قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى خلال العام الأول من حكمه بأكثر من 20 زيارة خارجية شملت دولا عربية وأفريقية وأوروبية. ولقد برز في أغلب تلك الجولات تركيز السيسي على تمرير رسالة مهمة للغرب مفادها إنني أنا رجلكم في محاربة الإرهاب، ذلك المصطلح المبهم الذي بدأت تتضح معالمه بأنه يعني الحرب على الإسلام ومنع الأمة من إيصال مشروعها السياسي إلى الحكم والممثل في دولة الخلافة على منهاج النبوة، وقد زاد السيسي في زيارته الأخيرة لألمانيا الأمر وضوحاً باستعماله لمصطلح "الفاشية الدينية"، إذ قال في المؤتمر الصحفي الذي عقدته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل معه في العاصمة الألمانية برلين يوم الأربعاء الثالث من 2015، "إن المصريين حاربوا الفاشية الدينية في 30 حزيران/يونيو"، وكان السيسي قد قال في كلمته أيضا "تناول لقاؤنا اليوم ملف مُكافحة الإرهاب، وأكدتُ على ضرورة تكاتف جهودنا للقضاء على الإرهاب واقتلاعه من جذوره، فآفة الإرهاب باتت تنال من الشباب والأجيال الصاعدة سواء في منطقتنا أو في أوروبا".
وقد بدا للمراقب والمتابع لذلك المؤتمر الصحفي كيف تعمد السيسي تزوير الحقائق ليظهر نفسه بصورة مغايرة تماما لما هو عليه، خاصة عندما تكلم عن حرصه الشديد على الإنسان المصري وحقوقه وعلى تطبيق القانون، وقد حرص على انتقاء مرافقيه من الصحفيين الذين شكلوا جوقة من المطبلين والمزمريين والمصفقين وكأننا في مؤتمر شعبي وليس في مؤتمر صحفي، وكأن هؤلاء رابطة مشجعين وليسوا صحفيين، حيث كانوا يصفقون بصوت عال للسيسي أثناء تصريحاته. إن وصلة التصفيق هذه تكسر قواعد البروتوكول الرسمي التي تقضي بعدم تردي المؤتمرات الصحفية للمسئولين إلى احتفاليات تأييد، وقد بذل المسؤولون عن وسائل الإعلام في دار المستشارية الألمانية جهودا لتهدئتهم. بل إن السيسي قد اصطحب معه مجموعة من الممثلين والممثلات ليمثلوا مشهد الشعب السعيد الفرح بقيادته والواثق بها ليرددوا أينما حل أو ارتحل شعاره الانتخابي "تحيا مصر" في وصلة نفاق مفضوحة.
كما بدا ارتباك السيسي وكذبه المفضوح عندما وجه له سؤال عن أحكام الإعدامات في مصر فقال: "إن هناك إجراءات قضائية في المحاكمة ونحن لا نتدخل في أحكام القضاء". ونحن جميعا نتذكر ما قاله السيسي في أكثر من مناسبة في خطابات تليفزيونية مباشرة إلى الشعب وأخرى مسجلة، إن هناك الكثير من الأبرياء سجناء، وأنه سوف يتم الإفراج عنهم قريبا. وهذا يعد اعترافاً مباشراً بأن الحكومة تعمد إلى الاعتقالات العشوائية بغير أذون قضائية والحبس فترات طويلة بغير جريمة ينص عليها القانون، وبغير دليل على تهم معينة، بالإضافة إلى إطلاق مدة الحبس الاحتياطي، فصار الحبس على ذمة قضية عقوبة في حد ذاتها، وهو يعلم ويقرر متى يتم الإفراج عن المعتقلين الأبرياء على حد وصفه. وكان رئيس "البوندستاغ" البروفيسور نوربرت لامرت قد رفض استقبال السيسي في البرلمان الألماني اعتراضا على ما اعتبره تعدياً على الحريات في مصر.
يحاول نظام السيسي تسويق سياسته إلى الخارج على أنَّها شيء مختلف عما هي عليه، إذ إنَّ السيسي يُقدِّم القمع المتَّبع من قبل نظامه على أنَّه إسناد لحرب الغرب على الجماعات "الإرهابية" الإسلامية. ويُلمِّح إلى أنَّ هناك تقاربًا واسعًا - حتى وإن لم يكن تامًا - بين مصالحه الأمنية والمصالح الأمنية الخاصة بالحكومات الغربية.
كان موقف الحكومة الألمانية المعلن أن الزيارة الرسمية للرئيس المصري لألمانيا لا بد وأن تأتي بعد إجراء انتخابات برلمانية في مصر، ولكنها عادت وتراجعت حتى لا يفوتها تحقيق أطماعها الاقتصادية في مصر والتي تتمثل في تطلع شركاتها؛ خاصة شركة "سيمنز" العملاقة للاستثمار بمشروعات للبنية التحتية في مصر،إذ وقعت مجموعة "سيمنز" تلك مع مصر صفقة بقيمة 9 مليارات دولار لتوريد محطات كهرباء تعمل بالغاز وطاقة الرياح بهدف زيادة طاقة توليد الكهرباء في البلاد بنحو 50%.، وتعد الصفقة أكبر طلبية منفردة على الإطلاق تتلقاها "سيمنز" وتدعم وحدتها لصناعات الغاز والكهرباء التي تواجه صعوبات جمة. وكان رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد الديمقراطي المسيحي فولكر كاودر الذي زار مصر في 29 آذار/مارس الفائت قد صرح بعد لقائه السيسي لنحو ساعتين، بأن ألمانيا ترى في مصر شريكا لا غنى عنه ومرساة للاستقرار في الشرق الأوسط. وأوضح كاودر أن زيارته كانت لاعتبارات اقتصادية أيضا، مشيرا إلى أن "الحكومة المصرية تريد جذب المزيد من المستثمرين الألمان إلى البلاد". وناشد كاودر السياسيين الألمان بدعم هذه الجهود.
قد يكون السيسي في حاجة لدعم دولة مهمة بحجم ألمانيا وهو الذي ما فتئ يُذكر أوروبا وأمريكا وكيان يهود بحجم الخطر الذي يتهددهم لو وصل الإسلاميون إلى الحكم، ولكن ألمانيا أيضا في حاجة إلى مصر كي تشارك أمريكا في نهب ثروات وخيرات الكنانة، فضلا عن كونها تدرك مخاطر انتشار "الإرهاب" الذي يحاربه السيسي في ربوع مصر وخاصة في سيناء، وتدرك خطره على أوروبا بشكل عام، وألمانيا بشكل خاص، فهي تدرك تماما أن وصول مشروع الأمة الحقيقي المتمثل في دولة الخلافة على منهاج النبوة إلى سدة الحكم في بلد محوري كمصر التي تعتبر قلب الإسلام النابض، تدرك تماما أن في حصول ذلك نهاية الغرب الحتمية وهو ما تخشاه برلين بكل قوة.
رأيك في الموضوع