منذ أيام وتحديدا الخميس الخامس من آذار/مارس 2015م، أجرى رئيس النظام المصري تعديلات وزارية باستحداث وزارتين جديدتين، هما وزارة السكان ووزارة التعليم الفني والتدريب المهنى، واستبدل 6 من باقي الوزراء أبرزهم وزير داخليته وأحد أهم داعمي انقلابه العسكري اللواء محمد إبراهيم، والذي وصل إلى الإمارات السبت 7 آذار/مارس مع أسرته في حراسة مشددة حسب ما نقلته بعض وسائل الإعلام.
معلوم أن محمد إبراهيم يُعَدّ أحد أضلاع عملية الإطاحة بمحمد مرسي وأحد شركاء فض اعتصامي رابعة والنهضة، فما الذي دفع النظام المصري إلى التخلي عنه الآن؟!.. من الواضح الجلي أنها محاولة فاشلة من سلسلة محاولات احتواء أهل الكنانة وتقزيم مطالبهم وطموحاتهم، في الوقت الذي أفلس فيه النظام الحاكم ومن خلفه أمريكا، ولم يعد لديه ما يقدمه أو يطرحه، حتى بدائلهم وأدواتهم هرمت وأدركها الوهن والعجز ولم تعد مقبولة لدى أبواقهم قبل معارضيهم، فضلا عن عجز أمريكا والغرب عن إدراك طبيعة حراك الشعوب فتحولت كل أعمالهم في الأمة إلى ردات فعل تهدف إلى احتواء الشعوب وحرفها عن مسارها.
إن الغرب الذي تعامل مع الأمة على مدار عقود طويلة بمعادلة واحدة لم تكن الشعوب طرفا من أطرافها، لا شك أنه كان سعيدا بغياب الأمة عن حلبة الصراع تحت عوامل التجهيل والتهميش والإفقار والقمع المتواصل، تلك المعادلة التي رسمها الغرب وكانت ترتكز على نظامه وأسسه وأحكامه، وأدواته فيها هم عملاؤه من حكام نصبهم هو على الأمة بعد أن قهرها، ونخب سياسية تمثل الوسط السياسي المحيط بهؤلاء الحكام؛ جلهم ممن تربوا في أوروبا على نمط العيش الغربي والمضبوعين بالغرب وحضارته وأفكاره، فصار فيها الغرب يصارع نفسه فيصنع الحكام ويصنع معارضيهم ويبدل الكراسي والمناصب، ويسارع الطرفان إلى خدمته منبطحين مقدمين كل مظاهر الولاء والخضوع. كل هذا على حساب الأمة ولرعاية مصالح الغرب في بلادها وتمكينه من خيراتها وثرواتها، كل هذا والأمة تتململ، تحت تأثير تلك الأفكار التي تضخها الحركات والأحزاب العاملة للتغيير على أساس صحيح مثل حزب التحرير، الذي نستطيع القول أن حجم الأفكار التي ضخها في الأمة هو الدافع وراء تلك الثورات، التي أدخلت الأمة إلى حلبة الصراع بل وجعلتها اللاعب الرئيسي والوحيد والمؤثر في الصراع، فسارع الغرب حثيثا لمحاولات خداع الأمة وإعادتها إلى سابق عهدها مستخدماً الأدوات والأساليب نفسها، بل والأغرب الأشخاص أنفسهم أحيانا، حتى تساقطت أدواته وأوراقه وتكسرت على صخرة الأمة، التي أدركت أن الغرب هو عدوها الأول، فصرنا نسمع في الميادين الهتافات ضد أمريكا وعملائها، وصرنا نسمع لن تركع أمة قائدها محمد، في الوقت الذي تنطلق فيه كل المسيرات من المساجد وتكون في ذروتها أيام الجمع، كل هذا والغرب وعملاؤه وإعلامه في واد آخر يحاول إيهام الأمة بأنها قد هُزمت وأنه قد تودّع منها، وأن إسلامها لا يصلح لحكمها، مكر الليل والنهار إن شئت أن تقول، ولكن ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
خلاصة القول أن الغرب الذي أفلس في تعامله مع الأمة لا زال يتعامل بالمعادلة نفسها وبنفس الأدوات، فأوعزت أمريكا إلى السيسي أن يقر تعديلات وزارية محدودة يقيل فيها بعض الوزراء بينهم ذلك الوزير الذي شارك في قتل آلاف الأبرياء واعتقال وتعذيب عشرات الآلاف بدعوى ضخ دماء جديدة، في محاولة مفضوحة لتجميل وجه النظام القبيح، وفي إطار ما تسعى إليه أمريكا من إبرام مصالحة بين الإخوان والحكام الحاليين، تضمن بها احتواء الحراك المستمر وتوقفه وبخاصة حراك الإسلاميين، فتقطع بهم الطريق أمام المخلصين العاملين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وتوجد متنفسا للشعب حتى لا يتحول الوضع في مصر إلى الصداع السوري والمطالبة المعلنة بدولة الخلافة على منهاج النبوة، فهل تفلح أمريكا؟! وهل يقبل الإخوان المصالحة؟! وهل يمكن أن تستقر الأمور في مصر بدون دولة خلافة إسلامية؟! وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم السياق الذي جاءت فيه زيارة السيسي للسعودية وتزامن تلك الزيارة مع زيارة أردوغان للسعودية أيضا، والذي يقوم بدور احتواء الإخوان لحين تقرر أمريكا هل ستعيد إشراكهم في اللعبة أم ستستمر في إبعادهم وضربهم بعصا السيسي.
إن الناظر المدقق لأحوال أهل مصر الكنانة ليرى بما لا يدع مجالا للشك أن تلك المحاولات ستبوء بالفشل وستجر أمريكا أذيال الخيبة، فلم يعد أمام الشعب ما يخسره بعد هذا الفقر والجوع والمرض والإهمال والبطالة المتفشية، بل والقتل والسجن والتعذيب لكل مطالب بشيء من حقه، وأمريكا لن تتوقف عن نهب ما تستطيع من ثروات مصر، وما آبار الغاز التي تنازل عنها النظام في البحر المتوسط منكم ببعيد.
فهل تفلح أمريكا وتقمع الشعب وتحافظ على رجالها ومصالحها؟! قطعا لا، وذلك لسببين: أولهما شرعي وهو وعد الله وبشرى رسوله r بعودة الخلافة على منهاج النبوة، وهذا معناه انعتاق كل بلاد الإسلام وعلى رأسها مصر من التبعية للغرب الكافر وزوال هيمنته على بلاد الإسلام. والثاني: أمر حتمي؛ فمطلب أهل الكنانة في حياة كريمة لم يتحقق ولن يتحقق إلا بخلافة على منهاج النبوة، وهذا يقودنا إلى أن الصراع سيبقى مستمرا، وسيبقى أهل مصر في حلبته إلى أن يدركوا أن الخلافة هي نجاتهم وأن يتخلوا عن أعلام "سايكس بيكو" والديمقراطية بالكلية، ويصبح مطلبهم هو الخلافة ورايتهم هي راية العقاب، ولن تجدي معهم أية عمليات تجميل لوجه النظام العفن، ولن تجدى معهم آلة قمعه الحديدية التي يلوح بها، بل إن هذا كله سيقود أهل مصر إلى المطالبة بخلافة على منهاج النبوة. ندعو الله أن نرى أهل الكنانة شعبا وجيشا يحتضنون حملة لواء الخلافة مطالبين بها مستنصرين الله على أمريكا وأعوانها والغرب كله، اللهم عاجلا غير آجل.
رأيك في الموضوع