أعلنت الشرطة في فرانكفورت، التي شهدت الأربعاء 17/03/2015م صدامات على هامش افتتاح المقر الجديد للبنك المركزي الأوروبي، أعلنت عن إصابة 14 شرطيا، واعتقال 16 شخصاً، فيما أكد منظمو التظاهرة إصابة 21 من المتظاهرين. وقال منظمو الاحتجاج أن ما يقدر بنحو 10 آلاف متظاهر شاركوا في التجمع الحاشد، وأن الآلاف جاءوا إلى العاصمة المالية الألمانية من مناطق أخرى في أوروبا. وأن من بين الذين سيشاركون في التظاهرة ممثلين عن حركة العولمة البديلة (أتاك)، ونقابات، وممثلاً من الحزب اليساري الراديكالي اليوناني (سيريزا)، وميغيل أوربان من الحركة الإسبانية (بوديموس)، وغيرها.إن هذا الحدث لا يصح قراءته على أنه مجرد أعمال تنفذها المعارضة ضد الحكومة، أو جماعات صغيرة هنا وهناك، بل هو انتفاضة الشعوب ضد الرأسمالية، هو تحسس هذه الشعوب طريق الخلاص من الرأسمالية البشعة التي أصبحت وبالاً على أهلها. انظر مثلا إلى ما نشرته سكاي نيوز عن ألمانيا: "الرأسمالية هي سبب الفقر والجوع... هكذا يعتقد نحو ثلث الألمان حسبما أفاد استطلاع أجراه معهد "امنيد" لجامعة برلين الحرة، نشرت نتائجه الثلاثاء، كما تعتقد أغلبية أن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن توجد في ظل هذا النظام الاقتصادي".
إن أوروبا تنتفض في وجه الرأسمالية، فقد باتت شعوبها تدرك جشع الرأسماليين، وأن الشعوب هي ضحية على عتبة الجزار الرأسمالي الذي لا يرحم، ولا يهمه سوى مصلحته ومكاسبه ولو تدحرجت تحت أقدامه رؤوس الآلاف من الناس من شتى الشعوب، بما فيها شعوب أوروبا نفسها.
إن الرأسمالية هي مبدأ من وضع البشر، والمبدأ حتى نقرر قبوله أو رده، لا بد لنا من النظر في منشئه وأصله وأساسه، ومن أين أتى. وللمبدأ مصدران لا ثالث لهما: إما أن يكون من عند الله سبحانه وتعالى، وإما أن يكون من عند البشر، من نتاج عقولهم وتفكيرهم. وبهكذا نظرة ندرك تماماً أن أي مبدأ من عند البشر، فهو رد، لأن الإنسان عرضة للخطأ والتفاوت والتناقض والنسيان والتأثر في البيئة، ولا يدرك إلا ما حوله من واقع، وبالتالي فإن نظرته لعلاج القضايا تكون ناقصة، وبالتالي لا يستقيم له حال، وهذا أمر مشاهد محسوس، لا يمكن إنكاره. أما المبدأ الذي من عند خالق الإنسان والكون والحياة، الذي يعرف سكنات الإنسان ويعرف حركاته، ويعلم ما توسوس به نفسه، ويعلم ما يصلح له وما يصلحه، فإن مبدأً هذا مصدره لهو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ثم إن المبدأ إنما جاء ليعالج مشاكل الإنسان الناتجة عن سعيه الطبيعي لإشباع غرائزه وحاجاته العضوية. ولا بد للمبدأ من أن يستوفي شروطاً تتعلق به كمبدأ وتتعلق بالإنسان الذي وجد له المبدأ بوصفه الإنساني المجرد. وهذه الشروط هي أن توافق عقيدته فطرة الإنسان، وتقنع عقله. أما موافقة العقيدة لفطرة الإنسان، فهي بأن تقر ما في الإنسان من عجز واحتياج ونقص، وبالتالي تقر بأن الإنسان مخلوق لخالق مدبر، خلق الإنسان وما حوله وأرسل له نظاماً كاملاً يسير بحسبه في هذه الحياة. وأما إقناع العقل، فهو أن تتفق مع المسلمات البديهية الموجودة والمقررة عند الإنسان بوصفه إنساناً، لا بوصفه مسلماً أو غيره. وبناءً على ما تقدم، فإن النظرة إلى ما جرى في ألمانيا وما جرى من قبلُ في أمريكا من قبل حركة "احتلوا وول ستريت"، لا يجوز أن ينظر إليها على أنها أعمال عابرة، بل هي تعبير حقيقي عن رفض عميق من قبل الشعوب الأوروبية وغيرها للرأسمالية وإفرازاتها النتنة، إنه إدراك واضح بأن الرأسمالية مبدأ رجعي مقيت، أذاق البشرية الويلات وجعل القلة القليلة تتحكم في مقدرات وثروات الكثرة الكاثرة. فهل نحن على أعتاب ثورة أوروبية ضد الرأسمالية التي خرجت من رحم أوروبا نفسها؟
إن أوروبا الآن هي تربة خصبة للصراع الفكري مع الرأسمالية في عقر دارها، فلنعجل بدفنها في مخدعها، وفي عقول أبنائها، قبل أن تمتد اليد الطاهرة تجزّ أصلها فتجعلها أثراً بعد عين.
وإذا كانت الشعوب الأوروبية بدأت تتحسس طريق الخلاص من عفن الرأسمالية، فحري بأمة المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام أن تخطو خطوات كبيرة في سبيل هدم صنم الرأسمالية ورفع راية الإسلام خفاقة، تعلو ولا تدنو منها راية، ولا يكون ذلك إلا بخلافة ثانية على منهاج النبوة، فتسعد ويسعد بسعادتها الناس، فتزول الغمة وترفع الظلمة، ويسألونك متى هو، قل عسى أن يكون قريباً.
كتبه للراية: د. محمود محمد
رأيك في الموضوع