت به تركيا، وبعد هذا الاتفاق تلقت هذه المليشيات دعماً من أمريكا، وقامت بإحراز تقدم على حساب تنظيم الدولة حيث سيطرت على مدينة الطبقة شرق حلب، وبهذا تصبح هذه المليشيات المدعومة من أمريكا على أطراف الرقة معقل تنظيم الدولة، ويتبدد حلم تركيا في تقديم فروض الطاعة لأمريكا، وتجيب أمريكا على سؤال تركيا المتكرر "إما تركيا، وإما الجماعات الانفصالية".
وفي ظل هذا المكر المحيط بثورة الشام يبقى حزب التحرير - الرائد الذي لا يكذب أهله - صادعاً بالحق، حاملاً لواء رسم الطريق الصحيح لثوار الشام، فقد أصدر الحزب في ولاية سوريا بياناً في السابع من الشهر الجاري يدق فيه ناقوس الخطر المحدق بالثورة، ويؤكد أن هذا الاتفاق ما هو إلا حفرة جديدة يريد أساطين المكر العالمي أن يوقعونا فيها، ووضّح نتائج الاتفاق المشؤوم وما يعود به على أهل الشام ضمن عدة نقاط أهمها:
1- فتنة جديدة وشق للصف واقتتال، بدايةً بين من هو معارض للاتفاق من الفصائل ومن هو موافق عليه، ومن ثم بين من يرضى عنه الغرب ومن هو غاضب عليه.
2- تحويل فصائل الثورة إلى حراس لمناطق النظام كما حدث يوماً في الفوعة وكفريا، لقمع أي محاولة جادة لتحرك مخلص.
3- إراحة النظام وتفرغه لاستعادة مناطق أخرى.
4- التمهيد لطرح فكرة نزع السلاح من المخلصين في المناطق المحررة، وذلك بغية إيجاد مناطق منزوعة السلاح.
5- عزل الخارجين عن الإرادة الدولية والرافضين للحل الأمريكي في منطقة صغيرة لضربهم والقضاء عليهم.
6- شرعنة استمرار القصف الروسي وقصف التحالف الذي تقوده أمريكا للمناطق التي لا يسيطرون عليها وقتل المسلمين من غير تفريق بينهم تحت ذريعة قصف (الإرهابيين).
7- دخول قوات تركية وعربية إلى المناطق المحررة بحجة الفصل بين النظام والمعارضة للإشراف المباشر على الفصائل المرتبطة بها، وإعادة هيكلتها وتأهيلها للاندماج في مرحلة تالية مع جيش النظام.
كما أكد حزب التحرير/ ولاية سوريا في بيانه أن كل تدويل لقضايا المسلمين يعني تسليمها لأعدائها وبالتالي خسارتها، ودعا أهل الشام لمنع تنفيذ بنود هذا الاتفاق الخطير، والأخذ على يد المتلاعبين بدماء المسلمين، ومن ثم تبني مشروع سياسي واضح منبثق عن عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذا المشروع الذي قدمه حزب التحرير، واتخاذ حزب التحرير كقيادة سياسية تقود السفينة إلى بر الأمان.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾.
رأيك في الموضوع