شهدت إيران في 26/2/2016 انتخابات لمجلس الشورى ومجلس الخبراء، وقد اكتسبت هذه الانتخابات أهمية خاصة وذلك لأنها أول انتخابات تشهدها إيران بعد الاتفاق النووي مع أمريكا، كما أن الأنظار تركزت على انتخابات مجلس الخبراء هذه المرة لأنه الجهة المنوط بها اختيار من سيتولى منصب المرشد الأعلى في ظل شكوك وإشاعات حول حالة خامنئي الصحية، وكما هو معلوم فإن المرشد الأعلى هو الرئيس الحقيقي للبلاد وبيده كل السلطات، فبحسب الدستور الإيراني فإن المرشد الأعلى هو القائد العام للقوات المسلحة، وله صلاحية إعلان الحرب، وتعيين وعزلنصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عدد أعضائه اثني عشر عضوا، وتعيين وعزلرئيس السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، والقائد الأعلى لقوات الحرس الثوري، والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن، وللمرشد الأعلى أكثر من ألفي ممثل في كافة الوزارات ومؤسسات الدولة، وتتجاوز صلاحيات المرشد الأعلى في النظام الإيراني ما نص عليه الدستور فعليا لكونه "الولي الفقيه" مما يعطي لآرائه وقراراته قدسية خاصة بحسب نظرية الخميني في "الحكومة".
وعلى الرغم من الأهمية الخاصة لانتخابات مجلس الخبراء كما أشرنا إلا أن انتخابات مجلس الشورى لا تقل أهمية عنها، وذلك لأنه ظهر قبل وبعد الاتفاق النووي أن أمريكا تريد أن تنيط بإيران دورا معينا في المنطقة، فكان استعجال أمريكا لإبرام الاتفاق النووي وتذليل العقبات أمامه، وسرعة تجاوب إيران والتنازلات المذلة التي قدمتها لتسهيل الاتفاق بدعم ورعاية مباشرة من المرشد الأعلى للجمهورية بالرغم من وجود أصوات داخل النظام الإيراني عرّضت باتهام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بالخيانة؛ ففي إشارة إلى مصافحة ظريف لأوباما قال غلام حسين محسني إيجي المتحدث باسم القضاء دون أن يذكر جواد ظريف صراحة "بعض الجواسيس يتلقون أجرا، ولكن هناك نوعا آخر من التجسس يجب أن ننتبه له. إنه يمهد الأرضية للعدو".وأضاف "هؤلاء الناس سيقولون لماذا لا نسمح بمصافحة ودية مع العدو؟ ما الخطأ في مصافحة أوباما؟ ما الخطأ في الجلوس معهم والتحدث معهم والشرب معهم؟" (فرانس 24، 30/9/2015)، ومع وجود هذه الأصوات إلا أن الاتفاق النووي تم تمريره بالرغم من سيطرة ما يسمى التيار المتشدد في إيران على مجلس الشورى سابقا.
ومع هذا فإن بقاء ما يسمى بالتيار المتشدد متصدرا للمشهد في إيران مع الروح العدائية الدعائية التي أحاط نفسه بها لكسب التأييد الشعبي لم تعد تناسب النمط الجديد للعلاقة الإيرانية الأمريكية والتي ستتحول فيها إيران من الدوران في فلك أمريكا سرا إلى الدوران في فلك أمريكا علنا، لذلك وجدت الحاجة لإجراء تغييرات في الوجوه التي ستتصدر المشهد السياسي في إيران، وقد بدا لافتا للنظر أن الانتخابات الإيرانية شهدت تحالفات غير معهودة سابقا ظهر فيها تحالف ما يسمى بتيار الإصلاحيين مع ما يسمى بتيار المحافظين المعتدلين ضمن قائمة واحدة "قائمة أمل"، كما أن علي لاريجاني شارك كمرشح مستقل في معقل المحافظين مدينة "قم"، وتوزع تكتله السابق المسمى بـالسائرين على خط الولاية بين قائمة المحافظين المتشددين، مثل غلام رضا مصباحي مقدم، وقائمة "أميد" أو "أمل" ككاظم جلالي. وعلي لاريجاني كان رئيسا للبرلمان السابق وكان موقفه من الاتفاق النووي عدم طرحه للتصويت في البرلمان، حيث رفض لاريجاني فرض قيود قانونية على الاتفاق، ليتيح لعلي خامنئي "حرية التعامل مع الاتفاق مستقبلاً".
ومع إظهار كثير من وسائل الإعلام وكثير من المراقبين نتائج الانتخابات بأنها جاءت ضد رغبات المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، إلا أن هذا يتعارض مع فهم واقع السلطة في إيران وأدوات النفوذ التي يملكها علي خامنئي في إيران للتأثير على نتائج الانتخابات.
وقد جاء تعليق علي خامنئي على نتائج الانتخابات دالا على رضاه عن نتائجها؛ فقد أفادت وسائل الإعلام "أن الزعيم الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي أشاد بالإقبال المرتفع على التصويت في انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء. وكان هذا أول تعليق له منذ الانتخابات التي جرت يوم الجمعة. وقال خامنئي في بيان "أشكر الشعب الإيراني الحكيم صاحب العزيمة.. وآمل أن يتصرف البرلمان القادم بمسؤولية إزاء الشعب والله". (النهار 28/2/2016)، كما أن الحرس الثوري أصدر بيانا حول الانتخابات "أشاد بحجم الإقبال على الانتخابات وقبل بنتيجتها ضمنا، لكنه شدّد في الوقت عينه على الموقف المناهض للولايات المتحدة الذي يفضل مراعاته في السياسة المتبعة.وجاء في البيان "سيبذل الفائزون في الانتخابات أقصى جهودهم للدفاع عن كرامة إيران وقوتها واستقلالها، وحل القضايا الأساسية للمجتمع والشعب وإلحاق الهزيمة بالاستكبار العالمي عبر وعيهم وحكمتهم"(عربي21، 6/3/2016) فهذه الردود الناعمة تدل على أن النتائج جاءت وفق متطلبات الدور الإيراني الجديد والذي يتطلبه دوران إيران في فلك أمريكا والذي سيكون مع تصدر ما يسمى بالتيار الإصلاحي للمشهد - دورانا في الفلك الأقرب والأقرب لأمريكا، ولا يدرك ساسة إيران المتخاذلون أنهم بتماديهم في خدمة أمريكا وتفانيهم في تحقيق مصالحها، وتأمين نفوذها في بلاد المسلمين، طمعا في مكاسب إقليمية زائفة، كمن يلقي بنفسه في النار يظن أنه سيجد فيها الدفء فتحرقه وتلتهمه غير مأسوف عليه.
رأيك في الموضوع