بيعة الانعقاد للخلافة؛ عقد مراضاة واختيار، فلا يحق لأحد أن يكون خليفة إلا بالبيعة، فلا يقال: إن الخلافة منصب إلهي كالنبوة، وأن الله هو الذي عيَّن الخلفاء وجعلهم من المعصومين، كما جاء في الفكر الإمامي عند الشيعة، ولا يقال أيضاً: إن التغلب من طرق الوصول إلى السلطة، وأن الحاكم يتغلب على الأمة، ويأخذ الخلافة عَنْوة، كما أفتى بذلك بعض الفقهاء في السلطان المتغلب.
فالقول بأن الرسول ﷺ نصَّ على شخص مُعيَّن يكون خليفة بعده، أو عيّن الأشخاص الذين يكونون خلفاء بعده إلى يوم القيامة، مناقض لنصوص الإسلام كل المناقضة، وبطلان ذلك ظاهر؛ لأنه يتناقض مع نصوص البيعة. فعندما يكون الخليفة معلوماً، لا تبقى حاجة لتشريع البيعة؛ التي هي الطريقة الشرعية لنصب الخليفة. وكذلك جاءت نصوص صريحة على أن الرسول ﷺ لم يستخلف أحداً، بمعنى أنه لم ينص على أن يكون شخص معين خليفة بعده، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "قِيلَ لِعُمَرَ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ، فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ، فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" صحيح البخاري، فهذا نص على أن الرسول لم يستخلف، مع التنويه: أن استخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما كان ترشيحاً للخليفة بعده، ولم يكن تعييناً.
والخلافة عقد مراضاة واختيار، لا يصح بالإكراه؛ لا بإكراه من يُبايَع، ولا بإكراه الذين يُبايِعُون، لقوله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسيَانَ وَمَا استُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أخرجه ابن ماجه، وهذا عام في كل عقد من العقود ومنها عقد الخلافة، فلا تنعقد بالإكراه كسائر العقود، ولا تتم إلا بعاقدين كأي عقد من العقود، فإذا نَصَّب أحد نفسه خليفة دون بيعة من تنعقد الخلافة ببيعتهم لا يكون خليفة، إلا إذا بايعوه عن رضاً واختيار، أما قبلها فلا. فإذا أكرههم على البيعة فلا يكون خليفة بهذه البيعة التي أُخِذَت بالإكراه، ولا تنعقد له الخلافة بها، هذا في بيعة الانعقاد. أما بيعة الطاعة فمن يُلمَح منه التمرد على بيعة الانعقاد من ممثلي الأمة، يُجْبَر على بيعة الطاعة، فعندما انعقدت البيعة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، أصرّ على معاوية أن يُبايِع، ويدخل فيما دخل فيه الناس، وأجبر طلحة والزبير على بيعته، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك، فكان إجماعاً سكوتياً على صحة الإجبار على بيعة الطاعة، أما بيعة الانعقاد فلا يصح فيها الإجبار والإكراه. وهذا ما جاء بارزا في بيان بيعة انعقاد الخلافة في المادة 25 من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعده حزب التحرير: "الخلافة عقد مراضاة واختيار، فلا يجبر أحد على قبولها، ولا يجبر أحد على اختيار من يتولاها"، وكذلك في المادة 28: "لا يكون أحد خليفة إلا إذا ولاه المسلمون. ولا يملك أحد صلاحيات الخلافة إلا إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي كأي عقد من العقود في الإسلام".
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع