قالت السلطات المصرية إن العمل في قناة السويس الجديدة قد انتهى، وذكر مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس في مؤتمر صحفي أن العمل انتهى قبل المدة المحددة، ومن المقرر أن تفتتح القناة الجديدة في 6 آب/أغسطس 2015، والتي يقال أنها تكلفت حوالي 8 مليار جنيه بطول 72 كيلومتراً، عبارة عن 35 كيلومتراً من الحفر الجاف، بينما الـ37 كيلومتراً فهي عبارة عن توسعة وتعميق للقناة الأصلية التي يبلغ طولها 190 كيلومتراً تقريبا.
بعيدا عن الجدل في هذا المشروع وفي جدواه وفي نجاحه أو فشله، دعونا ننظر في واقع القناة ومدى النفع الذي يعود منها على أهل الكنانة (أقصد هنا شعب الكنانة البسيط الذي سال دمه وهو يحفر القناة الأولى واستنزفت أمواله ودمه أيضا لحفر "الجديدة").
لقد تم حفر القناة قبل 145 عاماً بدماء أهل الكنانة، تحقيقا لحلم نابليون، ولتصبح فرنسا مهيمنة على مصر، ومن خلال قناة السويس، على حركة الإبحار والتجارة التي ستجتذبها القناة، وقد كان لفرنسا ما أرادت إلى أن انتقلت الهيمنة على مصر بقناتها إلى بريطانيا ومن ثم تحولت الهيمنة، قبل ما يزيد على ستة عقود، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فلم يحصل أهل الكنانة على شيء من عوائدها ولم يستفيدوا من وجودها على المستويين الاقتصادي والسياسي، بل المعلوم أنه تم ربط القناة باتفاقيات دولية تمنع مصر من التحكم في حركة المرور أو تعرِفتها أو حتى العملة التي يتم دفع رسوم العبور بها.
أما هذا المشروع الجديد فكما يظهر للمعاين وبغض النظر عن جدواه فإنه لا يتناسب مع حجم دعايته ولا الاحتفال به، اللهم إلا إذا قلنا، أن هناك من يتعطش لإيجاد، إنجازات ولو وهمية، تسكت عنه أصوات من بدأ يتضجر من مسانديه من أهل الكنانة، إلا أن أي إنجاز بلا واقع حقيقي ملموس يشعر به عوام الناس قبل خواصهم، سرعان ما سيكون أثره عكسيا وربما يكون سببا في إسقاط النظام كله.
إن هذا المشروع ما هو إلا حلقة من حلقات النهب الرأسمالية لثروات أهل الكنانة ومقدراتهم، ففوق كونهم لا يتحصلون على شيء من حقوقهم الفعلية في عوائد القناة، فقد تم ابتزازهم وتطميعهم عن طريق شهادات استثمار هي في حقيقتها سندات ربوية، يحصِّلون أرباحها من مشروع لم ينجز بعد ولم يتم تشغيله ولن يسمن أو يغني من جوع، بل قد يساهم في تجويع وإفقار أهل الكنانة فوق فقرهم، ففي الوقت الذي لا يملك فيه البسطاء غير مدخراتهم فإنهم يُدفَعون دفعًا إلى وضعها فيما لا طائل له ولا فائدة مرجوة منه.
فمن المستفيد من أي عمل أو توسيع للقناة؟! وهل يحتاجها أهل الكنانة؟! وهنا أحب أن أسمي ما حدث توسيعا وتعميقا لمجرى القناة حيث إنه لا يخرج عن هذا الإطار.
إن المستفيد الأول من قناة السويس وما يجري فيها من توسعات هي الدول الغربية التي تملك امتيازات العبور لبضائعها بدون تفتيش وبتعرِفات مخفَّضة أو بدون تعرِفات مرور أصلا، بالإضافة للشركات الغربية التي تقوم على الشحن والتفريغ والحراسة والتأمين للسفن التي تمر خلال القناة، أما عن الكلام عن فرص العمل فحدث ولا حرج في بلد ترتفع فيه نسبة البطالة والتضخم والفقر إلى أعلى معدلاتها، فلا فرص عمل ولا رعاية شئون في بلد أصبحت النفعية هي دينها وديدنها.
والواضح الجلي أن أهل الكنانة لم يستفيدوا من القناة الأصلية ولن يستفيدوا من "القناة الجديدة"، كما يحلو للنظام تسميتها، خاصة في ظل هذا النظام الرأسمالي المتحكم في مصر وأهلها، وإنما يحتاجون إلى من يزن الأمور بميزان الشرع فيرى ما يصلُح لأهل الكنانة ويُصلح حالها ويحسن رعايتها ورعاية أهلها وما يحقق وحدة الأمة ووحدة كيانها.
إن أهل الكنانة بحاجة إلى الخلافة على منهاج النبوة تعيد توزيع الثروات عليهم، ومنها عوائد قناة السويس، التي تعتبر شرعا من الملكيات العامة، والتي يوزع ريعها وجوباً على كل رعايا الدولة، لا أن تنهب مدخراتهم بوهمِ قناةٍ جديدةٍ تدر "ربحاً" ربويا عليهم، أما دولة الخلافة الراشدة، فستُبقِي على أموال الناس، وإن رأت، في توسعة القناة أو حتى حفر أخرى، خيرًا للأمة ولوحدتها، ففي موارد الدولة العامة ما يكفي بل ويفيض، وستسترجع فور قيامها سيادتها عليها، فتبطل خضوعها للقوانين والمعاهدات الدولية، وتخضعها لأحكام الشرع فتنظم تعرِفة المرور على أساس الشرع وتجعل قاعدتها الذهب فتضمن للأمة أموالها وللرعية حقوقهم.
نعم هذا ما يحتاجه أهل الكنانة، دولة تصلحهم وتقوم بما يصلح حالهم وبما فيه النفع لهم، ولا نفع لأهل الكنانة خاصة والأمة عامة، إلا بالإسلام ودولته التي تطبق أحكامه، فتضمن إيصال الحقوق إلى أهلها وتمنع نهب الغرب وأذنابه لثروات مصر الكنانة.
رأيك في الموضوع