لقد بدأت فلسطين درةً في تاريخ المسلمين منذ أن ربطها الله سبحانه مع بيته الحرام برباط واحد عندما أسرى برسوله ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾. فجعلها أرضاً طيبةً مباركةً. وقد شد قلوب المسلمين إلى حاضرة فلسطين (بيت المقدس) بأن جعلها قبلتهم الأولى قبل أن يولي الله المسلمين قبلتهم الثانية (الكعبة المشرفة) بعد الهجرة بستة عشر شهراً. كان ذلك قبل أن تصبح فلسطين تحت سلطان الإسلام عندما فتحها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 للهجرة، وتسلمها من سفرونيوس وأعطاه عهدته المشهورة (العهدة العمرية) التي كان من نصوصها، بناءً على طلب النصارى فيها، (أن لا يساكنهم فيها يهود).
لقد كانت فلسطين درةً في تاريخ المسلمين قبل أن تفتح وبعد أن فتحت، فكانت مركز الثقل في بلاد المسلمين، كلما اعتدى عليها معتدٍ تحطَّم فيها مهما طال عدوانه. كانت مقبرةً للصليبيين، والتتار وستكون لأعداء الله يهود كذلك بإذن الله. فيها كانت معارك فاصلة مع الصليبيين والتتار: حطين (583هـ - 1187م)، وعين جالوت (658هـ - 1260م)، وستتبعها بإذن الله معارك فاصلة أخرى مع يهود لإعادة فلسطين خالصةً نقيةً إلى ديار الإسلام...
أيها المسلمون: إن بإمكانكم القضاء على عدوكم، وإعادة كل شبر احتل من أرض الإسلام، لا بل فتح بلادهم ونشر الخير في ربوع العالم، وأن تعودوا منارة الدنيا، وخير أمة أخرجت للناس.
إن بإمكانكم كل ذلك، ومفتاحه إقامة الخلافة الراشدة. فبلاد المسلمين هي بلاد المال والرجال، وفوق هذا وذاك، أرض المبدأ العظيم، الإسلام العظيم، الذي به تحيا الأمم وتُنقذ من الظلم والطغيان، ومن بلطجة أمريكا في القرن الحادي والعشرين.
إنكم قطب الرحى في هذه الدنيا، وبلادكم هي مسرح التجاذب والتنافس بين الدول الكافرة المستعمرة، لموقعها الاستراتيجي، وثرواتها الضخمة التي أنعم الله بها عليكم، أفيعرف الكفار عظمة خيراتكم ومواقعكم فيتنافسوا عليها، وأنتم تغمضون أعينكم عما وهبكم الله من نعمة وقوة؟
ألستم أنتم من فتح الفتوح، وجعل أمماً كثيرةً تترك أديانها الباطلة، وقومياتها الفاسدة، وتصبح أمةً واحدةً، يجمعها الإسلام، ويحركها الإسلام؟
ألستم من قهر التتار بعد عنفوان قوتهم، بل وأدخلتم بطوناً منهم الإسلام، لا زالت بقاياهم في شمال بلاد المسلمين تحمل الإسلام إلى اليوم؟
ألستم من قهر الصليبيين بعد أن بنوا ممالك ودولاً في أرضكم، فلفظتهم الأرض والسماء، واندحروا خزايا أذلاء؟
إن طواغيت اليوم: أمريكا وبريطانيا وأتباعهم، هم من جنس أولئك الغابرين، لم يتحملوا إلا معركةً واحدةً، اندحروا بعدها مهزومين، فقد كانت حطين بداية السقوط للصليبيين، وكانت عين جالوت فاتحة الانهيار للتتار. وهكذا هؤلاء، معركة فاصلة واحدة، تهد بنيانهم وكيانهم، فَمَنْ غيرُ الخلافة يبدأ هذه المعركة؟ لقد شهدنا غيرها بالسلاح الوفير والحشد الكبير، فلم تقاتل، لفساد الدين والدنيا، فباعت آخرتها بعرض من الدنيا قليل.
إن الخلافة وحدها هي الكفيلة بإزاحة أمريكا وبريطانيا عن المسرح الدولي، والقضاء على تحكم أمريكا بالموقف الدولي، وإنقاذ العالم من شرورها، ونشر الخير في ربوع العالم، والقضاء على كيان يهود المحتل لفلسطين، أرض الإسراء والمعراج، وإعادتها كاملةً إلى دار الإسلام.
عن كتاب قضايا سياسية لحزب التحرير
رأيك في الموضوع