اشتدت التهديدات من خطر تنظيم الدولة عقب حادثة التفجيرات في قلب جاكرتا يوم الخميس في الرابع عشر من الشهر الحالي، والتي أدت إلى مقتل ثمانية أشخاص، بينهم أربعة من المنفذين، وإصابة عشرين آخرين..
لا ريب أن ربط الهجمات بأنها أعمال إرهابية، لا يمكن فصله عن المصالح السياسية لمختلف الأطراف، وأولاها محاولات الغرب بقيادة أمريكا استهداف الإسلام وأحكامه وإبعاد المسلمين عنه، تحت ستار "محاربة الإرهاب"، خدمة لأهدافهم الاستعمارية. ويجري ذلك على نمط متكرر؛ فإن كان الغرب قد استخدم سابقا الحرب ضد من يسمونهم بإرهابيي القاعدة، فها هو اليوم يستخدم ذريعة محاربة "تنظيم الدولة". ومن أجل ذلك جندت أمريكا العالم كله وقادته في حلف واسع تحت هذه الذريعة؛ فاستعانت بروسيا وسخّرت إيران للقيام بما تعذر عليها القيام به بنفسها في مواجهة الثورة السورية بشكل خاص، وحرضت أوروبا على المساهمة والسير معها رغم اختلاف مصالحهما، وجمعت حكام البلاد الإسلامية في حلف تابع لها لمحاربة الإرهاب.
ومن الطبيعي أن ذلك يحتاج إلى مبرر، لا سيما في بلاد جنوب شرق آسيا النائية عن مركز نشوء هذا "الإرهاب" الجديد "تنظيم الدولة"، فجرى التصعيد من خطر "التنظيم" في هذه المنطقة منذ العام الماضي تقريبا مستغلين مبايعة بعض الإندونيسيين والماليزيين والفلبينيين بشكل خاص، وتزايد المنتمين لـ"تنظيم الدولة" بحسب ما نشرت أجهزة الإعلام الموالية للغرب. وازداد هذا التصعيد بعد هجمات باريس، وقد تمت اتفاقيات بين الدول الإقليمية والدول الكبرى بقيادة أمريكا لمحاربة الإرهاب؛ منها: الاتفاق بين ماليزيا والولايات المتحدة، على تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب، ومنها: التعاون الماليزي - الهندي في مكافحة التطرف والإرهاب، وتم أيضا التعاون الفعال بين ماليزيا وأستراليا؛ ومنها: الاتفاق بين تايلاند واليابان على مكافحة الإرهاب بعد هجمات باريس، ومنها: الاتفاق بين أستراليا والفلبين، ومنها: تعزيز التعاون بين إندونيسيا وأستراليا لا سيما في مجال مشاركة المعلومات، بما في ذلك ما يتعلق بتمويل الإرهاب، وذلك في ختام محادثات ثنائية جرت في سيدني وجاكرتا.
وترافق ذلك أيضا مع تحذيرات من كل من أستراليا وسنغافورة من خطر "تنظيم الدولة" في دول المنطقة لا سيما إندونيسيا وماليزيا، وهذا ما يكشف الأغراض من تصعيد خطر "تنظيم الدولة"، وهو استهداف الأحكام الإسلامية وفكرة الخلافة بشكل خاص، وتجنيد دول المنطقة لمحاربة كل فكر له صلة بـ"تنظيم الدولة" على حد زعمهم.
فقد حذرت أستراليا من أن تنظيم الدولة يعزز وجوده في إندونيسيا من أجل إقامة "خلافة بعيدة" في هذه الدولة التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، موضحة أن ذلك يشكل تهديدا لأراضيها والمصالح الغربية. فقد قال النائب العام الأسترالي جورج برانديس عند عقده لقاءات مع وزراء إندونيسيين بحضور أعضاء في الحكومة الأسترالية والقادة الأمنيين في البلدين: "إن داعش لديه طموحات بتعزيز وجوده وحجم نشاطه في إندونيسيا بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء (الحياة، 28/12/2015م). ونقلت صحيفة "ذي أستراليان" عن برانديس قوله "هل سمعتم بعبارة خلافة بعيدة؟"، موضحا أن التنظيم أعلن عن نيته إقامة مناطق خلافة خارج الشرق الأوسط، وحدد إندونيسيا هدفا لطموحاته.
وقبل ذلك بأيام، جاءت تحذيرات أيضا من سنغافورة، حيث قال وزير دفاع سنغافورة نج إنج هين إن بلاده ترى أن التشدد الإسلامي يمثل "خطرا واضحا وحاضرا" على آسيا لا سيما الخطر الذي قد ينجم عن ترابط جماعات أعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية، وأضاف "والمقاتلون العائدون بايعوا الدولة الإسلامية بمهمة إنشاء خلافة إسلامية في منطقتنا من العالم" (رويترز، 9/12/2015م).
هذه هي الأجواء المسيطرة قبل تفجيرات جاكرتا الأخيرة؛ لذلك فإن الحكومة الإندونيسية سرعان ما أعلنت أن تنظيم الدولة هو من يقف وراء هذه التفجيرات، حيث قال الجنرال أنطون شارليان المتحدث باسم الشرطة الوطنية الإندونيسية، بعد سويعات من التفجيرات، إن الأشخاص الذين هاجموا منطقة التسوق المزدحمة في وسط جاكرتا "حاكوا الأعمال الإرهابية في باريس.. من المرجح أنهم من تنظيم الدولة" (عربية، 14/1/2016م ).. وأضاف أن الشرطة تلقت معلومات في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر حول تحذير من تنظيم الدولة بأنه "ستكون هناك حفلة" في إندونيسيا، في إشارة إلى اعتزامه شن هجوم في هذا البلد.
وهكذا استمر سرد الأخبار عن هذه الهجمات بأنها هجمات قام بها "تنظيم الدولة" على الرغم من التساؤلات، هل فعلا أن هذه الهجمات قام بها تنظيم الدولة..؟ وأهملت التساؤلات والغرائب كما أهملت التساؤلات عمن وراء هجمات نيويورك، هل صحيح أن وراءها القاعدة..؟ والتساؤلات عمن يقف وراء هجمات باريس، هل صحيح أن وراءها تنظيم الدولة..؟ هذا ما لا يهم الغرب ولا يهم أمريكا، فالمهم عندهم هو الحصول على المبرر لأهدافهم..
ودائما يأتي سرد الأخبار عن الهجمات الإرهابية من جانب واحد، فقد استغلتها أجهزة الإعلام حتى استقر في البلاد خطر "تنظيم الدولة" وخطر الأفكار التي يحملها، واغتنمها الليبراليون الموالون للغرب لتبرير تجريمهم لبعض الأحكام الإسلامية مثل الجهاد والخلافة، وبالتالي أصبح الخاسر الأكبر من هذه الهجمات هو الأمة الإسلامية، بينما كان المستفيد منها هو الغرب الذي يصل الليل بالنهار من أجل تخويف المسلمين من دينهم ومنع عودتهم إليه.
وواضح من تحذيرات أستراليا وسنغافورة التي تبعتها واعترفت بها حكومتا إندونيسيا وماليزيا وصعدتها أجهزة الإعلام الموالية للغرب واستفاد منها الليبراليون وعلماء السلاطين، أنه تم ربط هذه التفجيرات بقضية الخلافة الإسلامية، ولا شك أن الغرض من ذلك هو تجريم فكرة الخلافة وتنفير الأمة الإسلامية منها.
ثم جرت المحادثات الأخيرة، ليس فيمن يقف وراء هذه التفجيرات، وإنما في محاولات قامت بها الحكومة استغلالا منها لهذا الإرهاب الجديد "تنظيم الدولة"، منها محاولات تعديل القانون ضد الإرهاب، ومحاولات استعمال القوة العسكرية في مكافحة الإرهاب، والتعاون بين دول العالم، حيث زار وزيرا الدفاع في كلٍّ من ماليزيا هشام الدين حسين، وإندونيسيا رياميزارد رياكودو، المملكة العربية السعودية للالتقاء بالمسؤولين عن الملف الأمني والدفاعي والاستفادة من تجارب المملكة الناجحة في مكافحة التطرف والإرهاب، والاستفادة من خبراتهم (المنطق، 18/1/2016م).
ولا شك أن أمريكا وراء ذلك؛ فقد صرح باراك أوباما أمام قادة 18 دولة في قمة دول شرق آسيا في العاصمة الماليزية، أن الولايات المتحدة لن تتوانى هي وحلفاؤها في محاربة متشددي تنظيم الدولة الإسلامية، وأنهم سيلاحقون قادة التنظيم ويوقفون تمويله. وأضاف في مؤتمر صحفي بعد اجتماع بزعماء آسيويين في ماليزيا "تدمير (الدولة الإسلامية) ليس هدفا واقعيا فحسب... بل إننا سنحققه، سندمرهم وسنستعيد الأراضي التي يسيطرون عليها حاليا وسنوقف تمويلهم وسنلاحق قادتهم ونفكك شبكاتهم وخطوط إمدادهم وسندمرهم".. (الوطن العربي، 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 م)..
ولكن، هل الأمة الإسلامية لا تعي هذا الستار الذي تستخدمه أمريكا...؟ وهل ستنجح أمريكا في تنفير المسلمين من أحكام الإسلام التي تخافها هي وجميع دول الغرب من ورائها..؟ وهل سيتوقف حملة الدعوة الإسلامية من جراء هذا التشويه عما يدعون إليه من إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ويغيرون دعوتهم بحسب ما يريده الغرب..؟
لا شك أنه لن يغيب عن العالم ولا سيما الأمة الإسلامية أن الإرهاب الحقيقي هو الغرب وعملاؤه بقيادة أمريكا، فمن الذي دمر العراق، وأفغانستان، وسوريا، وفلسطين، وغيرها، أليسوا هم هؤلاء..؟ فكلما أظهر الغرب حقده على الإسلام باستهداف أحكامه والإساءة إلى شعائره وظلم أهله والتعدي على حرماته، زاد وعي الأمة على كيفية التعامل معهم. وقد مر على المسلمين كل هذا الجور والاعتداء وهم صابرون في مواجهته، وما حصل في سوريا هو خير دليل على مدى صلابة الأمة، وهم يقفون أمام عدوهم بدون خليفة يجمعهم. ولا يخفى على هذه الأمة الحقائق الثابتة عن إسلامهم على الرغم من سوء تصوير الغرب له، فالإسلام ليس بالإرهاب، وهذا ما أدركه الغرب من تاريخ المسلمين، ولكنهم جحدوا به ظلما، وعلوا، واستكبارا ومكر السيئ، وما عاقبة ذلك إلا هلاكهم وفشل كل مؤامراتهم..
قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿اسْتِكْبَارًا فِي اْلأَرْضِ وَمَكْرَ السَّىِّءِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّىِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ اْلأَوَّلِيَن فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً﴾..
بقلم: أدي سوديانا - إندونيسيا
رأيك في الموضوع