من المعلوم أن تركيا أردوغان تدور في فلك أمريكا، ولم يصدف أن خالفها أردوغان في أية جزئية، حتى ليكاد أن يصل إلى حد العمالة والتبعية المطلقة لأمريكا، ولذلك ارتكب الخيانة بخداعه الثوار لتسليم حلب للروس وللنظام حسب المخطط الأمريكي للقضاء على ثورة الأمة وتثبيت النظام العلماني العميل، فأكثر ما يمكن أن يفعله هو مطالبة أمريكا بمطالب يراها من مصلحة بلاده ومصلحته الشخصية، فإن وافق ذلك أمريكا فإنها تلبيها، لأن ذلك من مصلحتها، وإن لم يوافقها فإنها ترفضها ولا تسمح له بفعلها. ومن هذه الزاوية يجب النظر سياسيا لتحركات أردوغان الخارجية، ومن ثم التقيّيم من زاوية الإسلام. فإن لم يفعل المسلم الواعي ذلك فإنه يُضلل نفسه وغيره.
فالشهر الحالي يشهد زيارات مكثفة لأردوغان لكل من الهند وروسيا والكويت والصين وأمريكا وبروكسل. وتأتي بعد أسبوعين من فوزه بالاستفتاء على تعزيز صلاحياته الدستورية لينطلق من موقع قوي، ولكنه لا يغير من واقعه المرتبط بأمريكا.
فالهند التي زارها يومي 30/4 و1/5/2017 تتبع أمريكا بقيادة مودي وحزبه، حيث تنفذ سياسات أمريكا. وبذلك يقوّي أردوغان موقف الهند إقليميا ودوليا، إذ طالب مع مودي في المؤتمر الصحفي المشترك بتوسيع مجلس الأمن الدولي في إشارة إلى دعمه موقف الهند المطالب بمقعد دائم في مجلس الأمن، فيعزز موقفها تجاه الصين ويصب في مصلحة أمريكا التي تعمل على تطويق الصين وإضعاف موقفها الدولي وإيجاد متصارعين معها إقليميا ودوليا.وذكر مودي أنه بحث مع أردوغان "العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية ودولية ذات اهتمام مشترك". ولكن أردوغان تجاهل مسألة كشمير إحدى قضايا المسلمين المهمة. فعندما سأله مراسل تلفزيون "وي أون" الهندي عشية الزيارة حول مسألة كشمير ذكر أنها "تحل بالحوار بين الهند والباكستان"، وساوى بين البلدين حيث اعتبرهما "صديقين لتركيا"، علما أن كشمير محتلة من قبل الهند، ويجب أن يدعوها إلى الانسحاب، بل يعمل مع الباكستان على تحريرها وطرد الهندوس منها.
وبعد ذلك قام أردوغان بزيارة روسيا لاستكمال الدور الذي رسمته أمريكا باستخدام روسيا لتنفيذ مشروعها في سوريا، فقال يوم 4/5/2017 "إن إنشاء مناطق آمنة كانت من أهم المواضيع حول سوريا التي بحثها مع بوتين" ومثل ذلك أعلن بوتين يوم 3/5/2017 عقب اجتماعه مع أردوغان بأن "النظام السوري موافق على المناطق الآمنة". علما أن روسيا عندما طرحت إدارة ترامب "المناطق الآمنة" ذكرت على لسان وزير خارجيتها أنها "لم تستشر، ولكنها مستعدة لقبولها"، فانصاعت وصاغتها مع تركيا باسم "مناطق تخفيف العنف". ولذلك عقد مؤتمر الأستانة بين عملاء أمريكا من النظام والمعارضة للاتفاق على تلك المناطق، وأعلن بوتين "توافق الجميع حول ضرورة استحداث آليات تضمن حقن الدماء وتوفير الظروف لإطلاق الحوار السياسي". وذكر أن "الإدارة الأمريكية تؤيد هذه الأفكار". وبهذا يتأكد أن ما تفعله "الدول الضامنة" روسيا وتركيا وإيران يجري بتأييد أمريكا لتنفيذ حلها السياسي القاضي بالمحافظة على النظام السوري التابع لها والقضاء على ثورة الأمة في الشام.
وفي زيارته للكويت يوم 9/5/2017 أعرب أردوغان عن ارتياحه لمستوى التعاون مع دول الخليج في المجال السياسي، حيث يعمل على تعزيز علاقاته بدول الخليج ضمن مخطط أمريكا الساعي للهيمنة عليها، فيصبح لتركيا دور مؤثر إقليميا موازٍ للدور الإيراني الذي تتخوف منه دول الخليج، وأصبحت أمريكا تجعله ثانويا إلا في استعماله لتخويف هذه الدول، فكما فعلت أمريكا عندما دفعت إيران للتدخل في سوريا، وعندما فشلت حركت تركيا بعدما أصبح لها تأثير على بعض الفصائل، فما لم تستطع أمريكا تحقيقه بواسطة إيران حققته بواسطة تركيا، وهكذا تريد أن تفعل في منطقة الخليج بواسطة تركيا.
وقام أردوغان يومي 12-13/5/2017 بزيارة الصين ليعقد قمة مع نظيره الصيني وأخرى ثلاثية مع نظيريه الصيني والروسي، وللمشاركة في منتدى اقتصادي دولي "الحزام والطريق" في بكين يشارك فيه 28 دولة. فكما عملت أمريكا بواسطة الباكستان لإغراء الصين في الاستثمارات فيها حيث اتفقا يوم 20/4/2015 على القيام بمشاريع تبلغ قيمتها 46 مليار دولار لتجعلها تنفق أموالا طائلة وتتلهى هناك، فتشغلها عن العمل للسيطرة على بحر الصين الجنوبي، وبذلك تقدم الباكستان خدمة لسيدتها أمريكا، فمثل ذلك تقدم تركيا الخدمات لسيدتها أمريكا لتقوم الصين بتمويل طريق الحرير بمبلغ 40 مليار دولار الممتد من الصين إلى تركيا، ومن ثم تنقل البضائع من هناك إلى أوروبا. وأثناء إلقائه كلمة أمام المنتدى قال أردوغان "هذا المشروع الشامل هو بمثابة خطوة لتأسيس نظام جديد يربط الدول على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية...". فهو يصرح بأن المشروع ليس اقتصاديا بحتا وإنما سياسي أيضا، والهدف منه سياسي بالدرجة الأولى كما ذكرنا. ولم يلتفت أردوغان إلى الجرائم التي ترتكبها الصين ضد المسلمين الأتراك الإيغور، بل ادعى كاذبا في زيارة سابقة للصين بأنه لا يقع ظلم على المسلمين في الصين!
وهذه الزيارات التي قام بها أردوغان إلى الهند وروسيا والكويت والصين غلفت بغلاف اقتصادي للتغطية على الأهداف السياسية، فتجعل الإنسان غير الواعي يلتفت إلى التصريحات المتعلقة بزيادة التبادل التجاري وإقامة المشاريع التي تجلب الرخاء للبلد! ولا يلتفت إلى المهم والمتعلق بخدمة المشاريع الأمريكية وخذلان المسلمين.
وبعد كل ذلك يزور أردوغان أمريكا يومي 16- 17/5/2017 ليلتقي رئيسها ترامب ليقول له لقد خدمتكم كثيرا! وأما قوله يوم 12/5/2017 "قرار واشنطن تسليح تنظيم "ب ي د" في سوريا، يتعارض مع علاقاتنا الاستراتيجية مع أمريكا وأنه ليس من الصواب رؤية حليفتنا الولايات المتحدة الأمريكية جنبا إلى جنب مع تنظيم إرهابي" فهو احتجاج خجول، ويؤكد أن موضوع سوريا هو المهم في زيارته لأمريكا، لإطلاعها على ما نفذه لها من أوامر في موضوع المناطق الآمنة وتفريغ المناطق من الثوار تمهيدا للقضاء على الثورة وليتلقى أوامر جديدة. واحتجاجه على ذلك القرار هو لدغدغة المشاعر القومية التركية، ولو كان جادا في احتجاجه لأوقف تعاونه مع أمريكا وانسحب من حلفها الصليبي، ولأغلق قاعدة إنجرليك ولقام بتجميد العلاقات معها، وذلك أضعف الإيمان. وقد احتج في مرات سابقة، ولكنه خضع لأمريكا؛ مثلما حصل في كوباني ومنبج.
وفي أوروبا أعلن أن رئيس مجلسها توساك ورئيس مفوضيتها يونكر سيجتمعان مع أردوغان على هامش قمة زعماء الناتو المقرر عقدها يوم 25/5/2017 ببروكسل، "وسيبحثان معه سبل تحسين العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا كما أوصت المستشارة الألمانية ميركل" بعد التوتر الذي حصل بين الطرفين مؤخرا، حتى لا تخسر أوروبا كل شيء هناك وتستحوذ أمريكا على كل الكعكة.
وهكذا نرى زيارات أردوغان تنطلق من زاوية خدمة المصالح الأمريكية مقابل الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية لبلاده والمصالح الشخصية لتعزيز صلاحياته وبقائه في السلطة لفترتين قادمتين، حيث كان ترامب أول المباركين والداعمين له ذاكرا عقب ظهور نتائج الاستفتاء يوم 16/4/2017 أنه "توجد هناك أشياء مهمة جدا سنقوم بها معا". وقضايا الإسلام والمسلمين ليست في حسبان أردوغان بشيء! وتلك القضايا تنتظر الخليفة الراشد القادم قريبا بإذن الله، لتكون محور السياسة الخارجية لدى دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع